الشماتة في الموت والمرض

الشماتة في الموت والمرض

المغرب اليوم -

الشماتة في الموت والمرض

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

نيران الحقد والتشفي أراها مجسدة أمامي بقسوة بعد أن تم توجيهها لعدد كبير من الأصدقاء الذين سبقونا ورحلوا للعالم الآخر، أغلبهم كانوا من ضحايا «كورونا» وتوابعها اللعينة، وُجِّهت إليهم تلك الضربات السوداء. شعرت أنني بوداعهم أشيّع جزءاً من نفسي وزمني وذكرياتي. من البدهيّ أن كل إنسان له ما له وعليه ما عليه، الله وحده فقط هو الذي يحاسبنا وعنده تجتمع الخصوم. ساحة القصاص من المرضى والموتى ليست أبداً على الأرض، البعض منح نفسه مفاتيح الجنة والنار، كثير من الكتابات عبر «السوشيال ميديا» تراها مغموسة بحبر الفرحة باعتبار ما ألمّ بهؤلاء عقاباً مستحقاً من الله عز وجل على البشر الآثمين.
لا أدري كيف يستقبل العقل السليم هذه الترهات. كل كائن حي يمضي إلى الموت في ساعة يعلمها فقط العلي القدير، وفي مشوارنا قد نواجه المرض أكثر من مرة، فهو ابتلاء على الإنسان أن يرضى به، مع الأسف نتابع مجموعة تعودت أن تتدثر عنوة بالإسلام، وتمارس كل ما ليس له علاقة بصحيح الدين، وهكذا مثلاً نال الصحافي والإعلامي الصديق العزيز وائل الإبراشي الكثير من الهجمات، منذ أن تمكن منه الفيروس وظل أكثر من عام يقاوم هذا الغازي العنيد. رأوا أنه قد أُصيب بسبب ما يقدمه في برنامجه «التاسعة مساء» منتقداً تسييس الإسلام، ولهذا فهو عقاب سماوي مستحق. في أثناء مرحلة التعافي التي دامت أكثر من عام كانوا يتوجهون جهاراً بالدعاء لله عز وجل أن يتمكن منه الفيروس. إنهم أيضاً يكرهون الفن بكل أنماطه، رأوا أن كل من يمارسه ارتكب معصية والعقاب المستحق هو المرض ثم الموت، وهكذا تكرر الأمر مع سمير غانم ودلال عبد العزيز ونادية لطفي ويوسف شعبان ورجاء الجداوي وغيرهم، معتبرين أن مجرد عملهم بالفن إثم لا يُغتفر.
الأمر ليس قطعاً وليد هذه الأيام، تراكم عبر عشرات من السنوات، يكفي أن البعض لا يزال يدعو في بعض المساجد المصرية في أثناء صلاة الجمعة «اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين» رغم أن الدعاء ينبغي أن يعم كل البشر، مرضانا ومرضى العالم. فيروس «كورونا» أثبت أن نجاة الإنسان لن تتحقق ما دام هناك من البشر من هو معرّض للإصابة، أياً ما كانت ديانته أو جنسيته، وهكذا أصبحت مواجهة الفيروس تتطلب الدعاء للمرضى أجمعين.
عدد من المتشددين دينياً وعلى مدى عقود يتوجهون بالدعاء بالموت ضد من يخالفونهم الرأي، أتذكر فنان الكاريكاتير والشاعر صلاح جاهين عندما أُصيب قبل رحيله بغيبوبة دامت عدة أيام، كان الدعاء في عدد من الجوامع قبل صلاة الجمعة وذلك في منتصف الثمانينات ألا يُخرجه الله من الغيبوبة.
الأمر له جذور متعددة في الأسرة والمدرسة والشارع. تغيير مناهج التعليم في المرحة الابتدائية أراها البداية، أشار المخرج عمرو سلامة قبل سنوات في فيلمه «لامؤاخذة» إلى أن حصة الدين هي أول ما يواجه الطالب الصغير ليكتشف أن هناك مسلمين وأقباطاً ولكلٍّ منهم طقوس دينية مختلفة، وأن دينه الإسلامي فقط هو الصحيح، وهكذا ينمو داخل هذا الطالب كراهية للدين الآخر تدعمها أحياناً الأسرة والشارع، والخطاب الديني الذي يتناثر في عدد من البرامج لمن نطلق عليهم دعاة، ولهذا يجب أن يعلم الطالب أن هناك في الكون أدياناً أخرى تعبد الله بطقوس مختلفة.
المواجهة أبداً ليست سهلة على الإطلاق، إلا أنها أيضاً ليست مستحيلة. الشامتون في الموت هم في الحقيقة المرضى، وعلينا أن ندعو لهم بالشفاء من أسوأ مرض يصيب البشر واسمه «الشماتة» في من أصبحوا بين يدي الله!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشماتة في الموت والمرض الشماتة في الموت والمرض



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 21:08 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الأحداث المشجعة تدفعك?إلى?الأمام?وتنسيك?الماضي

GMT 03:15 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نجاة ممثل كوميدي شهير من محاولة اغتيال وسط بغداد العراقية

GMT 08:02 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

آرسين فينغر الأقرب لتدريب ميلان خلفًا لغاتوزو

GMT 04:11 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

صابرين سعيدة بـ"الجماعة" وتكريمها بجائزة دير جيست

GMT 14:57 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

عمرو الليثي يستضيف مدحت صالح في "بوضوح" الأربعاء

GMT 14:14 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

المدن المغربية تسجّل أعلى نسبة أمطار متساقطة خلال 24 ساعة

GMT 03:21 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

ظروف مشحونة ترافق الميزان ويشهد فترات متقلبة وضاغطة

GMT 06:15 2017 الجمعة ,24 آذار/ مارس

ورم الكتابة

GMT 12:25 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح منزلية لتنظيف وتلميع الأرضيات من بقع طلاء الجدران

GMT 06:32 2017 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مجرد درس مغربي آخر !

GMT 01:26 2016 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

ريم مصطفى تؤكد أنها ستنتهي من "نصيبي وقسمتك" بعد أسبوع

GMT 11:30 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات شعر بها سكان الحسيمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib