عندما تطلب طهران المستحيل

عندما تطلب طهران المستحيل

المغرب اليوم -

عندما تطلب طهران المستحيل

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

خلال الأسبوعين الماضيين، انهالت عليّ الأسئلة من زملاء و«خبراء»، من مختلف أنحاء العالم، يتساءلون عن كيفية تقييم الجولة الحالية من المحادثات بين طهران وواشنطن.

والسؤال المعتاد هنا: ما الذي يجري؟

واستناداً إلى التصريحات والتسريبات من وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، ومبعوث ترمب، ستيف ويتكوف، يبدو أنه رغم استمرار وجود بعض المشكلات، فإن الأمور تسير بسلاسة. في الواقع، ترمب نفسه لا يكف عن القول إنه يتوقع الوصول إلى «اتفاق جيد»، من دون أن يوضح ما الذي يعنيه بذلك.

على الجهة المقابلة، يتحدث المحللون في طهران عن تحول تاريخي قد يشهد ضخ واشنطن استثمارات تتجاوز تريليون دولار في إيران، في حين يحصل النظام على الضوء الأخضر للاستمرار في تخصيب اليورانيوم الذي لا يحتاج إليه من الأساس، بل وذهب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى أبعد من ذلك، إذ يتحدث عن «إعادة بناء المنطقة بأسرها، بما يعود بالسلام والازدهار على الجميع».

ومع ذلك، تظل الحقيقة أنه حتى الآن لم يحدث شيء. لم يدفع الجانبان بكامل فرق التفاوض، ويبدوان عاجزين عن وضع جدول أعمال واضح للمحادثات. كما أنهما لم يتفقا بشأن مدة هذه المحادثات. من جهته، قال ترمب إنه «أعطى المرشد علي خامنئي مهلة شهرين لإبرام اتفاق، وإلا...»، وقد تزامنت هذه المهلة مع أول 100 يوم من ولايته، التي انقضت بالفعل.

ورغم شكوكي في معرفته بتفاصيل الأمور، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إن أمام إيران حتى الصيف، لتنفيذ ما هو مطلوب، وإلا فسينهار السقف فوق رؤوسهم، وإن كان لم يذكر ذلك صراحة.

الأشد غرابة أن المعلّقين على الصعيد العالمي يبدون قناعتهم بأن الثنائي عراقجي وويتكوف في طريقه لتحقيق ما فشل فيه أسلافهما، على امتداد ما يقارب نصف قرن من المحادثات بين إيران وأميركا.

للوهلة الأولى، قد يبدو هذا التفاؤل، على الأقل، مقبولاً نوعاً ما، لاعتبارات أبرزها التدخل العلني للمرشد لتأييد المحادثات وإسكات منتقديها، بل إنه أعاد كتابة عصور من التاريخ الديني ليزعم أن إبرام «سلام مؤقت» مع عدو ليس فقط أمر جائز، وإنما مستحب.

ومع ذلك، فإن الكثير من الرسائل الإيجابية الحالية التي تُنقل من طهران وواشنطن، قد تكون نتيجة لما سمَّاه علماء النفس قبل فرويد بـ«طريقة كويه»، في إشارة إلى التخيّل الإيجابي باعتباره وسيلة للعلاج.

ويمكن لأي شخص تابع ملحمة «المحادثات» بين طهران وواشنطن على مدى نحو نصف قرن، أن يدرك بسهولة أننا أمام ما يشبه وضع «ألفونس وغاستون»، بمعنى أن كل طرف يرفض التحرك قبل أن يتحرك الآخر أولاً.

من جهته، يرغب ترمب في أن تفكك إيران برنامجها النووي، وبعدها ترفع الولايات المتحدة العقوبات. و لطالما أكدت طهران، على مدى عقود، أنها لا تخطط لتطوير سلاح نووي، ولا تنوي فعل ذلك مستقبلاً. وقد قبلت الولايات المتحدة بهذا لفترة وجيزة في عهد الرئيس باراك أوباما، الذي بذل قصارى جهده لإخراج إيران من مأزقها. أما الرئيس ترمب، فلم يقتنع بهذا الأمر، وألغى اتفاق أوباما النووي.

وعليه، يتحدث معارضو المحادثات مع الولايات المتحدة، داخل طهران، الآن عن ضرورة وجود «ضمانات» تؤكد أنه إذا وافقت إيران على اتفاق مع أميركا، فعلى واشنطن أن تضمن ألّا تأتي إدارة أميركية جديدة، وتلغي هذا الاتفاق.

من جهته، حاول وزير الخارجية الأميركي الأسبق، جون كيري، الذي كان من أشد المؤيدين لإبرام اتفاق مع طهران، طمأنتهم من خلال اقتراح أن يجري التصديق على الاتفاق المحتمل من قِبل الكونغرس باعتباره معاهدة، أمر لم ينجح فيه هو والرئيس أوباما عندما كانا في موقع المسؤولية. أما وزير الخارجية الفرنسي بارو، فقد ألمح إلى إمكانية تقديم مثل هذا الضمان، من خلال استصدار قرار جديد من مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة.

ومع ذلك، فإن ما يتجاهله كيري وبارو، مبدأ السيادة، الذي ينص على أنه لا يحق لأي إدارة أو برلمان حالي في دولة ديمقراطية أن يُلزم جميع الإدارات والبرلمانات المستقبلية باتفاق معين إلى الأبد.

جدير بالذكر أن العقد أو المعاهدة الدولية ليست مثل العقود الخاصة التي تُبرم تحت سلطة دولة ما، التي يمكن للمحاكم أن تفرض تنفيذها بموجب القانون المحلي.

بمعنى آخر، فإنه حتى لو قدم ترمب الضمانات التي ترغبها طهران، وحتى لو مررها الكونغرس باعتبارها معاهدة، فإن المبدأ المشهور «Rebus sic standbus» (الأشياء القائمة على هذا النحو)، يمكن تطبيقه دائماً، عندما يطرأ تغيير جوهري على الظروف المحيطة، يدفع أحد الأطراف إلى الانسحاب من أو إلغاء معاهدة ما.

ومع ذلك، تبقى هناك وسيلة غير قانونية لضمان التزام الأطراف بالاتفاق: إزالة الأسباب الجذرية للعداء.

على سبيل المثال، يمكن البدء بالإفراج عن الرهائن الأميركيين، والتأكد من الامتناع عن احتجاز رهائن جدد خلال ما تبقّى من فترة حكم ترمب.

وكذلك التوقف عن محاولة إحياء جماعتي «حماس» و«حزب الله»، ونصف دزينة من الجماعات العراقية، من خلال مخططات خفية، أو تهريب أسلحة لما تبقى من الحوثيين.

كذلك يجب التوقف عن حرق الأعلام، والهجمات على السفارات، والدعوات إلى «محو» هذه الدولة أو تلك من على وجه الأرض. وإذا لم تكن هناك نية لمهاجمة أهداف في أوروبا، فلماذا تطوير صواريخ بعيدة المدى؟

بعد ذلك، يجب أن تنضم إيران إلى بقية دول العالم في الالتزام باتفاقيات «مجموعة العمل المالي»، لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

ويذكر أن إيران حالياً جزء من ثلاثي مدرج في القائمة السوداء يضم كوريا الشمالية وميانمار. أما ما يُسمى بـ«قضية تخصيب اليورانيوم»، فهي مجرد تشتيت للانتباه.

وأخيراً، فإنه إذا كانت إيران تتوقع أن تُعامَل بشكل مختلف، فعليها أن تصبح مختلفة. وبعدها، يمكنها إنفاق ما تشاء على تخصيب اليورانيوم الذي لا حاجة لها به.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما تطلب طهران المستحيل عندما تطلب طهران المستحيل



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الفتنة الكبرى!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 01:12 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين
المغرب اليوم - ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib