ليبيا ولبنان وأزمة الشغور الرئاسي

ليبيا ولبنان وأزمة الشغور الرئاسي

المغرب اليوم -

ليبيا ولبنان وأزمة الشغور الرئاسي

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

ما يجمع ليبيا ولبنان ليس فقط الحروف الأبجدية، ولا حتى العروبة، ولا حتى جامعة الدول العربية فقط؛ بل يجمعهما أيضاً نكبتهما في نخبهما السياسية الحاكمة، التي تتصارع وتتناطح بالوكالة عن أطراف خارجية في كثير من صراعها، هدفها نهب البلدين والإضرار بأمنهما الإقليمي، وتعطيل أي توافق على منصب الرئيس الشاغر في البلدين منذ سنين، بل ووجود «ميليشيات» خارجة عن سلطة الدولة في البلدين.

في ليبيا تنتشر الميليشيات التي ترتهن العاصمة طرابلس وسلطتها السياسية وتجعلها رهن الابتزاز لها، ومنها المؤدلجة التي تتبع الإسلام السياسي والتي يحاكيها أو تحاكي «حزب الله» في لبنان؛ ميليشيات ازدواجية الولاء التي لا تخضع لسلطة الدولة، وسلاحها خارج سلطة الجيش اللبناني، كما هو الحال عند ميليشيات طرابلس الليبية.

في ليبيا اعتاد الليبيون على الشغور الرئاسي وحتى الحكومي منذ زمن القذافي الذي كان يصدح بأنه ليس رئيساً لليبيا، بل هو مجرد «قائد» أممي سلم السلطة للشعب في الكتاب الأخضر طبعاً، هذا كلام طوباوي غير مقنع، ولكن حقيقة ما حدث في ليبيا طيلة 42 عاماً كان القذافي ينكر فيها منصب الرئيس. وجاء بعده زمن فبراير (شباط)، وأصبح منصب الرئيس شاغراً، تارة يزعم رئيس البرلمان أنه الرئيس ويملك السلطات ومنصب القائد الأعلى للجيش، وتارة يقول رئيس الحكومة إن منصب الرئيس من صلاحيات الحكومة. حتى الجسم الرئاسي الهش الذي جاء في السنوات الماضية يزعم صفة الرئيس كان هناك من ينازعه داخل المجلس الرئاسي، ويرى أن الرئيس هو الأعضاء الثلاثة مجتمعين لا منفردين. الخلاصة أن ليبيا تعاني شغوراً رئاسياً والفصل بين السلطات.

تغييب منصب الرئيس في ليبيا يهم أطرافاً مستفيدة كثيرة، منذ تشكل المجلس الانتقالي (سلطة الأمر الواقع في فبراير 2011 غير المنتخبة) التي لم يُعرف تصنيف وظيفي واضح لها. هل هي سلطة تشريعية أم تنفيذية، وأصبح معها رئيس المجلس الانتقالي ينتحل صفة رئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش، بالإضافة إلى صفة رئيس المجلس (البرلمان) غير المنتخب، جمع وظائف وسلطات ثلاثاً في منصب واحد، وتكرر المشهد عند وريثه المؤتمر الوطني العام، ثم البرلمان الحالي، إلى أن جاء «اتفاق الصخيرات» فنازع البرلمان منصب الرئيس المغيب أصلاً، كل من مجلس الدولة الاستشاري والمجلس الرئاسي، رغم عدم دستورية وشرعية الجسمين الأخيرين، ولكن بقي منصب الرئيس بين الشغور وانتحال الصفة.

في لبنان الشغور الرئاسي سيد الموقف منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 وحال البلاد معطل؛ لبنان الذي خرج من حرب أهلية حرب الطوائف في سبعينات القرن الماضي التي لم ينتهِ منها إلا باتفاق الطائف الذي وفّق بين الأطراف اللبنانية وأنهى سنوات الحرب ومعاناة اللبنانيين والقتل على الهوية. وهذا الحال لا يختلف عما جرى في ليبيا من حروب سياسية بين الفرقاء التي لا يمكن وصفها بالحرب الأهلية أو الطائفية؛ كون ليبيا تنفرد بنسيج واحد غير طائفي، وهذا الأمر لم يمنع الحرب وانتهاك الاتفاقيات السياسية، والسبب التكالب الخارجي على ثروتها النفطية الهائلة.

تغييب منصب الرئيس في ليبيا ولبنان والتدخل الخارجي وتناطح النخب السياسية من السمات المشتركة بين البلدين رغم الاختلافات الأخرى، كون الديمقراطية في لبنان والممارسة الحزبية أكثر قدماً منها في ليبيا، ولكن مع كل هذا لم يمنع شغور منصب الرئيس رغم التوافق على الرئاسات الثلاث وتقاسمها بين المكونات الطائفية في لبنان، ورغم محاكاة المشهد السياسي اللبناني في ليبيا ومحاولة تقاسم الرئاسات الثلاث بين الأقاليم الجغرافية في ليبيا (برقة وطرابلس وفزان) إلا أن التناطح والاقتتال في ليبيا لم يتوقفا إلا في السنتين الأخيرتين، حيث لا يوجد صمام أمان من ألا تندلع الحرب مجدداً.

في لبنان هو الآخر على صفيح ساخن من اندلاع أو عودة الحرب الأهلية التي طواها اتفاق الطائف، ورغم إجماع المراجع الدينية للطوائف متمثلة في أمين دار الفتوى، الشيخ أمين الكردي، ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ومفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد طارق، وشيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز، الشيخ سامي أبي المنى، مصحوبة بدعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي لإنجاز الاستحقاقات وعلى ضرورة إنهاء الشغور الرئاسي؛ فإنه لا يزال الخلاف قائماً كحالة ابتزاز بين القوى والأحزاب السياسية وورقة مكسب عند بعض النخب. ولطالما سيستمر منصب الرئيس مغيباً سيبقى الضرر على ليبيا ولبنان قائماً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا ولبنان وأزمة الشغور الرئاسي ليبيا ولبنان وأزمة الشغور الرئاسي



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - المغرب اليوم

GMT 16:43 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء
المغرب اليوم - منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء

GMT 11:40 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
المغرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 17:56 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

حماس تؤجل تسليم جثة رهينة بسبب خروقات إسرائيل
المغرب اليوم - حماس تؤجل تسليم جثة رهينة بسبب خروقات إسرائيل

GMT 16:01 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

كتائب القسام تعلن تسليم رفات رهينة إسرائيلي مساء الثلاثاء
المغرب اليوم - كتائب القسام تعلن تسليم رفات رهينة إسرائيلي مساء الثلاثاء

GMT 16:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره
المغرب اليوم - الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره

GMT 12:32 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
المغرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 19:45 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مكونات المغرب الفاسي تحتفل بذكرى تأسيس فريقها

GMT 00:08 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

دعاء لنصرة أهل فلسطين

GMT 11:31 2017 الإثنين ,04 كانون الأول / ديسمبر

الأمم المتحدة تعرب عن قلقها بشأن انتشار الإيدز في مصر

GMT 11:56 2012 السبت ,18 آب / أغسطس

إدانة فرديناند بتهمة العنصرية

GMT 14:25 2016 الأحد ,02 تشرين الأول / أكتوبر

المحترف الأردني عدي الصيفي يؤكد اعتزاله اللعب دوليًا

GMT 01:52 2016 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

الكشف عن سيارة "بيجو 308" وأهم مواصفاتها وتقييماتها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib