الهجرة ليست صناعة ليبية أو تونسية

الهجرة ليست صناعة ليبية أو تونسية

المغرب اليوم -

الهجرة ليست صناعة ليبية أو تونسية

جبريل العبيدي
بقلم : جبريل العبيدي

ليبيا وتونس ضحيتان لأزمة الهجرة غير النظامية، فكلتاهما لم تنتج الهجرة، ولا تسببت فيها ولا شاركت في إنتاجها، بل الفقر والجوع والإهمال والحروب هي التي صنعت مناخاً للهجرة من أفريقيا البكر إلى أوروبا العجوز، مروراً بليبيا وتونس.

ليبيا ليست مسؤولة عن تهجير هؤلاء الآلاف من أوطانهم في الوقت الذي تعاني فيه من وجودهم على أرضها، منتهكين حرمتها وقوانين الدخول إليها والإقامة فيها، فليبيا لا تتحمل مسؤولية هؤلاء المتسللين إلى أراضيها؛ لأنهم في الأصل دخلوا أراضيها من دون علم أو إذن السلطات حتى يكتسبوا حق التمتع بالحماية، فهم تسللوا إلى الأراضي الليبية من خلال مهربين وتجار الهجرة عبر الصحراء؛ لأن ليبيا تعتبر لهم مجرد بلد عبور يختبئون فيه حتى من أعين السلطات، مما يجعلهم ضحية سهلة للمهربين طوال رحلة الهروب أو الهجرة، وخاصة في بلد يعاني من فوضى الميليشيات المسلحة وغياب السلطة المركزية للدولة.

فالجنوب الليبي (المعبر الرئيسي للهجرة غير النظامية) يعاني نزاعاً قبلياً متجدداً ومتعدد الأسباب والدوافع، وانعدام الأمن وضنك العيش منذ زمن، يعبر عن إرث كبير من الفوضى وغياب الدولة والفراغ، وكونه بوابة الهجرة غير القانونية ومعبراً مهماً لها بسبب الحدود السهلة الاختراق، ووجود ميليشيات «الإسلام السياسي»، هذا المناخ استخدمه البعض للعبث حتى بالديمغرافيا في الجنوب الليبي للسيطرة والتحكم ونهب الثروات الطبيعية.

ولعل إجلاء وترحيل هؤلاء المهاجرين غير النظاميين، الذي أقره اجتماع قمة أبيدجان، وأعلن فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن اتفاق ليبيا مع الاتحاد الأوروبي والقادة الأفارقة، على السماح بإجلاء المهاجرين الذين يواجهون اعتداءات في معسكرات الاحتجاز، بشكل طارئ خلال أسابيع، فقال ماكرون إنهم قرروا القيام بعملية طارئة لإخلاء أولئك الذين يريدون الخروج من ليبيا، رغم إجلاء أو ترحيل أو إبقاء هؤلاء المتسللين للمحاكمة في ليبيا لتسللهم للأراضي الليبية، وقد يكون بعضهم قد شارك في أعمال تخريبية أو الانضمام للجماعات المسلحة أو حتى «داعش»، وخاصة أن إيطاليا إحدى دول المهجر لهؤلاء اعترفت بتسلل عناصر لداعش عبر هؤلاء المهاجرين، وبالتالي يصبح من حق السلطات الليبية معاقبة المتسللين لأراضيها بغير صفة قانونية حتى لا يتكرر التسلل، مثل ما يطلب من ليبيا محاسبة المسيئين لمعاملة هؤلاء المتسللين بصفة الهجرة، كما أن ليبيا وتونس ليستا مسؤولتين عن نفقة الترحيل أو الإجلاء لمتسللين لأراضيهما.

تدويل قضية المهاجرين غير النظاميين من دون الولوج في حل مسبباتها من غياب تام للتنمية والتطوير في بلدان منشأ الهجرة، وبدلاً من ذلك معاقبة ومحاسبة بلدان العبور مثل ليبيا وتونس، يعدُّ معالجة خاطئة، ولن تفضي إلى أي حل ناجع يمكن أن يوقف الهجرة.

محاولات توطين المهاجرين في بلدان العبور مثل ليبيا أو حتى تونس تعتبر محاولات بائسة من الاتحاد الأوروبي الذي لا يزال يتعامل مع تسونامي الهجرة غير النظامية بالشكل الخاطئ بطريقة النعامة في مواجهة الخطر بدس رأسها في الرمال، تاركة جسدها للعراء.

أزمة المهاجرين لن تتحملها ليبيا ولا تونس، ولا أي بلد عبور، ولن تتحول هذه الدول إلى حارس مجاني للاتحاد الأوروبي الغارق في الفشل السياسي في التوافق حتى على رؤية موحدة لمواجهة الهجرة التي تهدد حدوده، وحتى الديمغرافيا في أوروبا النائمة التي تجاهلت في زمن هوجة الربيع العربي تنامي ميليشيات الإسلام السياسي التي أنتجت «داعش» في بضع سنين.

التغافل والتعاطي والتعامل الأوروبي مع أزمة الهجرة، كما حدث مع أزمة الفوضى بداية «الربيع العربي» والأمن في الشرق الأوسط، خاصة في بلد مثل ليبيا له ساحل يقارب ألفي كيلومتر قبالة شواطئ أوروبا لا يبعد سوى بضع مئات من الأميال البحرية، يؤكد أن السياسيين في أوروبا لا يزالون في غفلة من أمرهم، ولا يحسنون سوى ترحيل الأزمة والهروب بها إلى الأمام دون معالجتها، حتى وإن تسببت لهم مستقبلاً في ضرر.

ولعل المعالجة «الوحشية» والحديث عن الخطط التي تضمن عمليات عسكرية في البحر لإغراق السفن التي تقل المهاجرين كحادثة السفينة المنكوبة قبالة سواحل اليونان، والتي لم تلق أي احتجاج أو تنديد دولي للعملية التي تعد همجية في التعامل مع «المهاجرين»، يُعدان كارثة في حد ذاتها لمجرد التفكير فيها.. فما بالك بالحديث عن شهادات ناجين من الغرق بأنها حدثت؟

أزمة الهجرة ليست صناعة ليبية ولا تونسية حتى تتحمل كلتا الدولتين مسؤولية حلها أو معالجتها في ظل السبات الأوروبي.

هؤلاء المهاجرون وجهتهم ليست ليبيا ولا حتى تونس، بل وجهتهم هي أوروبا وطموحهم، وما ليبيا وتونس إلا معبر لهم، ولهذا لن يرضوا بالتوطين في ليبيا ولا تونس، خاصة أنهما بلدان يعيشان الآن ظروفاً صعبة لا تختلف كثيراً عن بلدانهم التي جاؤوا منها جياعاً وحفاة وعراة، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

المعالجة الغربية لا تزال قاصرة عن حل أزمة المهاجرين، فهي لا تزال تراوح في إطار الحلول الأمنية والتهديد بإغراق السفن بدلاً من البحث عن حلول ناجعة مستدامة تضمن لهؤلاء الجياع الحفاة وطناً بديلاً آمناً ولقمة عيش كريمة دون إذلال أو غرق وموت بدم بارد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهجرة ليست صناعة ليبية أو تونسية الهجرة ليست صناعة ليبية أو تونسية



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - المغرب اليوم

GMT 16:43 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء
المغرب اليوم - منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء

GMT 11:40 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
المغرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 16:01 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

كتائب القسام تعلن تسليم رفات رهينة إسرائيلي مساء الثلاثاء
المغرب اليوم - كتائب القسام تعلن تسليم رفات رهينة إسرائيلي مساء الثلاثاء

GMT 16:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره
المغرب اليوم - الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره

GMT 07:22 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أنطونيو غوتيريش يدين إنتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف
المغرب اليوم - أنطونيو غوتيريش يدين إنتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف

GMT 03:21 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات الإثيوبية تنشئ مخيمات إجبارية لإعادة تأهيل الشباب

GMT 11:59 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

حميد شباط يعلن مغادرة حزب الإستقلال

GMT 13:09 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

من هم اصدقاء برج الجدي والابراج الذين يتفق معهم

GMT 01:44 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

«ثندر سنو».. أول جواد يحقق كأس دبي العالمي مرتين توالياً

GMT 03:33 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

أحذية نابضة بالألوان لتتألقي في صيف 2020

GMT 04:02 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

السجن مدى الحياة لسائق تاكسي اغتصب أكثر من 100 امرأة

GMT 01:08 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

خالد سليم يكشف تفاصيل طرحه 3 أغنيات جديدة

GMT 05:17 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد شعبان يكشف عن أنواع الطاقات وأخطرهم على صحة الإنسان

GMT 01:01 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أنغام تُبكي والدتها خلال حفلها في دار الأوبرا المصرية

GMT 04:54 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

استئناف سير القطارات بين مراكش والدار البيضاء

GMT 18:29 2019 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

بنهنية يلتحق بالطاقم الفني لشباب الريف الحسيمي

GMT 11:40 2019 الخميس ,29 آب / أغسطس

الرجاء البيضاوي يبلغ 10 آلاف مشترك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib