سوريا والتحديات الماثلة

سوريا والتحديات الماثلة

المغرب اليوم -

سوريا والتحديات الماثلة

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

كان سقوط نظام الأسد الذي مثّل «الأقليات المتوحشة» والذي حوّل فكرة «البعث العربي» إلى «العائلة»؛ سقوطاً مدوياً بعد نصف قرنٍ من الزمان، كان فيه بالفعل من أسوأ الأنظمة السياسية، وتوالى نشر فضائحه وفظائعه بعد سقوطه، واستبشر المستبشرون، وفرح المستعجلون، وقدّم البعض نقداً واقعياً وتاريخياً وعلمياً للمشهد جديد التشكل.

خروج سوريا من المحور الإيراني نصرٌ دون شكٍ لسوريا وشعبها وللدول العربية القائدة والرائدة، ولكن هذا لا يعني إمكانية الانجرار إلى محورٍ آخر، وهو ما طرحه الناقدون، وكما جرى فيما كان يُعرف بـ«الربيع العربي»، فقد استبشر البعض، وفرح المستعجلون، وقدّمت القلة من الكتّاب نقداً واقعياً وتاريخياً وعلمياً، ثبت لاحقاً أنه نقدٌ محقٌ، وما جرى ويجري في سوريا خلال بضعة أشهرٍ لم يكن عصياً على الفهم ولا مستحيلاً على الوعي.

صراعات الأفكار هي القائد لصراعات السياسة، ودونها لا يتحقق شيءٌ في الواقع، وفي القرن الماضي خير شاهدٍ على أن الاستثمار في الأفكار قد يكون أنجع من الاستثمار في التأثير المباشر، وقبل ذلك ففي التراث الإسلامي كان الصراع طويلاً ومتشعّباً بين آيديولوجيتَيْن: الأولى، آيديولوجيا الدولة وهي «السمع والطاعة»، والثانية آيديولوجيا «الولاء والبراء»، وفي العصر الحديث خلال عام 1917 قامت الثورة البلشفية الشيوعية على أنقاض روسيا، وتمكّنت من تحويل أفكار الفيلسوف كارل ماركس حول «الاشتراكية» إلى واقعٍ بنت عليه أحد أكبر أقطاب القوة في العالم، وهو «الاتحاد السوفياتي» الذي وقف في وجه «النازية» الألمانية التي بُنيت على أفكار الفيلسوف نيتشه بتأويل معين، وكانت «الليبرالية» الرأسمالية الغربية تتكئ في ذلك الصراع على فلاسفة كثر.

لأكثر من قرنٍ من الزمان ظلّت منطقة الشرق الأوسط مرتعاً خصباً للصراعات السياسية المبنية على أفكارٍ مختلفة ومتعددة وربما متناقضة، ومحاولة تحليل المواقف والتوجهات السياسية دون تناول عمقها الفكري هي سياسة لحظية معرّضة دائماً للخطأ، لأنها لا تُحسن الغوص في التاريخ ولا تُتقن التنبّؤ بالمستقبل.

المحاور السياسية المعادية للعرب في المنطقة قد تتبادل الأدوار، فيحل محورٌ مكان محورٍ، ولا تتم الصفقات الكبرى إلا بمثل هذا التبادل للأدوار، ومع توافق دولي بمستوى معين تخرج الصفقة للعلن واقعاً غريباً مستعصياً على التحليل المنطقي والعقلاني والواقعي، ويتم التعامل مع آثار تلك الصفقة دون فهمها.

منذ سقط نظام بشار الأسد عبر اتحاد بعض الفصائل المسلحة ذات الآيديولوجيا المعروفة ظلّت الأسئلة أكثر من الأجوبة، وظل المسؤولون الجدد يحاولون تجنّب الحديث عن مسائل غاية في الحساسية والخطورة مثل «الطائفية»، ومحاولة القول بأنها جزء من طبيعة الشعب السوري هي حكاية للواقع وليست موقفاً سياسياً، ولن تطمئن الطوائف والأقليات إلا عندما يوضح الحكم الجديد في سوريا موقفاً واضحاً عن كيف ستتعامل «الدولة» مع هذه الأقليات؟

يعلمنا التاريخ بأن إهالة التراب على الجمر لا تعني نهايته، والتغافل عن المشكلات المعقّدة لا يعني تلاشيها، والمخاوف التي يغذّيها التاريخ القريب والبعيد لا يمكن أن تختفي بكلام منمّقٍ ووعودٍ جميلة، بل تحتاج إلى صراحة ووضوح تام.

قِيل بعد سقوط نظام الأسد إن سوريا ستقدّم نموذجاً ليس له مثيل في التاريخ، بحيث لا يعقب سقوط النظام أو نجاح الثورة، حسب التعبيرات المُستخدمة، أي مشكلاتٍ أو اضطراباتٍ أو عنفٍ، وجادل كاتب هذه السطور وغيره حينها أن هذا أمرٌ مستحيلٌ، وهو يعاكس منطق التاريخ وطبيعة الدول والشعوب، والتاريخ أقوى من الأماني والعلم أوثق من الآمال.

الأحداث المسلحة على الساحل السوري تُثير قلقاً حقيقياً، لا من حيث فكرة فلول النظام السابق ولا عودته، بل من حيث فكرة الأقليات وطمأنتها، وهذا هو الخطر الحقيقي على واقع سوريا ومستقبلها، فدون إجاباتٍ عميقة ومقنعةٍ ومفصّلة عن موقف الدولة الجديدة من الأقليات، دينياً وطائفياً ومذهبياً وإثنياً، فسيبقى الجمر تحت الرماد.

السياسة السعودية ثابتة في دعمها لاستقرار الدول في المنطقة، وفضلاً عن دعمها التاريخي للشعب السوري وعلاقاتها الوطيدة معه، فإنها وقفت مع سوريا الدولة والشعب منذ سقوط نظام الأسد، وسيكون على النخبة الحاكمة الجديدة في دمشق أن تستفيد من هذا الدعم السياسي الكبير، وأن تتحلّى بالمسؤولية في مواجهات التحديات الداخلية.

أخيراً، فعندما تصبح الدولة دولةً للجميع فإن وجود الميليشيات يفقد معناه، والطائفية فتنةٌ، و«الفتنة نائمةٌ، لعن الله من أيقظها»، كما في الحديث الشريف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا والتحديات الماثلة سوريا والتحديات الماثلة



GMT 16:04 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

من غرينلاند إلى دبي

GMT 16:01 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

هل يمتلك الغَزّيون قرار الاستسلام ؟!

GMT 16:00 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

الشيوخ حائرون... يتساءلون

GMT 15:59 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

سوريا وتحديات نجاح المسار الانتقالي

GMT 15:57 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

محمد حسنين هيكل... نهاية أسطورة

GMT 15:56 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

حضور عادل إمام في أسوان!

GMT 15:55 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

كرة اللهب!

GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,06 أيار / مايو

شبابيك سعادة

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:26 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل ريفي في بريطانيا من وحي تصميمات روبرت ويلش

GMT 11:35 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

زيّن حديقة منزلك مع هذه الفكرة الرائعة بأقل تكلفة

GMT 17:00 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ديوكوفيتش يسعى للفوز بذهبية أولمبياد باريس

GMT 06:20 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

230 ألف شخص يشيعون بيليه إلى مثواه الأخير

GMT 15:10 2022 الأربعاء ,23 آذار/ مارس

شركة "توتال" الفرنسية توقف شراء النفط من روسيا

GMT 20:10 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مشروع قانون لتنظيم أسعار المحروقات في المملكة المغربية

GMT 14:16 2021 السبت ,31 تموز / يوليو

فساتين سواريه للنحيفات المحجبات

GMT 23:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تعرف على قائمة الأسعار الجديدة للسجائر في المغرب

GMT 15:22 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 20:49 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

أسعار مازدا mazda 3 في مصر

GMT 21:11 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شركة أميركية ترصد صورًا لأهم أحداث الكوكب خلال العقد الماضي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib