صور الأمم والجماعات في «كفاح» هتلر

صور الأمم والجماعات في «كفاح» هتلر

المغرب اليوم -

صور الأمم والجماعات في «كفاح» هتلر

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

يصحّ في كتاب أدولف هتلر «كفاحي» ذاك القول عن الكتب التي يستشهد بها كثيرون ولا تقرأها إلاّ قلّة.

و»كفاحي» أبصر النور في 1925، في زنزانة هتلر المرفّهة حيث سُجن بسبب مؤامرته الانقلابيّة في ميونيخ. وتكثر الروايات المتعارضة بصدده بين قائل إنّه كتبه بيده وقائل إنّه أملاه خطابيّاً على رفاق سجنه، وأنّ الكتاب حمل عنواناً أطول لكنّ الناشر قصّره... لكنّ ما لا يُختلف عليه أنّ الكتاب جاء مليئاً بالتكرار وانعدام التجانس وأنّه، وفق قرّائه بالألمانيّة، يعجّ بالأخطاء الإملائيّة والقواعديّة.

الكتاب، في الأحوال جميعاً، لم يلق الرواج الذي توقّعه مؤلّفه، وهو ما لم يحصل إلاّ بعد وصوله إلى السلطة في 1933 حين بات شراؤه فرضاً على كلّ بيت ومدرسة ومؤسّسة حكوميّة، فبيع منه أكثر من 12 مليون نسخة، موفّراً لهتلر ثروة مُعتبرة.

لقد شكّل «كفاحي» (700 صفحة، كما نُشر بجزئين) برنامجاً للحكم في سيرة ذاتيّة ممزوجة بمانيفستو، وهو برنامج تخيّم عليه مركزيّة الصراع العِرقيّ حيث هناك هَرم يتربّع في قمّته الآريّون الألمان خائضين معركة دائمة للحفاظ على نقائهم. والحال أنّ «كفاحي» يقود مباشرة إلى المحارق: صحيح أنّه لا يتحدّث عن غرف غاز (ممّا اعتُمد كخطّة استئصاليّة لاحقاً) لكنّه يبدي استحسانه لفكرة تسميم 12 أو 15 ألفاً من اليهود الذين يُفسدون الأمّة بالغاز. فلو حصل هذا إبّان الحرب العالميّة الأولى لما ذهبت ملايين التضحيات الألمانيّة هباء. وهو ينظّر مطوّلاً لصراع حتّى الموت ينبغي على الشعب الألمانيّ النقيّ عرقيّاً خوضه ضدّ اليهود.

فقد بشّر «الزعيم» بتوحيد كلّ ذوي الإثنية الألمانيّة داخل البلاد وخارجها، وإعطائهم حيّزاً جغرافيّاً أكبر للعيش، توفّره إقامة مدى حيويّ (lebensraum) لألمانيا في شرق أوروبا، فهذا قدر تاريخيّ تتطلّبه رعاية الألمان وحفظ مصالحهم.

ويرسم «كفاحي» الملامح الأساسيّة للنظام الفاشيّ: فالديمقراطيّة غير صالحة، بل نظام زائف قابل لاستغلال القوى الخارجيّة. لهذا وعد هتلر بتدمير البرلمانيّة الفاسدة التي توصل الإنتهازيّين إلى السلطة، وبخلق «نظام جديد» تحلّ فيه «قوميّة اجتماعيّة» أصيلة تعيد الألمان إلى مكانتهم الملائمة والصائبة، كما تُلغى الالتزامات التي فُرضت عليهم بنتيجة الحرب العالميّة الأولى.

لكنْ كيف تتبدّى صورة الأمم والشعوب بقلم «الزعيم»؟

تظهر كلمة يهوديّ 373 مرّة في الكتاب، بمعدّل مرّة كلّ صفحتين تقريباً. فهم وراء كلّ سوء في العالم. إنّهم مسؤولون عن هزيمة ألمانيا في 1918، وهم يقفون وراء مؤامرة دوليّة لتدميرها، بل مصدر مصائب الألمان كلّها. وفي دفعه الخطاب اللاساميّ إلى ذروته، يرى أنّهم لم يعملوا في الزراعة أو الصناعة، وليسوا ريفيّين أصلاء، بل كائنات طفيليّة تعتاش على سواهم من خلال المال والمضاربة. لا بل هم ليسوا ألماناً ولا يمكن أن يكونوا، بل يستخدمون الألمان كطاعون يمتصّ دم المجتمع ويتمدّد وينتشر كالطفيليّات.

واليهوديّ ليست لديه القدرة على النشاط الإبداعيّ، بل يسرق إبداع الآخرين، بدلالة أنّ الموسيقى وهندسة العمارة اليهوديّتين لا تفعلان سوى سَوق أوروبا مجدّداً إلى ليل بهيم. والكتاب إذ يصف طريق هتلر إلى اللاساميّة، خصوصاً في فيينا حيث التقى يهوداً للمرّة الأولى، فإنّه لا يكتم كرهه لكثرة الأعراق في عاصمة الامبراطوريّة الهبسبورغيّة ذات التركيب العابر للقوميّات والإثنيّات. ويضجّ «كفاحي» بالخرافات الشائعة منذ «بروتوكولات حكماء صهيون» عن مؤامرات اليهود للسيطرة على العالم. فاليهوديّة والشيوعيّة أكبر الشرور، وأوضاع ألمانيا الراهنة سببها جمهوريّة فايمار وديمقراطيّتها والاشتراكيّون والشيوعيّون، لكنّ هؤلاء كلّهم من تظاهرات الأفعال اليهوديّة. وتحتلّ فرنسا أكثر من ثلث النصّ. فهتلر حاقد عليها بسبب هزيمة الحرب العالميّة الأولى، فضلاً عن الحروب الكثيرة بين البلدين، فهي بالتالي «عدوّ خالد» ينبغي تدميره، سيّما وأنّها رمز للاختلاط العِرقيّ وبلاد للزنوج ودولة لليهود.

كذلك احتقر الروس والسلاف الذين لا كفاءة لديهم في بناء الدول، وما هو ناجح في روسيا صنعته عناصر ألمانيّة، لا سلافيّة. مع هذا فمنذ 1917 تولّت الشيوعيّة تدمير تلك الإنجازات، وبات الأسياد اليهود يحكمون الروس. ولئن أراد هتلر إقامة «المدى الحيويّ» في الشرق، وحرّض ضدّ «هيمنة» السلاف على النمسا، فإنّه عارض ألْمَنَة السلاف هناك، وألْمَنَة البولنديّين في ألمانيا، لأنّ هذه الأعراق المنحطّة تدمّر كرامة الأمّة الألمانيّة ونبلها، فـ»هذا الذي يكون سلافيّاً جباناً لا يمكن أن يكون لديه شرف».

وتحلّ اللعنات على «الزنوج» الذين يحظون بمواقع متصدّرة في البلدان الغربيّة وخصوصاً أميركا، فيما جنونٌ إجراميّ هو وحده ما يسلّم «نصف قرد» مواقع المسؤوليّة. وتبلغ الوحشيّة ذروة أخرى حيال أصحاب الاحتياجات الخاصّة: فمن لا يكون جسديّاً وذهنيّاً قويّاً ومُستحقّاً للحياة ينبغي أن يموت بحيث لا ينقل عاهاته إلى أبنائه. وحين يكون هناك مُعاقون يستحيل شفاؤهم، يغدو الحلُّ التخلّصَ منهم، إذ لا بدّ من «إجراء تصحيحيّ لمصلحة النوعيّة الأفضل». فهؤلاء حتّى لو تمتّعوا بالحياة فإنّها ستكون حياة لا تليق بالحياة (والعبارة الأخيرة صارت لاحقاً ملصقاً نازيّاً). ذاك أنّ الذي يعيش عليه أن يقاتل، و»لا يملك الحقّ في الوجود من لا يرغب في القتال في هذا العالم، حيث الكفاح الدائم قانون الحياة».

ولأنّهم عبء على المجتمع فلسوف يكون «عملاً جيّداً جدّاً إراحة المستشفيات من ضغط كبير وتوفير كميّة كبيرة من المال يمكن استخدامها لقضايا أكثر استحقاقاً». أمّا الدولة القوميّة والشعبيّة (volkisch)، أي دولته الموعودة، فعليها إنجاز المهمّة التربويّة والتصحيحيّة الأعظم بالتخلّص منهم، وفي يوم ما سيظهر هذا العمل بوصفه أهمّ من سائر الحروب المنتصرة.

وفي آخر المطاف يُعَدّ القضاء على الضعيف والمريض أكثر إنسانيّة بكثير من حمايتهما، إذ يوفّر استئصال كهذا ما يتطلّبه «القويّ» (أي الألمانيّ) من مدى ومن نقاء. ومعروف أنّ النازيّين قتلوا خمسة آلاف طفل، قبل أن يتوسّع مشروعهم ليقضي على ربع مليون متعدّدي الأعمار من ذوي الاحتياجات الخاصّة.

وهذا، وغيره كثير، يكفيان لاعتبار «كفاحي» وثيقة في التوحّش والفظاعة الإنسانيّة، ما يجعل قارئه يمسكه بأطراف أصابع إحدى يديه، وباليد الأخرى يسدّ أنفه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صور الأمم والجماعات في «كفاح» هتلر صور الأمم والجماعات في «كفاح» هتلر



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 21:08 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الأحداث المشجعة تدفعك?إلى?الأمام?وتنسيك?الماضي

GMT 03:15 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نجاة ممثل كوميدي شهير من محاولة اغتيال وسط بغداد العراقية

GMT 08:02 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

آرسين فينغر الأقرب لتدريب ميلان خلفًا لغاتوزو

GMT 04:11 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

صابرين سعيدة بـ"الجماعة" وتكريمها بجائزة دير جيست

GMT 14:57 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

عمرو الليثي يستضيف مدحت صالح في "بوضوح" الأربعاء

GMT 14:14 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

المدن المغربية تسجّل أعلى نسبة أمطار متساقطة خلال 24 ساعة

GMT 03:21 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

ظروف مشحونة ترافق الميزان ويشهد فترات متقلبة وضاغطة

GMT 06:15 2017 الجمعة ,24 آذار/ مارس

ورم الكتابة

GMT 12:25 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح منزلية لتنظيف وتلميع الأرضيات من بقع طلاء الجدران

GMT 06:32 2017 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مجرد درس مغربي آخر !

GMT 01:26 2016 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

ريم مصطفى تؤكد أنها ستنتهي من "نصيبي وقسمتك" بعد أسبوع

GMT 11:30 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات شعر بها سكان الحسيمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib