«الخالة لطيفة»

«الخالة لطيفة»

المغرب اليوم -

«الخالة لطيفة»

بقلم -سمير عطاالله

في زماننا لم تكن لأشياء الزمان أسماء طبية. الحزن كان اسمه كآبة، لا اكتئاباً. والكآبة كانت شعوراً، لا مرضاً. والصداقة كانت مودة لا رحلة. ثم أصبح للأشياء سبب غير أسبابها. وصار اسم الحب علاقة، والغيرة في الحب منافسة، والعزول عدواً.
وكان الشاعر والملحن والمغني يلتقون في لوعة الوحدة شجناً وطرباً. فأصبحت الوحدة دراسة من عند النمساوي سيغموند فرويد، فماذا لو أن أخانا هذا انصرف إلى أجمل الموسيقى، مثل مواطنيه موزارت وشتراوس (الأب والابن)، ولم يربط كل العقد النفسية بالجنس. فكيف تحل اليوم مشكلة مَن لا جنس لهم، أو الذين لهم عدة أجناس؟
تذكرت في هذه العزلة الجبرية امرأة عزباء كان بيتها في أول القرية. وكانت تجلس على عتبة بيتها طوال النهار. وكل من مر على الطريق سألته – حسب الاتجاه – إلى أين هو طالع أو نازل؟ ولماذا؟ ومن يلتقي أو من التقى؟ وينتهي الحديث. لكن المرأة المسكينة تتوسل المزيد: «وشو كمان». واليافعون لم يكونوا يعرفون أنهم أمام حالة إنسانية محزنة. امرأة وحيدة، إخوانها في المهجر، يتكرر النهار على عتبتها والليل في منزلها، وليس لها من دروب الحياة سوى من يمر بها على الدروب أمامها.
وعندما كبرتُ وأدركتُ ما معنى العزلة البشرية والمنازل الخالية، صرتُ كلما مررت أمام منزلها، أتوقف واخترع أجوبة طويلة لأسئلتها، واخترع أعراساً ذاهباً إلى حضورها، لكي أتيح لها أن تسألني عن الحضور والطعام والمشروبات.
كانت القرية برمَّتها تسميها «خالتي لطيفة». والآن في عزلة «كورونا» والدراسات والأبحاث عن عذابات العزلة، وكيفية مقاومتها بالعقاقير والرياضة والمسلسلات التلفزيونية، أتذكر الخالة لطيفة، وكيف كانت تبدد وحدة مدى الحياة ببضعة أسئلة على مارة الطريق. والطريق شبه خالٍ وبطيء. وهي لا مكان تذهب إليه، لا في الطلوع ولا في النزول. عمر بأكمله أمضته عند تلك العتبة.
يسقط أحدنا في الاكتئاب اليوم لسبب أقل بكثير من عمر كامل في الوحدة. هبط مبيع كل شيء حول العالم، إلا «الأدوية النفسية» فقد تضاعف. ولن تصدق هذا المشهد: رجل جالس على الشرفة طوال النهار وبعض الليل، يستمع إلى حركة السيارات. وقَلما تمر إحداها في النهار، ولا تمر إلا سيارة الجيش في الليل، مليئة بحراس الطمأنينة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الخالة لطيفة» «الخالة لطيفة»



GMT 15:22 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا الجديدة ومسارات التكيّف والتطويع

GMT 15:16 2025 الجمعة ,02 أيار / مايو

سوريا و«حِفظ الإخوان»

GMT 19:31 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

تسجيل عبد الناصر... عادي!

GMT 19:21 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

فلسطين في قلب مهرجان «مالمو»!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:26 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل ريفي في بريطانيا من وحي تصميمات روبرت ويلش

GMT 11:35 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

زيّن حديقة منزلك مع هذه الفكرة الرائعة بأقل تكلفة

GMT 17:00 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ديوكوفيتش يسعى للفوز بذهبية أولمبياد باريس

GMT 06:20 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

230 ألف شخص يشيعون بيليه إلى مثواه الأخير

GMT 15:10 2022 الأربعاء ,23 آذار/ مارس

شركة "توتال" الفرنسية توقف شراء النفط من روسيا

GMT 20:10 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مشروع قانون لتنظيم أسعار المحروقات في المملكة المغربية

GMT 14:16 2021 السبت ,31 تموز / يوليو

فساتين سواريه للنحيفات المحجبات

GMT 23:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تعرف على قائمة الأسعار الجديدة للسجائر في المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib