أكبر تاجر بالبشر الفقر

أكبر تاجر بالبشر: الفقر

المغرب اليوم -

أكبر تاجر بالبشر الفقر

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

حيي العالم غداً اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص.

نعم في سنة 2022، وفي أوج الرقمنة والعلم وبعد نحو ثلاثة قرون من انبثاق الحداثة وعصر الأنوار المبشر بالعقلانية وبمركزية الإنسان الفرد، نتحدث عن ظاهرة الاتجار بالبشر التي تحيل في أول وهلة سماع هذه الجملة إلى العصر الجاهلي والبيئات التاريخية الثقافية التي كان فيها التقسيم الطبقي وتقسيم بين السادة والعبيد وبين الأحرار والمملوكين.
في توصيف برقي سريع لظاهرة الاتجار بالأشخاص يمكن القول إنّها شكل مقنّع للعبودية الجديدة التي أصبحت اليوم على مستوى العالم تضع أقنعة مخاتلة، ولكن أنصار حقوق الإنسان في العالم والدول المعنيّة بكرامة الإنسان لم تنطلِ عليها هذه الأقنعة وكانت دقيقة في الوصف حين أدرجت أشكال العبودية الجديدة تحت قانون يسميها صراحة: الاتجار بالأشخاص.
إذاً كما نلحظ فإن خطورة الاتجار بالبشر تكمن في تعقد أشكال هذه التجارة والمواربة التي تميزها، لذلك فإن علاوة على ضرورة مجابهتها بالنبذ والرفض والإدانة، فإن استراتيجية التعبير عن ذلك من المهم ألا تنخرط في تشعب مظاهر الاتجار بالبشر وتحديدها بشكل يجعل من الظاهرة محددة بشكل لا ينفع فيه التملص. فوجود ظاهرة الاتجار بالبشر اليوم بعد تراكم التراث الإنساني في مجال تحرير الإنسان والانتصار له، إهانة لكل إنسان على وجه هذه الأرض.
نعم، لا بد للرفض أن يكون عالياً وصارماً.
ومن المهم الإشارة إلى أن الحديث عن ظاهرة الاتجار بالبشر ليس هلامياً، بل إن هناك أرقاماً وحوادث وإحصائيات تدل عليه وتوثّقه، وتقول أرقام تعود إلى سنة 2018 وفق ما نشره موقع الأمم المتحدة إنه:
- في عام 2018، اكتُشف خمسة آلاف ضحية من ضحايا الاتجار بالبشر، أبلغت عنهم 148 دولة.
- استُغل 50 في المائة من الضحايا المكتشفين في أغراض جنسية، في حين استُغل 38 في المائة منهم في العمل القسري.
- لم تزل الضحايا من الإناث يشكلن المستهدفات الأساسيات. وتشكل النساء 46 في المائة والفتيات 19 في المائة من جميع ضحايا الاتجار بالبشر.
- على الصعيد العالمي، ثلث الضحايا من الأطفال.
- تضاعفت نسبة الأطفال بين ضحايا الاتجار المكتشفين ثلاث مرات، بينما زادت نسبة الأولاد خمس مرات على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.
إذاً أول ملاحظة هي أن الأطفال والنساء يمثلون ضحايا الاتجار بالبشر، أي أن التجارة المشار إليها تستهدف الطفل والمرأة بوصفهما أكثر هشاشة في المجتمعات التي تعاني الفقر والخصاصة وهيمنة الثقافة الأبوية وطمس الفرد على حساب الجماعة والأطر الاجتماعية التابعة للبنى التقليدية.
فكل ظاهرة سلبية يكون أولى ضحاياها الأكثر هشاشة، وعادة ما يمثل هذه الهشاشة الأطفال والنساء.
وفي الحقيقة أن تكون هذه الظاهرة موجودة وفي ازدياد رغم المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتجارب الديمقراطية ونضال نخب في العالم من أجل الحقوق الفردية، فذلك يعني أن ظاهرة الاتجار بالبشر لا تحارب بالقوانين فقط رغم أهمية ذلك وضرورته.
ويتصل طرح هذا الموضوع الموجع والمعقد بالأفق الذي وضعته الأمم المتحدة لخطة التنمية المستدامة 2030، التي تضع هدفاً كبيراً يتمثل في فكرة الجملة الشهيرة: لا أحد خلف الركب. لذلك فالسؤال: كيف يمكن أن يلتحق ضحايا الاتجار بالبشر اليوم بالركب؟
يبدو لنا أن المقاربة يجب أن تجمع بين آليات الوقاية والحماية معاً؛ فالحماية تقتضي بعث هيئات مختصة في هذا الملف في كل البلدان، وأيضاً سن تشريعات صارمة وقاسية تماماً كقسوة الفعل والجرم.
ولكن الشق الأكبر من المعالجة والمقاربة يشترط الذهاب إلى أصل الداء والمشكل والسبب الرئيسي المنتج لهذه الظاهرة. وهنا نجد أنفسنا وجهاً لوجه مع الذي قال عنه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان رجلاً لقتلته... إنّه الفقر.
فالهشاشة المقصودة هي الاقتصادية بالأساس. وتجار البشر يستغلون المهمشين اقتصادياً وذوي الخصاصة والفقراء لممارسة تجارتهم الخارقة للإنسانية وقيمها وما حققته من تراكم وثراء. لذلك فإن العدو هو الفقر والتاجر الحري بالمحاربة هو الفقر. ويكمن الرهان في إيجاد حلول تؤمن التمكين الاقتصادي والاجتماعي للأسر محدودة الدخل، إضافة إلى دور الحروب والتوترات في توسع ظاهرة الاتجار بالبشر، حيث يعد المهاجرون قسرياً هرباً من ويلات العنف والحرب لقمة سائغة أطفالاً ونساء ورجالاً أيضاً في أفواه تجار البشر الذين يستغلون وضعهم الهش وغير الواضح قانونياً لتنمية تجارتهم البشرية.
إن أي سياسة دولة ومجتمع مدني تضع مقاومة الفقر هدفاً استراتيجياً، فإن ذلك يعني عملياً أن هذه الحرب ستمكن القائم بها من تحقيق أهداف عدة في نفس الوقت، لأن الفقر ينتج ألف ظاهرة وظاهرة مؤذية للإنسان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أكبر تاجر بالبشر الفقر أكبر تاجر بالبشر الفقر



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

الأناقة الكلاسيكية تجمع الملكة رانيا وميلانيا ترامب في لقاء يعكس ذوقًا راقيًا وأسلوبًا مميزًا

نيويورك - المغرب اليوم
المغرب اليوم - أنواع النباتات المثمرة المناسبة في بلكونة المنزل

GMT 07:42 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مرسيدس تطلق سيارة رياضية بمواصفات فائقة

GMT 15:45 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

المصري محمد صفوت يودع بطولة لوس كابوس للتنس

GMT 23:22 2018 السبت ,14 إبريل / نيسان

طرق بسيطة لاختيار ساعات عصرية تناسب الرجال

GMT 04:08 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

... مَن قال ليس حقيبة؟

GMT 01:12 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

"نيس" الفرنسي يظهر اهتمامه بضم المغربي أمين باسي

GMT 13:19 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

لاس بالماس الإسبانية المدينة المثالية لقضاء أحلى شهر عسل

GMT 08:40 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الطقس و الحالة الجوية في جبل العياشي

GMT 00:43 2016 الجمعة ,23 أيلول / سبتمبر

شاطئ "الكزيرة" في المغرب جوهرة شمال غرب إفريقيا

GMT 00:02 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو السنباطي يعلن عن رؤيته لمستقبل نادي هليوبوليس

GMT 07:58 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم ماهيكا مانو في طوكيو لمحبي الأماكن الرائعة والمختلفة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib