السودان التاريخ ليس صدفةً ولا مفاجأةً

السودان.. التاريخ ليس صدفةً ولا مفاجأةً

المغرب اليوم -

السودان التاريخ ليس صدفةً ولا مفاجأةً

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

من علم الاجتماع، خرجت علومٌ مستقلةٌ بذاتها عنه، وفقاً لتطوّر العلوم وتطوّر البشر، وهي علومٌ شتى تصل حد عشرات العلوم والتخصصات، ومن أهمها العلوم السياسية والاقتصادية والثقافية والنفسية، وغيرها كثيرٌ، وبإمكان كل قارئ للتاريخ ومتمعنٍ في دوراته صعوداً وهبوطاً أن يكتشف كيف تفرعت هذه العلوم وتطورت.

هذه العلوم متضافرةٌ على أن «الجماعات المنظمة»، قوميةً كانت أم يساريةً أم إسلامويةً، لا تختفي فجأةً، ولا تنتهي في لمح البصر، وهي لا تستجيب لرغبات النخب السياسية أو الثقافية، ولا تنزوي من تلقاء نفسها ما لم يسبق ذلك جهدٌ فكريٌ ودينيٌ وثقافي واجتماعي منظمٌ وشاملٌ، ويعمل بشكل استراتيجي طويل الأمد، هذه حقائق لا يصل إليها الجدل على طول التاريخ وعرض الجغرافيا، وتعدد النماذج. يتذكر الكثيرون في العالم العربي لحظة الفوضى العارمة التي خلقها ما كان يعرف بـ «الربيع العربي» وحجم الطموحات والأحلام الوردية التي تجلت عن واقعٍ مرٍ لا يمتّ لتلك الشعارات المرفوعة بأي صلةٍ مثل شعارات «الحرية» و«العدالة» و«حقوق الإنسان» وعشرات المفاهيم التي شكل الشباب وقودها الحارق كعادتهم في التاريخ، ثم تجلّى ذلك كله عن «أصولية» مستحكمة و«تطرفٍ» مسيطر و«إرهابٍ» منظمٍ وعن «استقرار الفوضى».

وتكشف لاحقاً أن ذلك كله كان ضمن الإرادة السياسية لأكبر امبراطورية عرفها التاريخ وهي أميركا في زمن إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، وكان ملخصها إسقاط الأنظمة السياسية العربية وتسليم الحكم فيها لـ «جماعة الإخوان» ولجماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني، وذاك الزمن قد ولى قبل عقدٍ ونصف عقد من الزمان، والعاقل من استطاع ربط الحاضر بالماضي، وقياس ما يجري على ما جرى. إدارة ترامب ليست مثل إدارة «الديموقراطيين» من أوباما إلى بايدن، ولكن المراقب لن تخطئ عينه التوافقات والاختلافات في السياسات بين الطرفين بما يخدم مصالح أميركا في الحالتين، ولكن «أوباما» ومن بعده «بايدن» قد اختارا كما أعلن لاحقاً في وثائق ومذكرات وذكريات وتقارير صحفية مميزةٍ، تمكين «جماعات» الإسلام السياسي سنياً وشيعياً من السيطرة على دول العالم العربي، وبتحالف مع دول داعمةٍ للمحور «الأصولي» والمحور «الطائفي» استطاعت خلق «استقرار الفوضى» وسمّي بــ«الربيع العربي».

طبيعة جماعات الإسلام السياسي أنها تبني أجيالاً مواليةً لها، عبر التربية والتعليم وعبر الجمعيات الخيرية، وعبر المناشط الدينية مساجد وخطب وفتاوى، وهو ما تطوّر لاحقاً باتجاه السيطرة على «القنوات الفضائية» و«المواقع الإلكترونية» و«وسائل التواصل الاجتماعي» وغيرها كثير، وهذه الأجيال لا تختفي فجأةً، ولا تتغير في لحظةٍ حتى ولو تغيرت الظروف الاجتماعية والسياسية، ولكنها قادرةٌ بالبراغماتية العالية أن تتأقلم مع كل وضع وأن تقلب جلدها كالحرباء، والشواهد أكثر من أن تحصى. في سوريا، انتشرت عبر عقدٍ ونصف عقد جماعاتٌ إسلامويةٌ شتى، من «جماعة الإخوان» و«تنظيم القاعدة» و«تنظيم داعش» مدعومة من «محورٍ أصوليٍ» في مواجهة «محورٍ طائفيٍ» وبصفقةٍ سياسية كبرى اقتربت بعض هذه الجماعات من الحكم، وبمنطق التاريخ والعقل والواقع فهي لم تتغير كثيراً، ولن تستطيع التغير وإنْ أرادت إلا بخسائر كبرى، والجماعات لا تتغير ولا تختفي فجأةً. هذا في سوريا، في خمسة عشر عاماً فقط، فكيف يمكن قراءة الوضع في السودان؟ وقد وصلت «جماعة الإخوان» فيها للحكم في عام 1989 عبر انقلابٍ عسكريٍ قاده حسن الترابي وعمر البشير، وقد تمكنت الجماعة من نشر «خطابها» و«مفاهيمها» و«أيديولوجيتها» في جيلٍ كاملٍ من الشعب السوداني، مدنياً وعسكرياً، شباباً وشيباً، ثم يريد بعضهم أن يقنع العالم أن «الجماعات» اختفت هناك فجأةً ولم يعد لها وجود. أخيراً، فكما أن التاريخ ليس صدفةً فهو ليس مفاجأةً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان التاريخ ليس صدفةً ولا مفاجأةً السودان التاريخ ليس صدفةً ولا مفاجأةً



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الفتنة الكبرى!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib