أيّة رسالة عربيّة للأفارقة

أيّة رسالة عربيّة للأفارقة؟

المغرب اليوم -

أيّة رسالة عربيّة للأفارقة

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

حين أسّس ميشيل عفلق «حزب البعث العربيّ»، نسب إلى «الأمّة العربيّة الواحدة» رسالة وصفها بأنّها خالدة. عقول كثيرة حارت في تفسير معنى تلك الرسالة، ولماذا من بين سائر شعوب الأرض سوف تكون للعرب وحدهم رسالة.       

مؤسّس البعث، على عادته، لم يقدّم إجابات واضحة، لكنّه غالباً ما كان يقرن الرسالة تلك بـ «الانقلاب». وهو لم يقصد بالضرورة الانقلاب العسكريّ، أو أنّ هذا ما قاله، زاعماً أنّ هدفه هو الانقلاب الشامل «في الحياة العربيّة». بيد أنّ العبارة الإنشائيّة والفضفاضة هذه ما لبثت أن وجدت ترجمتها الفعليّة الوحيدة في الانقلاب العسكريّ. فمنذ أواسط الخمسينات والضبّاط البعثيّون في سوريّا هم أنشط الانقلابيّين وأنجحهم، إن في تنفيذ الانقلاب أو في تغيير اسمه وتسميته «ثورة». وفي عام واحد، هو 1963، وبفاصل شهر واحد لا أكثر، استولى ضبّاط حزب البعث، عبر انقلابين عسكريّين، على العراق وسوريّا.

وبالفعل، وكما أظهرت عقود ما بعد الاستقلالات العربيّة، لم تكن الرسالة العتيدة سوى الانقلاب العسكريّ الذي أطاح أنظمة مدنيّة في غير بلد عربيّ. والحال أنّه من بين الأحداث اللعينة الكثيرة التي نزلت بالعالم العربيّ، يبقى هذا الانقلاب ألْعَنَها بإطلاق. فهو الذي كانت له اليد الطولى في تأسيس الكوارث والهزائم اللاحقة وفي إشاعة السلوك والوعي الأمنيّين، كما في تدمير المجتمعات المدنيّة وما كان متوافراً من حرّيّات في السياسة والاجتماع والمهن والثقافة والتعبير.

وكان ما ضاعف قوّةَ السمّ في الانقلاب العسكريّ عاملان، داخليّ وخارجيّ. أمّا الداخليّ فهو البُعد الطائفيّ أو الإثنيّ الضامر الذي أقام في كثير من أعمال الاستيلاء العسكريّ على السلطة التي عرفتها بلدان ذات نسيج اجتماعيّ مُهَلهَل. وأمّا الخارجيّ فهو اقترانه بتمدّد سوفياتيّ بدأ في الخمسينات وتعدّى بلدان «الكتلة الاشتراكيّة» التي كانت قد ولدت قبل عقد واحد. هكذا علّم أبناءُ ستالين الأنظمة الانقلابيّة في العالم العربيّ فنوناً وتقنيّات في الرقابة والقمع، وفي مصادرة الحياتين العامّة والخاصّة، فضلاً عن نشر وعي حربيّ سببه أنّ بلدان الكتلة المذكورة لا تملك سوى السلاح سلعةً للتصدير الخارجيّ.

ولئن صحّ أنّ الأنظمة التي أطيحت لم تكن من الصنف الذي يُدافَع عنه دائماً، صحّ أيضاً أنّها لم تكن من الصنف الذي يسدّ باب المستقبل كلّيّاً ويصادر الحياة العامّة على النحو الذي يفعله النظام العسكريّ – الأمنيّ. إلى ذلك فالتركة الكولونياليّة البشعة، التي استمرّ بعضها فاعلاً، ومعها تنافس الدول الكبرى على مناطق النفوذ، تضامنا مع درجة التطوّر الاجتماعيّ في المستعمرات السابقة، ومع ضعف تقاليدها السياسيّة وكهولتها الثقافيّة، بحيث غدا من الصعب (إلاّ في التحليل التآمريّ) ردّ قصور الأنظمة المدنيّة إلى عامل خارجيّ أوحد.

ورغم حصول ما حصل، لا يزال معظم الفكر السياسيّ العربيّ يتعامل مع الانقلاب العسكريّ بكثير من الودّ، إن لم يكن التمجيد، فيما بعضٌ غير قليل من النقد الذي بات يوجَّه إليه يأتي مشوباً باللطف وبقدر من السخاء وتوفير الأعذار.

واليوم إذ تكرّ سبحة الانقلابات العسكريّة مجدّداً في القارّة الأفريقيّة، فينقلب على نظامه عسكر النيجر بعدما انقلب عسكر مالي وبوركينا فاسو، لا تزال أصوات عربيّة كثيرة تُهدي الأفارقة رسالة الانقلاب العسكريّ. وبدل تنبيههم إلى ما حلّ بنا من جرّاء هذا الانقلاب ذاته، ومناشدتهم أن لا يكرّروا تجربتنا المُرّة التي لم نتعافَ من آثارها حتّى اليوم، نرى بعضنا يحتفل، في 2023، بما سبق أن احتفل به انقلابيّونا قبل عشرات السنوات: كسر الخضوع والتبعيّة للغرب، بناء مستقبل وطنيّ مشرق، إحداث استقلال حقيقيّ، تصفية للطبقة الرجعيّة القديمة...، وغير ذلك من شعارات كثيراً ما اختبرها الواقع فتبدّت ترّهات قاتلة. وبدل تحذير الأفارقة من اصطباغ الانقلاب العسكريّ بمقدّمات إثنيّة وجهويّة مستترة، كما بتمدّد روسيّ ترمز إليه، هذه المرّة، ميليشيا فاغنر، إذا بهذا البعض منّا يهلّل لعلامات الأصالة والتحرّر التي تنطوي عليها المغامرات العسكريّة الأخيرة. أمّا الغرق في ثقافة الدم ومستنقعات الثأر والانتقام من رئيس سابق أو من معارضين للانقلاب فهو أيضاً سبب للاستبشار بمستقبل مضيء ينتظر الأفارقة ويحاكي المستقبل المضيء الذي غنمناه!

إنّ الرسالة الوحيدة التي تستحقّ الاحترام هي بالضبط ما يعاكس رسالة عفلق الشهيرة، أي أن نقول، نحن العرب، لسوانا: تعلّموا ممّا حلّ بنا حين استولت علينا أوهام كبرى كان أهمّها وهم امتلاكنا رسالة محمولة على جناح القوّة والعنف. وكم سيكون مفيداً أن يقال كلام كهذا لسبعين مليون أفريقيّ في البلدان الثلاثة، النيجر ومالي وبوركينا فاسو، يُساقون راهناً من أوضاع سيّئة لكنْ قابلة للتغيير والإصلاح التدريجيّين إلى أوضاع مطلقة السوء ومطلقة الانسداد في الوقت عينه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيّة رسالة عربيّة للأفارقة أيّة رسالة عربيّة للأفارقة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:26 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل ريفي في بريطانيا من وحي تصميمات روبرت ويلش

GMT 11:35 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

زيّن حديقة منزلك مع هذه الفكرة الرائعة بأقل تكلفة

GMT 17:00 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ديوكوفيتش يسعى للفوز بذهبية أولمبياد باريس

GMT 06:20 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

230 ألف شخص يشيعون بيليه إلى مثواه الأخير

GMT 15:10 2022 الأربعاء ,23 آذار/ مارس

شركة "توتال" الفرنسية توقف شراء النفط من روسيا

GMT 20:10 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مشروع قانون لتنظيم أسعار المحروقات في المملكة المغربية

GMT 14:16 2021 السبت ,31 تموز / يوليو

فساتين سواريه للنحيفات المحجبات

GMT 23:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تعرف على قائمة الأسعار الجديدة للسجائر في المغرب

GMT 15:22 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 20:49 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

أسعار مازدا mazda 3 في مصر

GMT 21:11 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شركة أميركية ترصد صورًا لأهم أحداث الكوكب خلال العقد الماضي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib