ليس بالحوار وحده
أخر الأخبار

ليس بالحوار وحده...

المغرب اليوم -

ليس بالحوار وحده

مأمون فندي
بقلم : مأمون فندي

تطرح فكرة الحوار الوطني في الجزائر وتونس ومصر حلاً لأزمات الدول في الشمال الأفريقي، لكن ليس بالحوار وحده تحل الأزمات في الدول النامية ما لم يتم التعامل بجدية مع الأزمات الخمس الكلاسيكية من أزمات الدول النامية، وهذه الأزمات لا تنسحب فقط على الشمال الأفريقي، بل أجزاء كثيرة منها تراها واضحة للعيان في معظم بلدان العالم العربي مثل العراق وسوريا ولبنان، وبعض دول الخليج أيضاً. هذا المقال هو تذكير بأزمات التطور السياسي والانتقال من الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة، وما يصاحب هذه الأزمات الخمس من تبعات تؤثر على الميكنة السياسية لهذه الدول. الحوار حول هذه الأزمات الرئيسية ضروري جداً ولكنه ليس حلاً.
أولى أزمات التطور السياسي والانتقال من حالة الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة، هي أزمة الهوية، خصوصاً في المجتمعات متعددة الطوائف والأعراق والديانات، وربما اللغات واللهجات، وأحياناً خصوصيات جهوية تكون نذير حالات انفصالية، كما شهدنا حديثاً في حالة السودان، عندما وصلت أزمة الهوية الوطنية إلى انقسام السودان إلى جمهوريتين، واحدة شمالية وأخرى جنوبية. وحالة السودان ليست بعيدة كثيراً عن حالة العراق على المنحنى البياني لأزمة الهوية، وكان في السودان حوار وطني غير جاد لم يأخذ في الاعتبار طلبات الطرف الجنوبي بشكل جاد، وربما عدم جدية الحوار التي أوصلت السودان إلى سودانين، وتبقى دارفور أيضاً مشكلة داخل الدولة الشمالية، إنْ لم تعالج بجدية، ويستفاد فيها من نتائج الحوار غير الجاد فقد تذهب مذهب دولة الجنوب. ما أود أن أشير إليه هنا هو أن أزمة الهوية الوطنية قد تكون كارثة على الدول النامية، والسودان والعراق، وربما يمكن إضافة لبنان هنا، ومعالجتها بجدية وليس بمجرد حوار سطحي قد يكلف هذه الدول الكثير.
أما الأزمة الثانية التي لا تقل في خطورتها عن أزمة الهوية، فهي أزمة الشرعية. وشرعية نظام الحكم في البلدان الديمقراطية الحديثة هي حالة من القبول والرضا بين الحاكم والمحكوم، أو بين أغلبية السكان داخل الدولة ونظام الحكم المنوط به إدارة الموارد وتوزيعها.
الدول النامية الطامحة إلى الولوج في عالم الدول الحديثة تحتاج أن تتجاوز الشرعيات التقليدية إلى شرعية حديثة أساسها المواطنة وعقد اجتماعي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم في سياق أساسه القبول والرضا. مشكلة الشرخ في الشرعية أو العجز في حالة القبول والرضا تحلها الدول النامية بدرجات مختلفة من الجبر، أو درجات متفاوتة من القمع والعنف. وتصنف الدول التي تلجأ إلى تعويض عجز الشرعية باستخدام العنف في علم السياسة بالدول الضعيفة. وأزمة الشرعية لأي نظام حاكم لا تحل إلا بحل الأزمة الثالثة من أزمات هذا النوع من الأنظمة، وهي أزمة المشاركة السياسية. وهذه أزمة لا تحل بالحوار، بل بتوسيع دائرة المشاركة لتشمل الفئات المتضررة تجنباً لحدوث عنف أو اضطرابات تعصف بالاستقرار النسبي لهذه الدول.
أما الأزمة الثالثة فهي أزمة المشاركة السياسية. في الدول الحديثة يشارك المواطنون في الحكم من خلال صندوق الاقتراع، وهو صندوق يحظى بثقة هذا المواطن. والمشاركة أنواع متعددة ليست فقط الصندوق، فهي من وجهة نظر علماء السياسة الذين يعرفون قليلاً عن الأنثربولوجيا، أي وسيلة تنتج حالة الرضا داخل المجتمع من خلال إنتاج حالة يحس فيها المواطن بأن له سهماً في هذه الشركة المسماة الوطن. وهذه أيضاً أزمة سياسية لا يحلها الحوار بقدر ما يحلها توسيع مساحات المشاركة السياسية وإنتاج إحساس بالشراكة الوطنية داخل الإقليم الذي تدعي الحكومة أنه تحت سيادتها.
وسأحاول أن أختصر في تلخيص الأزمتين الأخيرتين، وهما أزمة توزيع الثروة والمنافع داخل أرض النظام الحاكم، وأزمة وجود النظام متغلغلاً ومحسوساً داخل الأراضي التي يدعي حكمها. وهي أزمات حقيقية ولا يحلها الحوار بل العمل الجاد من أجل إصلاح الخلل داخلها.
فمثلاً في أزمة التوزيع، التي لا تعني التوزيع العادل للثروة، كما تتداولها الكليشهات الصحافية في منطقتنا، لا بد من وجود مؤسسات قوية تسمح بتوزيع القيمة في المجتمع، فأحياناً تكون لدى الحاكم الرغبة ولكن ليست لديه المؤسسات التي تحقق هذه الرغبات. أما أزمة تغلغل الدولة في كل أراضيها وإعطاء الإحساس بوجودها، فهي من نوع الأزمات التي أوصلت بلداً كالسودان إلى حالة الانفصال، فلا الجيش كان يحكم كل الأراضي، ولا البوليس كان موجوداً، ولا الدولة كانت قادرة على جباية الضرائب. وليس كل العالم العربي كالسودان، أي كبلد مثل لبنان الذي تفاعلت فيه كل الأزمات الخمس سالفة الذكر، فأوصلته إلى الحرب الأهلية، ولكن إذا كان لبنان والسودان حالتين متطرفتين، فمعظم بلداننا تبتعد وتقترب من المثالين بدرجات مختلفة، وتتجلى فيها الأزمات الخمس بدرجات متفاوتة، وكلها أزمات سياسية لا تحل بالحوار، بل بالعمل الجاد القادر على ترميم الشرعية وتوسيع دائرة المشاركة، ووجود مؤسسات قادرة على التغلغل وإنتاج حالة رضا من خلال وجوده وقدرته على اشتمال كل أبناء الوطن داخل إطار سياسي جامع ومشروع... وللحديث بقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس بالحوار وحده ليس بالحوار وحده



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib