عبودية الحريّة

عبودية الحريّة

المغرب اليوم -

عبودية الحريّة

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطاالله

من بين جميع «المهن الحرة»، اخترت أكثرها حرية. مهنة لا تلتزم دواماً، ولا تفرض حضوراً، ولا تحدد عطلة، ولا تلزم صاحبها بمكان محدد أو موضوع محدد، أو فكر محدد، هذا هو نهارك فتدبره، وهذا هو ليلك فتقاسمه. تنام حين تشاء وتقوم حين تشاء، وتقرأ وتكتب وتقبل وتعمل حين تريد.
مع الوقت يتبين لك أنك اخترت من المهن الأقل حرية على الإطلاق. الوقت يأسرك والتوقيت يلزمك والدوام فرضك والنوم خوفك والعطلة عقاب وما الآلة التي تشكو منها سوى أنت. وأنت أكثر عبودية منها وأكثر حرصاً وأكثر دقة.
لا مهنة في الحياة مهنة حرة. كل مهنة تحول نفسها إلى نظام، وتقسم نفسها إلى دوائر تخضع لسيد واحد اسمه الوقت. سمّه الثامنة صباحاً أو الثامنة مساء أو بعد ظهر الاثنين، وكلما خيّل إليك أنك حرّ فيه تبين لك أنك أسيره منذ الأزل، وستبقى. وما كنت تعتبره «حرية» كان في الحقيقة مضاعة وبعد فوات الأوان، ولات ساعة مندم.
«المهنة الحرة» كذبة نقابية اخترعها أناس لا عمل لديهم. أكثر الناس عملاً وجداً وقلقاً ورعباً من الوقت، رجال مثل بيل غيتس وجيف بيزوس، والبرتو سليم إلخ... لأنهم أخبر الناس بمعنى الوقت. أحدهم قد يكدس ملياراً في لحظة وقد يخسر مليارين في لحظة. والوحدة النقدية هنا كقياس لا معنى لها إلا كوحدة قياسية، أما في الجوهر، فجميع السادة المذكورين أعلاه، وعلى لائحة «فوربس» السنوية يملكون أعداداً أسطورية من الثروات ويتملكهم شيء مشابه في الأمكنة والأزمنة والعقول، وله اسم واحد وتنويعات كثيرة، الوقت. ولك مطلق الحرية في تمضيته وتقسيمه وتسمية أجزائه ووضع ألف دراسة علمية عن الفارق بين «الضبط» و«الدقة». ونحيلها على لجنة الوقت.
اكتشفت بعد كل هذه السنين أنني هربت من المسؤوليات الحرة إلى المسؤولية المستعبدة. بدل أن أداوم في مكتب 8 ساعات يلاحقني «دوامي» 18 ساعة. ولا ينتهي. وبدل أن تختار لي الجريدة «واجبي» عليّ أنا أن أبحث عنه. ويتقاسم رؤساء الأقسام والمديرون مسؤوليات عدة، لكن أخطرها مسؤوليتك أنت. أي مسؤوليتك عن نفسك. الطائرة التي تنقلك من قارة إلى قارة يصنعها رجال كثيرون وشركات عدة ويشرف على جمعها «واحد». هذا «الواحد» المؤلف من عشرة أو عشرين، له مهمة واحدة: ألا يكون هناك أي فارق بين القطعة والقطعة. فإن فارق سنتيمتر واحد قد يوقع كارثة كبرى، كما حدث غير مرة. غيَّر الخوارزمي في دنيانا بمعادلة بسيطة، يمكن اختصارها بإلغاء «تقريباً». كل شعرة في الحياة لها وظيفتها. كل بناء له زاوية. كل رقم له حساب. لا تحوير إلا في الشعر وضمن شروط وأوزان وفاعل فاعل مفعول لأن «زودينا من حسن وجهك ما دام / فحسن الوجوه حال تحول».
ولا أريد أن أمضي أبعد من ذلك في استعادة ملك الشعر العربي، لئلا يعتبر تطاولاً على «رسالة» سفيرنا وزميلنا تركي الدخيل في العودة إلى أبي الطيب كلما مرّ بشاعر أو أديب أو قصيد أو معيد. وهل من عدل في المقارنات بين الشعراء وبين خاتمتهم؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبودية الحريّة عبودية الحريّة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 13:33 2020 السبت ,04 إبريل / نيسان

إصابة نجل جوليا بطرس بفيروس كورونا في لندن

GMT 13:50 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

توقيف شقيقين نقلا جثة والدهما إلى منزله في بني سويف

GMT 15:33 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

أخطاء شائعة عند تحضير ديكور غرفة المعيشة

GMT 09:10 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

2.9 مليار درهم تصرفات عقارات دبي في أسبوع

GMT 09:46 2018 الإثنين ,17 أيلول / سبتمبر

حفلة لفرقة "رباعي كوينز" في قصر المانسترلي الخميس

GMT 05:29 2018 السبت ,18 آب / أغسطس

كيف تصالح حبيبتك حين تغضب أو تحزن منك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib