الطقوس السياسية وإنتاج الشرعية
محكمة الغابون تحكم بالسجن 20 عاما غيابيا على زوجة وابن الرئيس السابق علي بونغو بتهم الفساد مصرع 42 مهاجراً بينهم 29 سودانياً في غرق قارب قبالة سواحل ليبيا كوريا الجنوبية تصدر حكمًا عاجلًا ببراءة أوه يونج سو بطل Squid Game من تهمة التحرش الجنسي وإلغاء أي محاولات استئناف أو اعتراض على الحكم الإعصار فونج وونج يجبر تايوان على إجلاء أكثر من 3 آلاف شخص ويتسبب بمقتل 18 في الفلبين وتدمير آلاف المنازل زلزال بقوة 5,1 ريختر يضرب منطقة شمال شرق مدينة توال بجزيرة بابوا إندونيسيا على عمق 10 كلم قائد قسد يصف انضمام سوريا للتحالف ضد داعش بخطوة لمحاربته نهائيا حركة الطائرات في مطارات الامارات تصل الى مستويات قياسية خلال يناير الى مايو كوشنر يؤكد لا إعمار لغرب غزة قبل نزع سلاح حماس غوغل تحذر من خطورة شبكات الواي فاي العامة على بيانات المستخدمين نعيم قاسم يؤكد أن وقف إطلاق النار مشروط بإنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان واستعادة الأسرى والسيادة كاملة
أخر الأخبار

الطقوس السياسية وإنتاج الشرعية

المغرب اليوم -

الطقوس السياسية وإنتاج الشرعية

مأمون فندي
بقلم : مأمون فندي

 

طقوس تتويج الملك تشارلز الثالث ملكاً لبريطانيا، وإعادة إنتاج الشرعية الملكية، شرعية التراضي الاجتماعي، رغم أنه رجل يملك ولا يحكم، ويظن البعض أنه ليس بحاجة لشرعية التراضي الاجتماعي، هي طقوس مفعمة بالترميز والدلالات القادمة من زمن غابر، كانت بداياتها في القرن الثاني عشر. والطقوس أمر يحتاج إلى قراءة متأنية لفهم إنتاج الشرعية في مجتمع مغاير يتحدث لغة مغايرة، ولديه ترميز له دلالات تسقط في الترجمة عندما ننقلها إلى مجتمعات أخرى وسياقات أخرى، فالطقوس مثل الشعر عندما نترجمه، ما يفقد في الترجمة هو الشعر ذاته. أما الطقوس الاجتماعية فيمكن تقريبها للفهم ولكن ترجمتها تحتاج إلى وجودها في سياقها، كنبتة طبيعية في أرضها، لا يفهمها إلا من خبر معانيها.

قد يسيء بعضنا القراءة، ويركز على مكان التتويج مثلاً، كنيسة ويستمنستر، فيرى أنه لا اختلاف بين دور الدين في الثقافة البريطانية وما يمثله الدين في ثقافات أخرى كوسيلة لإنتاج الشرعية، لكن الحقيقة هي أن الإصرار على زاوية قراءة المشهد من هذا المنظور حتماً سيؤدي إلى سوء قراءة وسوء فهم في الوقت نفسه.

نعم هناك الكنيسة التي هي قبل أن تكون مكاناً دينياً هي أيضاً ترميز معماري من حيث جماليات الكنيسة وعمرانها، لكنها أيضاً زمانية، أي أن وجود الكنيسة وتسيد رموزها للمشهد ما يلبث أن يختفي بنهاية دورها في مراسم التتويج وطقوسه.

الأمر لا يحتاج إلى أستاذ في السياسة أو الأنثروبولوجيا ليفسر لنا علاقة الدين بالسياسة في المجتمع البريطاني، كل ما تحتاجه هو أن تدير ظهرك للنهر في اتجاه حديقة غرين بارك الشاسعة لترى قصر باكنغهام حيث يقيم الملك، وهو قصر، على الرغم من أهميته ورمزيته، لا يضاهي قصر ويستمنستر، حيث مجلس العموم؛ فهو أقل منه في الحجم، يزينه العلم الملكي عندما يكون الملك في القصر، أو العلم الوطني في غيابه. ولكن حجم القصر أقل من البرلمان، أي أن سلطة الملك مقارنة بسلطات الشعب أقل؛ يملك ولا يحكم، ولقد فسرت ذلك بإسهاب ووضوح وتوسع في كتابي عن العمران والسياسة.

ثم تحرك بصرك بزاوية في اتجاه آخر، فترى رمزية الكنيسة الأنغليكانية، التي تمثل عقيدة بريطانيا الدينية، ممثلة في ويستمنستر آبي، وهي قطعة معمارية رقيقة بين البرلمان وقصر الملك في الشمال الغربي ومقر الحكومة، والكنيسة أقل حجماً من البرلمان، وأقل بالطبع من قصر الملك، وهنا يتضح لك أيضاً وبصرياً ومعمارياً أن دور الكنيسة في الحكم محدود جداً، وشبه رمزي، وقريب من الملك، وبعيد عن مبنى رئيس الوزراء.

إذن، وببساطة، الشعب يمثله القصر الأكبر أو برلمان ويستمنستر، والملك يمثله قصر أقل حجماً، ثم الكنيسة، ورمزية دور الدين في المجتمع، ثم مقر رئيس الوزراء.

انسيابية معمارية تمثل انسيابية السلطة التي تجري في عروق شوارع لندن، وتخطيطها العمراني، ما يجعل المواطن البريطاني، وحتى الزائر، مستقراً بصرياً في رؤيته ممرات السلطة وتدرجها؛ مَن يملك ماذا؟ ومَن يتحكم في ماذا؟ أمر شديد البساطة بصرياً.

خرجت من بيتي خصيصاً لأراقب الطقس الاجتماعي البريطاني المصاحب لتتويج الملك، وجلست على مقهى في ركن التقاء شارع نصف القمر (half moon street)، اخي اسم هذا الشارع، وسأكتب عنه يوماً ما، وفي زاوية تقاطعه مع شارع بيكاديلي الكبير، حيث تفصلك عن رؤية القصر الملكي حديقة غرين بارك.

وقد استوقفني ذلك النهر البشري الذي يمر من أمامي بلا نهاية. شوارع لندن كانت تعج بكل الأعمار والأجناس والألوان، أناس يحملون أعلاماً بلاستيكية يتحركون في نهر من البشر يتجه لمشاهدة تتويج الملك ومرور عربته، يخرجون من تلقاء أنفسهم، لم يحشدهم أحد ولم يجبرهم أحد على الخروج، في حالة من إنتاج الشرعية والرضا مشياً على الأقدام في جو مطير، فللشرعية طقوس قديمة يعاد إنتاجها، ولكنها شرعية حرة مبنية على التراضي الاجتماعي.

والسؤال هو: ماذا لو تخرج الآلاف المؤلفة؟ هل كان ذلك سينقص من شرعية الملك؟

أتصور أن البريطانيين والملك معاً يرون في تنظيم الطقوس وفلسفة الخروج والتراضي حاجة للاستقرار النفسي للطرفين، فلا الملك ملك من دون حركة هذه الأقدام على الأرض، ولا الشعب أمة إلا إذا تشارك في الرمزيات الاجتماعية البسيطة، من قبعات على الرؤوس بلون العلم، ولا الأعلام الموضوعة بشكل جمالي على رؤوس الفتيات، أو تظهر من حقائبهن الصغيرة.

هذا الترميز الاجتماعي والإجماع على فهم معانيه ودلالته بشكل مشترك في طقس اجتماعي عام هو الفارق بين النظام الاجتماعي والفوضى، بين عالم توماس هوبز وعالم جان جاك روسو وعقده الاجتماعي. لا تحتاج إلى قراءة هوبز أو روسو لفهم المعنى؛ فالمعنى قابع وواضح في حركة البشر في الشوارع، أناس أحرار جاءوا ليؤكدوا لأنفسهم وللملك أنهم أمة، وليست مجموعات من الغوغاء أو الزحام البدائي.

كان مشهد التتويج في الكنيسة، وخلع رداء الملك خلف الستار من أجل أن يدهن صدره بالزيت المقدس متبوعاً بالصلوات وترديد عبارات عاش الملك بينها، أمراً لافتاً.

أكد القس في موعظته في حالة من إنتاج تواضع القوة داخل الكنيسة أن تاج ملك الملوك في إشارة مسيحية لسيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، كان تاجاً من الشوك لا تاج قوة مرصعاً بالجواهر، وكان كرسيه الصليب الخشبي، وكان رداؤه هو جرحه، وأعتقد أن الزيت المقدس فيه رمزية تطييب الجرح، ومقارنة الملك بالمسيح في مسألة إدارة السلطة والسيادة والسلطان فيها من تهذيب السلطة الدنيوية التي قد تكون مفسدة في يوم من الأيام، هذا الترميز لا يغيب عن الشعب البريطاني وما يتوقعونه من دور الملك في إشاعة التراحم والاستخدام الرشيد للسلطة.

وقرأ رئيس الوزراء الهندوسي ريشي سوناك من الكتاب المقدس، رغم أنه ليس كتابه، للتأكيد على معاني الرموز في هذا الطقس الملكي الهادف إلى إنتاج التراضي الاجتماعي.

دور الكنيسة ينتهي هنا، وربما تحتاجه الأمة بعد سبعين عاماً أخرى أو عشرين عاماً في وفاة ملك أو تتويج ملك آخر، وهنا يتوقف دور الدين في السياسة في دولة علمانية بترميز ديني وتاريخي يحكي قصة الاستمرار والاستقرار.

أما إذا قرأت أن الملك لا يجد شرعيته إلا في الممارسات الكنسية التي شهدنا فتكون قد أسأت قراءة المشهد تماماً.

الطقوس لا يمكن نقل دلالاتها إلى ثقافات أخرى لا تلم بمفاتيحها ومرجعياتها، الطقوس كما الشعر عندما تترجم تفقد ما بداخلها، تفقد الشعر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطقوس السياسية وإنتاج الشرعية الطقوس السياسية وإنتاج الشرعية



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib