الشطب الذاتي للفُتات المشروط

الشطب الذاتي للفُتات المشروط

المغرب اليوم -

الشطب الذاتي للفُتات المشروط

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

لطالما مثَّلت المساعدات الدولية نوعاً من التبعية النسبية والانخراط المضمون دولياً للدول المستفيدة من المساعدات. وقد كانت إلى حدود حرب الخليج الأولى تبعيةً نسبيةً غير مباشرة وبشكلٍ خفيّ.

ولكنَّ هذه التبعية المفروضة والضغط باسم المساعدات لم يعودا مخفيَّين، بل أصبحا في غاية المباشراتية والوضوح والنبرة العالية حدَّ المناداة بهما إلى درجةٍ أصبحت فيها المساعدات شتيمة وفضيحة وإحراجاً شديداً. وكي نوضح أكثر، فإن اللغة المستعمَلة لدى الولايات المتحدة مع الدول التي تقدم إليها مساعدات تُشبه القاموس اللازم للحديث عن تسوُّل دولي وليست مساعدات دولية.

طبعاً أكيد أن الموصوفة بالمساعدات هي في الجوهر ليست كذلك، فالدول القوية لم تصبح كذلك إلا لأن ما وصلت إليه كان على حساب مناخ الدول موضوع المساعدة، علاوة على الضغط لاتخاذ مواقف دولية لصالح الدولة التي تقدم المساعدات، فإذا بها بسبب تداعيات تلك المواقف، تخسر كثيراً وتغلق أمام نفسها وشعبها موارد جمّة.

بيت القصيد هو أن هذه المساعدات التي يُتحدث عنها لا صلة لها بالمعنى الحقيقي لكلمة مساعدات، ولكن كما نعلم لغة السياسة هي مخاتِلة ولا تسمِّي الأشياء بأسمائها، إذ إن الحقيقة أن تلك المساعدات هي فُتات من حق الدول التي أنفقت من مناخها وسيادتها الكثير من أجل صُنع قوة الدول التي اختارت المساعدات طريقةً؛ لا للمساعدة وتقديم تعويض رمزي، بل لضمان صوتها في نادي الدول القوية والموازين الدولية.

لنترك جانباً المضامين المخاتِلة لخطاب المساعدات ونتعامل معه على أساس المخاتلات التي يجري تسويقها، أي كأن التعويضات الفُتات فعلاً «مساعدات»، ونطرح السؤال التالي:

في ظل الانتقال إلى مرحلة الضغط المباشر والعلني بالمساعدات في قضايا جوهرية ومصيرية، ماذا على الدول العربية أن تفعل لتزيح عنها هذا الضغط الذي يتبع وتيرة تصاعدية كلما حصل عدم تفاعل إيجابي مع المطلوب من طرف الدولة التي تهدد بقطع المساعدات؟

نعتقد أن هذا الموضوع، ومن منطلق أنه أصبح يُخاض فيه بشكل عارٍ تماماً من كل الأبجديات الدبلوماسية والسياسية، أصبح يستحق الطرح الصريح المباشر، ولم يعد شأن نخبة حاكمة فقط، بل شأن شعوب وكرامة شعوب. لذلك فإن الخطوة الأولى الجديرة هي التفكير جدياً في الاستغناء عن تلك المساعدات رغم الحاجة إليها. ولا شك في صعوبة هذا التدبر، ولكن ليكن تحدياً إضافياً، ولنتعامل معه كأنه جائحة لم نحسب لها حساباً.

لا بد من الانتقال إلى هذا المستوى من التعاطي مع قضية المساعدات لأن أي شيء قابل للتهديد ومشروط لا يمكن التعويل عليه وضمانه. لا يمكن ضمان إلا ما تملكه الدولة وتحصلت عليه من باطن أرضها أو من خيرات حقولها وأنهارها وبحارها. وما زاد على ذلك فهو منّة مشروطة وضاغطة وفاضحة ومعتدية على كرامة الشعوب وماء وجه الدول.

فعلاً؛ لا بد من مسافة أمان مع المساعدات: كل دولة تدير جزءاً من شؤونها عامةً اعتماداً على المساعدات، لا بد من شطب هذه المساعدات من الحساب.

وسياسياً نحن لا ندعو إلى رفض المساعدات، بل جوهر الفكرة هو تعويد كل الدول التي تتلقى مساعدات نفسها على الاستغناء عنها كي تتجنب الضغط الذي تكلفته باهظة جداً.

لا حلَّ أمام خطاب التهديد بقطع المساعدات إلا شطب هذه المساعدات من المقدَّرات لكل دولة وألا تعوِّل عليها ولا تنتظرها كي لا يحصل لها ضيق وزلزال يضطرانها إلى ارتكاب أخطاء تدفع فاتورتها الخيالية الأجيالُ القادمة. وباعتبار أن هذا الشطب له تكلفة آنيَّة وقد يضع ميزانية الدولة في ورطة نسبياً، وباعتبار أيضاً أن التهديد بقطع المساعدات يتضمن ترويجاً لصورة ضعيفة ومهينة للشعوب المستفيدة منها، فإن الحوار الصريح بين النخب الحاكمة وشعوبها يقتضي إعلامها ووضعها في الصورة كي تكون مستعدة لتحمل تبعات شطب تلك المساعدات.

والمضيُّ قدماً في مثل هذا الخيار الأقرب إلى الواقع وإلى البناء الصحيح سيدفع بالدول إلى تعويض المساعدات بموارد أخرى، وستنخرط الشعوب وتقبل بواقع الأمر والنقص، لأن كل الشعوب تفضّل النقص في المتاع على النقص في الكرامة. وهنا لا بد من بلورة خطاب يقوِّي الصلة بين الكرامة والسيادة وحرية تقرير المصير وبين العمل والاجتهاد من أجل إدارة شؤون البلد وإشباع بطون الشعوب من دون الوقوع في مصيبة الضغوط والتهديدات.

باختصار، لنشطب المساعدات من حساباتنا، وإذا جاءت فلتكن القليل من حقنا الكثير، وإذا قُطعت نكون في مأمن من الاضطراب والبلبلة والتخبط.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشطب الذاتي للفُتات المشروط الشطب الذاتي للفُتات المشروط



GMT 16:04 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

من غرينلاند إلى دبي

GMT 16:01 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

هل يمتلك الغَزّيون قرار الاستسلام ؟!

GMT 16:00 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

الشيوخ حائرون... يتساءلون

GMT 15:59 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

سوريا وتحديات نجاح المسار الانتقالي

GMT 15:57 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

محمد حسنين هيكل... نهاية أسطورة

GMT 15:56 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

حضور عادل إمام في أسوان!

GMT 15:55 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

كرة اللهب!

GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

شبابيك سعادة

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 08:22 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

"إكس" تتعرض إلى هجوم سيبراني ضخم

GMT 16:15 2017 الجمعة ,16 حزيران / يونيو

إنفينيتي تعلن عن مزايا سيارة QX80 Monograph الجديدة

GMT 16:18 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

في مجتمعنا نساء مضطهدات…وتفسير خطأ للجندرة!

GMT 12:02 2021 الإثنين ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أولمبيك خريبكة ينفصل عن مدربه عزيز كركاش رسمياً

GMT 15:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

لائحة الغرامات المتعلقة بمخالفات السير في المغرب

GMT 06:45 2021 السبت ,02 كانون الثاني / يناير

سلمى أبو ضيف تعلن ارتباطها برئيس مجلة "فوغ"

GMT 19:22 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الهاشيمي يقترب من حمل قميص الاسود في نهائيات "أفريقيا"

GMT 15:21 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل صوص الفراولة (للحلويات والتورتات)
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib