قتل العلماء أو قتل القوة

قتل العلماء أو قتل القوة؟

المغرب اليوم -

قتل العلماء أو قتل القوة

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

إن ظاهرة قتل العلماء ليست جديدة، والبلدان العربية التي راهنت مبكراً على العلم، خصوصاً تلك التي تعلّقت همتها بالتعمق في مجال الفيزياء النووية، مثل مصر والعراق -ومن غير العربية نذكر إيران- فقد كان مصير غالبية العلماء الكبار الاغتيال والتصفية في ظروف غامضة، مع إغلاق ملفات موتهم الغامض بالعبارة الشهيرة: ضد مجهول.

في العقود الماضية كان خبر اغتيال العالم يدور في نطاق ضيق؛ لذلك يظل الحدث ضيقاً، وفي دوائر قريبة، كما يظل فاعل الجريمة غير معروف حتى لو بدا في منطق تحليل الجرائم معروفاً، وهو ما يجعل من الاتهامات مجرد فرضيات.

أما اليوم فالملاحظ أن الأمور تغيّرت: إسرائيل تُعلن تأكيد اغتيالها عدداً من العلماء النوويين في إيران، وتكشف طوع إرادتها حتى عن بعض ملابسات الاغتيال كالتوقيت، بل أيضاً تتباهى بأنها قتلتهم وهم نيام في أسرّتهم. وطبعاً في الحروب لا يعترف طرف الحرب إلا بما يخدم صورته، ويمثل استعراضاً لقوته وانتصاراته. المشكل الآخر أن الأخبار تناقلتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كأي خبر عادي. لا شيء يوحي بخصوصية في المعالجة الإعلامية لأخبار القتلى الذين يوصفون بأنهم: علماء.

ماذا يعني هذا: هل أن قتل العلماء أمر مباح؟ أم أن أي حرب تهدف إلى إيقاف مشروع امتلاك النووي تشترط اغتيال علماء النووي بوصفه جزءاً أساسياً ومركزياً من الحرب؟

منهجياً، الأمر مفهوم جداً باعتبار أن هدف الحرب وسببها ورهاناتها وتحدياتها تحدد الفئة المستهدفة بالتّصفية. ولنتذكر جيداً أن حرب إسرائيل ضد أهالي غزة حددت الفئة المستهدفة بالقتل بدقة: قتل الأطفال والنساء، وعدم الاكتراث بأصوات المدافعين عن حقوق الإنسان والمدافعين عن الطفولة؛ لأن الحرب ضد شعب يتميز بمعدل خصوبة يبلغ قرابة 3.7 في المائة (هذا الرقم قاله لي وزير الشؤون الاجتماعية في فلسطين منذ ثلاث سنوات تقريباً أثناء زيارته تونس)، ناهيك بأنها حرب ضد مستقبل الفلسطينيين والأجيال القادمة والوجود الفلسطيني ذاته، الأمر الذي استوجب تكتيكاً يقوم على التصفية الديموغرافية، بالتركيز على الطفل لأنه المستقبل، والمرأة لأنها الكائن الذي يضطلع بمهمة الإنجاب.

أما حرب إسرائيل على إيران فإن همها ليس الشعب الإيراني، ولا الطفل الإيراني، ولا النساء الإيرانيات، ولا حتى النظام الإيراني كما رأينا، بل هي حرب قياس القوة، وكسر الحاجز النفسي، وبعثرة المشروع النووي الإيراني بإرباكه، واغتيال أكثر ما يمكن من علمائه، وضرب منشآته.

لنأتِ الآن إلى الرسائل المفضوحة من استعراض قتل العلماء: أولاً، من المهم التذكير -حتى لو كان لا وزن أخلاقياً أو قانونياً دولياً لذلك- بأن قتل العلماء يُعد جريمة مضاعفة؛ لأنها تستهدف العالم المغدور به أولاً، وتستهدف العقل البشري والعلم ثانياً.

كما أن ما نعلمه أن العلم غير محدود، ولا يعرف حدوداً، ومنطقياً لا يمكن أن يكون اختيار العَالِم البحث أو الطموح في مجال ما سبباً في قتله، فالمشكلة في الجانب الرمزي الذي يجب ألا يستبيح قتل العلماء، وأن يجعل من العلم سبباً للقتل والتصفية.

كذلك هناك تفصيل آخر يتعلق بأن المشكلة ليست في الفيزياء النووية بوصفها طريقاً لامتلاك القوة، بدليل أن علماء الدول القوية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ليسوا مهددين بالقتل بقدر ما يُمثلون طموح أميركا وقوتها.

إذن الإشكال في الانتماء الحضاري، وفي جنسية العالم الذي نبغ في الفيزياء النووية أو في أي مجال له صلة بالقوة. فالرسالة التي نسوقها بعيداً عن ذهنية المؤامرة أو حتى التخمين لأننا نكتفي بمجرد التوصيف والتأويل الأولي: ممنوع على الدول غير المنتمية لنادي الكبار امتلاك القوة والطموح علمياً.

الأجدر بالإنسانية اليوم محاربة المشروع النووي من جذوره؛ ممنوع على الجميع امتلاكه، بل إن استئثار عدد من الدول به من دون غيرها هو ما يحرض البقية على القيام بمحاولات لامتلاكه، بصفته أكبر دليل على اختلال الفرص والحقوق في موازين القوى.

فالمشكلة ليست في معارضة المشروع النووي الإيراني، بل في عدم معارضة المشروع الإسرائيلي، وفي دعم إسرائيل. ولا شك في أن هذه الوضعية الملتبسة من المنع لطرف والسماح لعدوه هي التي جعلت منطقة الشرق الأوسط بؤرة توتر دائمة من منطلق أن وجود مشروع نووي لا يمكن أن يبعث على الشعور بالراحة والأمن والاستقرار؛ لأن في لحظة امتلاكه يصبح القوة الوحيدة، ومن حوله في حالة تهديد على الدوام.

بيت القصيد: منع امتلاك النووي في منطقة الشرق الأوسط لن يكون إلا إذا شمل الجميع، وعلى رأسهم إسرائيل. ومن دون ذلك ستظل المنطقة في اشتعال، ودوران في حلقة مفرغة من تراكم المشروع ثم افتعال حرب لإرباكه وقتل العلماء، مع ما يعنيه ذلك من معانٍ أخلاقية وقانونية وعلمية محبطة.

وعلى الدول المالكة للسلاح النووي أن تبدأ بنفسها كي تشق طريق السلام على أسس سليمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قتل العلماء أو قتل القوة قتل العلماء أو قتل القوة



GMT 17:00 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

يوم فلسطيني بامتياز..ماذا بعد

GMT 16:59 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

تَوَهان المشتغلين في الإعلام

GMT 16:58 2025 الأربعاء ,24 أيلول / سبتمبر

هل تغير الزمن فعلا ؟!

GMT 15:35 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

الاعتراف بفلسطينَ اعتراف بإسرائيل

GMT 15:32 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

دراميات صانعي السلام

GMT 15:27 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

تحقيقٌ صحافي عن عبد العزيز ومن عبد العزيز

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

من يسار الصحوة الأميركية إلى يمين الترمبية

GMT 15:15 2025 الثلاثاء ,23 أيلول / سبتمبر

حكاية الطبيب والأميرة ديانا!

الأناقة الكلاسيكية تجمع الملكة رانيا وميلانيا ترامب في لقاء يعكس ذوقًا راقيًا وأسلوبًا مميزًا

نيويورك - المغرب اليوم
المغرب اليوم - أنواع النباتات المثمرة المناسبة في بلكونة المنزل

GMT 07:42 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مرسيدس تطلق سيارة رياضية بمواصفات فائقة

GMT 15:45 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

المصري محمد صفوت يودع بطولة لوس كابوس للتنس

GMT 23:22 2018 السبت ,14 إبريل / نيسان

طرق بسيطة لاختيار ساعات عصرية تناسب الرجال

GMT 04:08 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

... مَن قال ليس حقيبة؟

GMT 01:12 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

"نيس" الفرنسي يظهر اهتمامه بضم المغربي أمين باسي

GMT 13:19 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

لاس بالماس الإسبانية المدينة المثالية لقضاء أحلى شهر عسل

GMT 08:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في جبل العياشي

GMT 00:43 2016 الجمعة ,23 أيلول / سبتمبر

شاطئ "الكزيرة" في المغرب جوهرة شمال غرب إفريقيا

GMT 00:02 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو السنباطي يعلن عن رؤيته لمستقبل نادي هليوبوليس

GMT 07:58 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم ماهيكا مانو في طوكيو لمحبي الأماكن الرائعة والمختلفة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib