توقف الزمن في ليبيا

توقف الزمن في ليبيا!

المغرب اليوم -

توقف الزمن في ليبيا

جبريل العبيدي
بقلم : جبريل العبيدي

ليس بخافٍ ما أصاب الاقتصاد الليبي من ضمور وركود نتيجة هذه السنين العجاف التي فاقت العقد، إذ توقف الزمن في ليبيا ووقف معه كل شيء... من اقتصاد وخدمات وأي إنجازات، وحلَّ محل ذلك كله التصارع على السلطة، واستغلال هذا التصارع في نهب ثروات الليبيين وقض مضاجعهم وتجريعهم المرارات، وإساءة تسيير الأمور في بلاد ترقد فوق ثروات لا حصر لها.

هذه هي السنة الثانية عشرة منذ توقف الزمن في ليبيا، ولا يخجل هؤلاء المتصارعون مما يفعلون بهذا البلد المنكوب وشعبه، ولا يريدون أن يعرفوا أن دول العالم تركتهم في زمن سحيق آخذة بأسباب التقدم والرقي، تاركة إياهم وكأنهم من أصحاب الكهوف!

فمتى سيعي هؤلاء المتصارعون أن ما يفعلونه بهذا البلد هو من أسلحة الدمار الشامل؟! ألا يكفي هذا العمل الذي يبدو ممنهجاً لترك البلاد هامدة وهم ينظرون إلى دول العالم الحية وهي تسير نحو الازدهار والتقدم؟

تعاني ليبيا من أزمة إدمان اقتصاد النفط الريعي، وصحيح أنها تعد في مقدمة الدول التي لها احتياطي هائل من النفط، لكن هذا لا يخرجها من دائرة الاقتصاد الريعي، فطوال السنوات والعقود الماضية منذ اكتشاف النفط عام 1960 وحتى اليوم لم تشهد ليبيا أي نوع من أنواع التنوع الاقتصادي، بل إن الحكومات المتعاقبة سواء في عهد الملك الراحل إدريس السنوسي قرابة العشرين عاماً أو في عهد الزعيم الراحل القذافي الذي طالت فترة حكمه إلى أكثر من أربعين عاماً، لم تكن لها أي سياسات جادة للتخلص من الاقتصاد الريعي والتوجه نحو اقتصاد متنوع. وحتى التجربة الصناعية التي خاضها عهد القذافي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لم تكن ذات جدوى أو فاعلية لتغيير أو إحداث تنوع في الاقتصاد الليبي المكبل تارة بالاشتراكية الماركسية والاشتراكية وفق الكتاب الأخضر (النظرية العالمية الثالثة)، وبحسب وصف القذافي لها بأنها رأسمالية الشعب أي اشتراكية (شركاء لا أجراء) و(البيت لساكنه) وقواعد نظرية الكتاب الأخضر في شقه الاقتصادي الذي كبل الاقتصاد الليبي ومنعه من التنوع؛ حيث بقي الاقتصاد الليبي اقتصاداً ريعياً مصدره الأوحد النفط، بعد أن هرب أصحاب رؤوس الأموال خشية مصادرة أموالهم كما حدث إبان السبعينات.

ليبيا تحتاج إلى خطة استراتيجية تنقلها من حالة الاقتصاد الريعي المبني على النفط إلى سياسة الاقتصاد المتنوع والمفتوح، قبل أن ينضب النفط ويقل استخدامه أمام الطاقات المتجددة ومنها الهيدروجين الأخضر والنفط الصخري والطاقة الشمسية والرياح، وإن كانت جميعها تزخر بها ليبيا، ويمكن استغلالها مستقبلاً، ولكن البقاء على سياسة الاقتصاد الريعي كارثة بجميع المقاييس في الحالة الليبية التي ينهب اقتصادها اليوم وتكاد مافيا الفساد تنهب كل احتياطي ليبيا من العملة الصعبة والذهب.

صحيح أن نظام القذافي لم يحدث نقلة نوعية للتخلص من الاقتصاد الريعي، لكن يحسب للقذافي أنه لم يجعل من ليبيا مدينة للبنك الدولي ولا لغيره بل كانت ليبيا دائنة (أي لها ديون ووداع لدى بلدان أخرى) وقام نظام القذافي بالاستثمار المحدود في مشاريع اقتصادية خارج ليبيا، مثل محطات الوقود والفنادق وبعض المزارع، التي جميعها اليوم تتعرض للبيع والنهب بعد أحداث فبراير (شباط) 2011. إن ليبيا اليوم في حاجة حقيقية للتحرر من الاقتصاد الريعي والمجاني لأنها حقيقة خلقت وتركت مجتمعاً وأجيالاً اتكالية لا تنتج، بل فقط تنتظر المرتب الحكومي من دون أي خدمة أو إنجاز عمل، أي بطالة مدفوعة الأجر من خزينة الدولة، حتى تجاوز الملاك الإداري للدولة أكثر من نصف الشعب الذي يتلقى مرتبات من الخزينة العامة للدولة من دون أي خدمة تذكر، باستثناء بعض الوظائف التي يعمل أغلبها بأقل من نصف الكفاءة. التحول إلى اقتصاد منتج أو صناعي أو متنوع يحتاج إلى مراحل تغيير ولكن في ظل التشظي السياسي اليوم في ليبيا وانتشار مافيا الفساد تحت فتوى «الغنيمة» واستباحة المال العام يصبح إصلاح الاقتصاد حالياً ضرباً من الخيال العلمي.

ليبيا اليوم في حاجة حكومة وطنية قولاً وفعلاً لا حكومة تتاجر بشعبها في سوق النخاسة وتبيع ممتلكات الدولة الليبية من استثمارات خارجية ومشاريع بثمن بخس ليتم نهبها، كما وصفها المبعوث الدولي غسان سلامة، عندما وصف ليبيا بالدولة التي تُنهب وتشهد كل يوم ولادة مليونير جديد. ليبيا اليوم تعاني من اقتصاد مترهل لا يسعده سوى براميل النفط، وينهبها اليوم الكليبتوقراطيون.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توقف الزمن في ليبيا توقف الزمن في ليبيا



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - المغرب اليوم

GMT 16:43 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء
المغرب اليوم - منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء

GMT 11:40 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
المغرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 16:01 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

كتائب القسام تعلن تسليم رفات رهينة إسرائيلي مساء الثلاثاء
المغرب اليوم - كتائب القسام تعلن تسليم رفات رهينة إسرائيلي مساء الثلاثاء

GMT 16:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره
المغرب اليوم - الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره

GMT 07:22 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أنطونيو غوتيريش يدين إنتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف
المغرب اليوم - أنطونيو غوتيريش يدين إنتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف

GMT 03:21 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات الإثيوبية تنشئ مخيمات إجبارية لإعادة تأهيل الشباب

GMT 11:59 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

حميد شباط يعلن مغادرة حزب الإستقلال

GMT 13:09 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

من هم اصدقاء برج الجدي والابراج الذين يتفق معهم

GMT 01:44 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

«ثندر سنو».. أول جواد يحقق كأس دبي العالمي مرتين توالياً

GMT 03:33 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

أحذية نابضة بالألوان لتتألقي في صيف 2020

GMT 04:02 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

السجن مدى الحياة لسائق تاكسي اغتصب أكثر من 100 امرأة

GMT 01:08 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

خالد سليم يكشف تفاصيل طرحه 3 أغنيات جديدة

GMT 05:17 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد شعبان يكشف عن أنواع الطاقات وأخطرهم على صحة الإنسان

GMT 01:01 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أنغام تُبكي والدتها خلال حفلها في دار الأوبرا المصرية

GMT 04:54 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

استئناف سير القطارات بين مراكش والدار البيضاء

GMT 18:29 2019 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

بنهنية يلتحق بالطاقم الفني لشباب الريف الحسيمي

GMT 11:40 2019 الخميس ,29 آب / أغسطس

الرجاء البيضاوي يبلغ 10 آلاف مشترك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib