نقطة انقلاب في واشنطن

نقطة انقلاب في واشنطن

المغرب اليوم -

نقطة انقلاب في واشنطن

مأمون فندي
بقلم - مأمون فندي

وعدتُ بأن أكمل حديث غزة والأمن الإقليمي، ولكن ثمة حدثاً جديراً بالتعليق في واشنطن، متمثلاً في كلمة السيناتور الديمقراطي تشارلز (تشك) شومر، لا بد من التوقف عنده؛ حيث يمثل ما هو معروف في علم السياسة بنقطة الانقلاب أو التحول (tipping point).

تشك شومر هو عميد أعضاء الكونغرس عن ولاية نيويورك؛ إذ خدم في مجلس النواب الأميركي منذ عام 1981، نائباً عن الدائرة السادسة عشرة، ثم الدائرة العاشرة، حتى عام 1999، ثم انتقل إلى مجلس الشيوخ ممثلاً لنيويورك منذ عام 1999 حتى الآن. ويعد تشك شومر من أكثر مؤيدي إسرائيل في الكونغرس خلال أربعة عقود، ودونما مواربة؛ خصوصاً أنه يهودي ويدافع عن يهوديته بوضوح لا لبس فيه.

حديث تشك شومر الطويل من فوق منصة مجلس الشيوخ، الذي دعا فيه الإسرائيليين إلى انتخابات جديدة، والتخلي عن حكومة نتنياهو المتطرفة، كان بمثابة زلزال وصلت هزاته من واشنطن إلى تل أبيب، واستدعى ردوداً عاجلة من إسرائيل ومن كل أنصار اللوبي الإسرائيلي في واشنطن وخارجها. وشومر هو قائد الأغلبية في مجلس الشيوخ، وعمود خيمة اليهود في واشنطن، والحارس الأمين لمصالح إسرائيل في مجلسي النواب والشيوخ، ومع ذلك هو الرجل ذاته الذي اتهم نتنياهو بأنه حوَّل إسرائيل إلى دولة مارقة في نظر العالم، وأن حكومته لم تعد تعمل لصالح إسرائيل؛ بل لصالح فئة متطرفة في المجتمع الإسرائيلي.

هذه الكلمات -بالنسبة لي بوصفي دارساً لواشنطن ومعايشاً لسياستها- تمثل نقطة فارقة في العلاقات الإسرائيلية الأميركية، ولم أسمع هذا النوع من النقد لإسرائيل في واشنطن، ومن يهود، منذ عقود مضت.

مهم أن ندرك أن حالة الاشمئزاز والقرف من سلوك نتنياهو وحكومته داخل التيار الرئيسي في المجتمع اليهودي الأميركي لم تبدأ من تشك شومر؛ بل كان حديثه قمة هذا الغضب الذي بدأ منذ أربعة أشهر، بأحاديث علنية من المحترفين السابقين في الخارجية الأميركية، مثل دانييل كيرتزر الذي عمل سفيراً لأميركا لدى كل من إسرائيل ومصر، ويعد كيرتزر من المتدينين اليهود. ولم يكن كيرتزر وحده هو من انتقد حكومة نتنياهو على صفحات مجلة «فورين بوليسي»، فقد رأينا نقداً واضحاً من مارتن إنديك الذي كان مسؤولاً أساسياً في ملف السلام العربي الإسرائيلي، وعمل أيضاً سفيراً لأميركا لدى إسرائيل. إذن النخبة اليهودية الوسطية داخل أميركا ترفض نتنياهو وحكومته، وترى أنهما يضران مصالح إسرائيل.

وهذه نقطة تحول كبرى أوصلت الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أن يقول إنه طلب من نتنياهو أن يواجه المسيح (come to Jesus moment)، وهو تعبير أميركي يعني أن يواجه الإنسان الحقيقة، ويدرك ضرورة الحاجة إلى تغيير المسار والمنهج.

ربما لم يعلن بايدن حتى الآن المطالبة بتغيير حكومة نتنياهو، ولم يأمر إسرائيل بإيقاف الحرب، وهو قادر على ذلك لأسباب انتخابية، ولكن بعد حديث تشك شومر الذي أرى أنه كان منسقاً مع بايدن، سيجد الرئيس الأميركي الشجاعة في أن يقول ذلك.

لقد أحدثت سياسة الإبادة الجماعية والتجويع التي تبنتها حكومة إسرائيل المتطرفة، تحولاً في الرأي العام العالمي تجاه الحق الفلسطيني، ولم أكن أتصور أبداً أن هذا التحول يحدث في واشنطن، قلب قلعة اللوبي الإسرائيلي الحصينة.

كنت أتصور مقالاً من توماس فريدمان، أو تقريراً في مجلة «ذا نيشان» (مجلة اليسار اليهودي الأميركي)، ولكن لم أكن لأتصور أن تشك شومر ينتقد إسرائيل في يوم من الأيام. ومن هنا أقول إنها نقطة تحول جذرية في واشنطن، ستؤدي حتماً إلى لحظة تغير المسار، أو «لحظة مواجهة المسيح» كما قال جو بايدن.

السياسة في نهاية المطاف لا تصنعها أروقة الدبلوماسية؛ بل إن مادتها الخام تُصنع في الميدان، ثم تحولها الدبلوماسية أو تترجمها إلى عمل سياسي. ولولا صمود المقاومة الفلسطينية على الأرض لما تحول تشك شومر.

السؤال الآن هو: كيف يترجم الفلسطينيون هذا التحول، وينقلونه إلى مستوى جديد من الخيال السياسي؟ حتى اللحظة، هناك فجوة بين السلوك السياسي في رام الله وطبيعة الميدان في غزة، ومن قرأ التصريحات القادمة من رام الله يدرك أن السلطة ما زالت «على قديمه» كما نقول في مصر.

لكي يكون التحول في واشنطن أو نقطة الانقلاب التي تمثلت في خطاب شومر، فعالة، لصالح الحق الفلسطيني، لا بد من أن يقابلها تحول فلسطيني.

ليس نتنياهو وحده المطالب بتغيير المسار وإدراك لحظة الحقيقة ومواجهة المسيح؛ بل إن على محمود عباس الوصول أيضاً إلى لحظة المواجهة مع المسيح، وإدراك معنى اللحظة، ويغير المسار.

فقط؛ عندما يغير الفلسطينيون المسار، فسيساعدون دولاً عربية أخرى لمساندتهم والوقوف إلى جانبهم، لترجمة الواقع الميداني إلى عمل سياسي. أما حالة النرجسية وضيق الأفق والتركيز على المصالح الضيقة، فهي كارثة فلسطين منذ النكبة الأولى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نقطة انقلاب في واشنطن نقطة انقلاب في واشنطن



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib