ليبيا وتركيا واتفاقية الوهم الأزرق

ليبيا وتركيا واتفاقية الوهم الأزرق

المغرب اليوم -

ليبيا وتركيا واتفاقية الوهم الأزرق

جبريل العبيدي
بقلم : جبريل العبيدي

محاولات متكررة لابتلاع البحار وثرواتها المحيطة وغير المحيطة، التي أطلق عليها «الوطن الأزرق» الذي يعتبر أكبر عملية تزوير وتلاعب بالجغرافيا والتاريخ، سبق أن رسم خريطتها الأدميرال التركي جهاد يايجي، أسست من بعدها لوهم «الوطن الأزرق» الذي تبنى فكرته بعض من القادة السياسيين الأتراك.
فـ«الوطن الأزرق Mavi Vatan» مفهوم تركي توسعي طوره رئيس أركان البحرية التركية جهاد يايجي، حيث يمثل البحر الأسود، بالإضافة إلى الجرف القاري والبحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه، جزءاً مهماً من هذا «الوطن الأزرق» المزعوم.
ولهذا حرصت تركيا والقادة السياسيون المؤمنون بمفهوم الوطن الأزرق على تجهيز أرضية لهذا «الوطن» ولو بجغرافيا زائفة، استقطعت أجزاء من اليونان مثل جزر كريت ورودس وليسفوس وخيوس وساموس، واعتبرتها جزءاً من تركيا ضمن جغرافيا «الوطن الأزرق». كذلك تم اجتزاء أجزاء من المياه الإقليمية الليبية، ولعل «الاتفاقية» المعيبة التي أبرمها المجلس الرئاسي الليبي السابق وحاول تجديدها رئيس حكومة الوحدة الوطنية تحت اسم «مذكرة تفاهم» لتمريرها وإدخالها حيز التنفيذ، ما هي سوى ترسيخ لمفهوم «الوطن الأزرق» من خلال اتفاقية التلاعب بالجغرافيا وخرق القانون الدولي، وهو السمة الغالبة لاتفاق ترسيم حدود بحرية بين تركيا وليبيا، حيث لا تربط البلدين أي حدود بحرية في أي وقت من الأوقات. حددت الاتفاقية المزعومة الجرف القاري، والمنطقة الاقتصادية الخالصة لكلا الطرفين، مما يعتبر تشويهاً لحقائق جغرافية، وتجاهلاً لدول قائمة، كما أن هذا الاتفاق أو التفاهم يتجاهل وجود جزيرة كريت اليونانية، التي قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس إن هذا الاتفاق يتجاهل أمراً واقعاً وهو جزيرة كريت اليونانية.
اتفاق تركيا والمجلس الرئاسي الليبي السابق غير الدستوري الذي خالف اتفاق الصخيرات المنظم لعمل «الرئاسي» الليبي واختصاصاته المحدودة التي لا تؤهله لإبرام أي اتفاق، كما أن عدم تصديق البرلمان الليبي على الاتفاقية جعلها هي والعدم سواء في حكم القانون.
اتفاق تركيا مع الحكومة الليبية المنتهية الولاية يعتبر مخالفاً للقانون الدولي ولقانون البحار وترسيم الحدود، كما أن الاتفاق جرى مع حكومة منتهية الولاية بحكم سحب الثقة منها من قبل البرلمان الليبي المنتخب والمعترف به دولياً، كما أن ليبيا في وضعها الحالي منتهكة السيادة بوجود قواعد أجنبية ومنها تركية يجعل من اتفاق تركيا مع حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية اتفاق إذعان وليس اتفاقاً يضمن كامل الحقوق الليبية كون الطرف التركي طرف احتلال لأن قواته علاوة على مرتزقة سورية تابعة لتركيا توجد داخل العاصمة طرابلس مما يجعلها في حكم الاحتلال وما يصدر في ظل احتلال حكمه حكم البطلان.
الاتفاقية التركية النصف أو الربع ليبية (لكون من يوافق عليها لا يتجاوز الربع من الساسة الليبيين) التي لا تتجاهل الحقوق اليونانية فحسب بل الليبية أيضاً بجانب الحقوق المصرية في البحر المتوسط لكون مصر هي الدولة التي تربطها بليبيا حدود بحرية وبرية وليس جغرافيا حدودية مزورة كالتي تحاول تركيا رسمها وفرضها، خاصة محاولة ابتلاع مجموعة جزر دوديكانيسيا، التي يوجد بها احتياطي غاز كبير، وهذا هو الهدف والمطمع الحقيقي.
الحقيقة الوحيدة هي أن ليبيا ليست «إرثاً» عثمانياً أو جغرافيتها جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، فتركيا التي استعمرت ليبيا من دون بناء أي معالم حضرية من المدارس والمعاهد التعليمية، والمشافي! فلا وجود لها، فأين هو الأثر الإيجابي العثماني في ليبيا؟ لا يوجد شيء لأن الباب العالي لم يكن يهمه بناء المستعمرات بل نهب الثروات والغلال.
ليبيا ليست إرثاً إلا لأهلها، وبخصوص إرث تركيا في ليبيا فقط إرث من القهر والتعسف والظلم انتهى بترك الليبيين لمصيرهم في معاهدة أوشي لوزان لسنة 1912، التي بموجبها سلمت تركيا، أراضي ليبيا لإيطاليا، لتدخل ليبيا مرحلة أخرى من مراحل الاستعمار الفاشي الاستيطاني.
مثلما قد يكون من حق القادة الأتراك الحلم بوطن أزرق أو حتى أحمر، فمن حق الليبيين حماية حدودهم ومياههم الإقليمية، وليبقَ الحلم التركي بعيداً عن مياه وأراضي ليبيا، فليبيا أبداً لم تكن يوماً ولن تكون جزءاً من هذا «الوهم الأزرق».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا وتركيا واتفاقية الوهم الأزرق ليبيا وتركيا واتفاقية الوهم الأزرق



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - المغرب اليوم

GMT 11:40 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
المغرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 13:17 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

اعتقال أمين سر المجلس السياسي للحوثي بشبهة التجسس في صنعاء
المغرب اليوم - اعتقال أمين سر المجلس السياسي للحوثي بشبهة التجسس في صنعاء

GMT 07:22 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أنطونيو غوتيريش يدين إنتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف
المغرب اليوم - أنطونيو غوتيريش يدين إنتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف

GMT 03:21 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات الإثيوبية تنشئ مخيمات إجبارية لإعادة تأهيل الشباب

GMT 11:59 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

حميد شباط يعلن مغادرة حزب الإستقلال

GMT 13:09 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

من هم اصدقاء برج الجدي والابراج الذين يتفق معهم

GMT 01:44 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

«ثندر سنو».. أول جواد يحقق كأس دبي العالمي مرتين توالياً

GMT 03:33 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

أحذية نابضة بالألوان لتتألقي في صيف 2020

GMT 04:02 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

السجن مدى الحياة لسائق تاكسي اغتصب أكثر من 100 امرأة

GMT 01:08 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

خالد سليم يكشف تفاصيل طرحه 3 أغنيات جديدة

GMT 05:17 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد شعبان يكشف عن أنواع الطاقات وأخطرهم على صحة الإنسان

GMT 01:01 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أنغام تُبكي والدتها خلال حفلها في دار الأوبرا المصرية

GMT 04:54 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

استئناف سير القطارات بين مراكش والدار البيضاء

GMT 18:29 2019 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

بنهنية يلتحق بالطاقم الفني لشباب الريف الحسيمي

GMT 11:40 2019 الخميس ,29 آب / أغسطس

الرجاء البيضاوي يبلغ 10 آلاف مشترك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib