عناوين مشرقيّة لما بعد توقّف القتال في غزّة

عناوين مشرقيّة لما بعد توقّف القتال في غزّة

المغرب اليوم -

عناوين مشرقيّة لما بعد توقّف القتال في غزّة

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

لئن حفّ الغموض بالمراحل التالية لاتّفاقَ غزّة وتطبيقه فإنّ الوجهة العريضة المتاحة لمنطقة المشرق، كما ينمّ عنها الاتّفاق المذكور وسواه، لا يشوبها غموض.

فالواضح تماماً أنّ منظومة كاملة من القوى والأفكار تداعت غير مأسوف عليها، وهذا بعدما تولّت لعقود صياغة المنطقة وهندستها. لقد سقطت «المقاومة»، ليس فقط في ترجمتها العمليّة التي مثّلتها الميليشيا، ولكنْ أيضاً كنظام وطريقة في إملاء الحياة العامّة بوجهيها الداخليّ والخارجيّ، أي في علاقتيها بـ «أهلها» وبالعالم. كذلك سقطت «القضيّة» بوصفها المصادرة والتصنيع المزمنين لمأساة الفلسطينيّين، كما بوصفها «فيتّو» على إرادتهم وعلى سيادات الدول المجاورة سواء بسواء. وبدورها سقطت «الثورة الإسلاميّة» كمبدأ مفجّر للمجتمعات وللدول، وكنموذج مانع للتقدّم وعائق يصدّ الحداثة عن بلدها وعن المنطقة. وفي الحسابات الاستراتيجيّة سقط حلف الممانعة الذي انهار بعض أنظمته فيما يترنّح بعضها الآخر، وتالياً سقط مبدأ الاعتماد على أخ أكبر قويّ ومرهوب الجانب يحتمي به خُدّامه الصغار.

وباستثناء نظام الأسد، يجمع الإسلام السياسيّ، بالسنّيّ منه والشيعيّ، بين أطراف التداعي تلك. وهذا ما يجيز المقارنة بالضربة التي ألمّت بالقوميّة العربيّة العسكريّة، بالناصريّ منها والبعثيّ، في هزيمة 1967، بعدما كانت، على امتداد عقد ونيّف، الطرف الذي يملي على المنطقة توجّهاتها.

وهذا بمثابة انحسار لعالم بكامله من القوى والعلاقات يضع المشرق العربيّ راهناً أمام فراغ يلحّ على إعادة تأسيس نفسه في ظلّ افتقار إلى أدوات هذه المهمّة. فلئن رُفع خيار الإسلام السياسيّ لملء الفراغ الذي خلّفته القوميّة العربيّة وأنظمتها بعد 1967، فما الذي سيُرشَّح لملء الفراغ الذي ينجم عن ضمور الإسلام السياسيّ ذاته؟

والقلقَ، هنا، تثيره وتضاعفه أحوال العلاقات الأهليّة، الدينيّة والطائفيّة والإثنيّة، في أصقاع المنطقة، بما فيها غزّة، حيث قد تبادر الجماعات إلى ملء ذاك الفراغ عنفيّاً وعبر منازعات بينيّة. وقلق كهذا يستند إلى أسباب موضوعيّة يتصدّرها أنّ التوافقات والائتلافات التي كانت قائمة، في مواجهة قوى المحور الممانع، سقطت كلّها، بالمعلن منها والضمنيّ. وكثيراً ما تلازم هذا السقوط مع صعود في الريبة والعداء بين حلفاء الأمس اللبنانيّين والسوريّين.

ويندرج التطوّر هذا في انشطار الجماعات «الوطنيّة» وتذرّرها بعد تاريخ مديد من كبت الأسئلة التي كان ينبغي أن تُسأل وتُناقَش ويُجاب عنها مع نيل الاستقلالات. وهكذا يلوح كما لو أنّ أبناء المنطقة الممتدّة من فلسطين إلى العراق لا يعرفون إلى أيّ غد سوف يتّجه بهم يومهم، وما طبيعة الأوطان التي ستحتويهم وما شكلها. وهذا فيما الإحباطات المتولّدة عن الهزيمة والمهانة والشكوك العميقة بكلّ شيء تقريباً لا تفعل سوى تقوية مصادر التناحر الداخليّ، وهي قويّة أصلاً بما يكفي.

فالسابع من أكتوبر وتوابعه لم تكن ضربات عسكريّة فحسب، إذ يتأدّى عنها طرح أسئلة وجوديّة على المشرقيّين، لا على الفلسطينيّين وحدهم، من صنف: من نحن؟ وعلى ماذا يقوم تعاقدنا؟ وإلى أين نتّجه؟ فعلى ما يبدو لن تكون نجاة أيّ «نوح» أمراً سهلاً في هذا «الطوفان».

وللأسف فبسبب من عطالة متأصّلة في ثقافة المشرق السياسيّة المعمّمة، وتبعاً لعجز متراكم عن ممارسة التغيير الذاتيّ، تُركت هذه المهمّة لإسرائيل. هكذا تولّت الأخيرة إنجازها بثأريّة إباديّة مكّنتها من أن تبني حول نفسها نطاقاً استراتيجيّاً إمبراطوريّاً يوفّر لها الأمن ويلزم الجميع بالتعامل معه كمعطى راسخ يصعب التكهّن بمدى ديمومته الزمنيّة.

وإذا كان ثمّة مَن يطمئنه هذا التطوّر إذ يكرّس نزع الصراع، الذي انبثقت منه «القضيّة» القاتلة، ويشقّ طريقاً إلى سلام واستقرار إقليميّين، فإنّ آخرين يساورهم الخوف، وهو وجيه، من أن يصبّ التطوّرُ المذكور زيتاً كثيراً على نار التنازع الداخليّ بحيث تستثمره، بجلافتها وثأريّتها المعهودتين، فئات أهليّة ضدّ فئات أخرى. وإذا تسنّى لبنيامين نتانياهو وائتلافه الحكوميّ البقاء في السلطة وجد افتراض كهذا مزيداً من الحجج والمدد.

يكمّل رسمَ اللوحة الداكنة تلك ثقافةٌ كاذبة لا تتوقّف عن الإنكار إلاّ لتعلن الانتصار، معزّزةً تلبّدَ الرؤية بقدر معتبر من الضباب. وهذه إنّما تشنّ كلّ لحظة 7 أكتوبر سياسيّة وإعلاميّة تكمّل بها 7 أكتوبر الحربيّة، سحقاً للعقل والحقيقة من جهة، ورفعاً لمسؤوليّة صانعي الكارثة عنهم من جهة أخرى.

بيد أنّ أمراً واحداً، لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقّه، ينطوي على شيء مضيء. ذاك أنّ الحجّة الأكثر تكراراً في الدفاع عن «خطّة ترمب» لغزّة دارت حول وقف الموت فوراً، علماً بأنّ كثيرين ردّدوا هذه العبارة رفعاً للعتب أو ستراً للهزيمة. ونعرف أنّ بناء خلاصات سياسيّة على مقدّمات كهذه ليس من شيم الثقافة السياسيّة السائدة في منطقتنا، إذ عملاً برقم «المليون شهيد»، باتت حركاتنا الفاعلة تكافح كي تكون «مَن يربح المليون».

فهل يُكتب النماء والتطوّر لهذه الطريقة المغايرة في النظر إلى الأشياء وإلى العالم، ما قد يؤنسن ثقافة ضالعة في الموت والإماتة؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عناوين مشرقيّة لما بعد توقّف القتال في غزّة عناوين مشرقيّة لما بعد توقّف القتال في غزّة



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الفتنة الكبرى!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 01:12 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين
المغرب اليوم - ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib