سوريا أعداء في هيئة أصدقاء

سوريا... أعداء في هيئة أصدقاء

المغرب اليوم -

سوريا أعداء في هيئة أصدقاء

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

خلال الأسبوع الماضي، وبعد أن بقي خامداً على مدى 4 سنوات تقريباً، انفجر الوضع بقوة في سوريا. وفي غضون 4 أيام، غطت حممها الحارقة ثاني أكبر مدينة في البلاد، حلب، قبل أن التحرك نحو مدينتي حماة وحمص المركزيتين في طريقها صوب العاصمة دمشق.

القوة التي نفّذت العملية جاءت تحت مسمى «هيئة تحرير الشام»، لكنها سرعان ما تم التعرف عليها بأنها تجسيد جديد لـ«جبهة النصرة» التي كانت الفرع السوري لـ«تنظيم القاعدة».

وأياً كان من أعاد تصميم هذه القوة، باعتبارها «منتجاً جديداً ومحسناً»، فإنه كان راغباً في تحقيق 3 أهداف...

الأول هو تحويلها إلى ما يشبه الجيش النظامي مع الزي العسكري والأسلحة والعتاد العالي والخطط لإنشاء إدارة في المناطق المحتلة.

أما الهدف الثاني فكان إبعادها عن النزعة الجهادية من خلال الزعم أنها ستحمي الأقليات الدينية، وتتجنب الخطاب الجهادي المعتاد الذي يروع الأفئدة. وثالثاً، تسويقها على أنها جيش تحرير هدفه الأساسي هو طرد «المحتلين الأجانب» غير المحددين.

مع ذلك، فإن استخدام تسمية «بلاد الشام» (شام) يضع علامة استفهام أمام «القوة المحررة». وباستخدام هذا المصطلح الذي يعود إلى القرون الوسطى، بدلاً من كلمة «سوريا»، التي لطالما اعتبرها الجهاديون غريبة، لأنها كانت تستخدم تحت الانتداب الفرنسي، ينكر التنظيم ومؤيدوه ضمناً وجود دولة قومية سورية.

وبدلاً من ذلك، يرون أرضاً شاسعة غير محكومة يمكن إعادة تشكيلها بطرق متنوعة، بما في ذلك إنشاء عدة دويلات صغيرة تعكس الواقع الحالي على الأرض.

قُسمت سوريا، خلال العقد الماضي، إلى عدة إقطاعيات، حيث سيطرت روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة وبقايا تنظيم «داعش» وسلطات دمشق على أجزاء من الأراضي من خلال عناصر محلية أو مرتزقة مستوردين.

تنعكس فكرة تقسيم سوريا إلى دويلات بصورة أكبر في وسائل الإعلام التركية، ولكن يتردد صداها أيضاً في أماكن أخرى.

على مدى العامين الماضيين، اتخذت تركيا عدة خطوات في هذا الاتجاه من خلال تشكيل إدارة في المناطق الخاضعة لسيطرة حلفائها في إدلب وفرض الليرة التركية كعملة محلية.

كما بدأت «بتشجيع» بعض اللاجئين السوريين في تركيا على العودة إلى ديارهم كموظفين في الشركات التركية، في كثير من الأحيان.

ومن شأن الاستيلاء على حلب من قبل القوة «الشامية» أن يُمكّن أنقرة من إحياء الوجود الاقتصادي التركي في القلب الصناعي لسوريا.

قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، كان هناك أكثر من 400 شركة تركية تعمل في حلب، بما في ذلك كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، تمثل أكثر من 50 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة، وهي ثاني أكبر مشروع في البلاد بعد المشروع الذي نُفذ في ليبيا.

قد يكون للرئيس التركي رجب طيب إردوغان مصلحة أخرى في إعادة تصميم سوريا كمجرة من الدويلات الصغيرة، وهي القضاء على التهديد الكردي الذي تدعمه الدولة السورية في عهد أسرة الأسد منذ سبعينات القرن الماضي.

يعدّ البعض في الدوائر السياسية التركية إنشاء «دول مصطنعة» بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية عملاً انتقامياً من قبل القوى الغربية ضد الخلافة التركية التي مثّلت لقرون التحدي الإسلامي لهدف العالم المسيحي في حكم العالم.

كان إردوغان ينظر دوماً إلى المعاهدات المفروضة على الجمهورية التركية، وخاصة معاهدة لوزان، باعتبارها إهانة. ويُصادف العام المقبل الذكرى المئوية لهذه المعاهدة وانتهاء صلاحيتها القانونية، وهو الأمر الذي لمح إليه إردوغان بأنه الفرصة المتاحة «لتصحيح المظالم التي ارتُكبت في حق تركيا».

وفي رأي إردوغان، أن ذلك يمكن أن يعيد فتح المطالبات التركية - إن لم تكن السيادة على الأقل - باعتبارها تتمتع «بحقوق خاصة»، في أجزاء من العراق وسوريا.

أدّت أحداث الأسبوع الماضي، من خلال تحطيم وهم إعادة استقرار سوريا، إلى تشجيع أولئك الذين يعتبرون سوريا دولة مصطنعة. بيد أن الأوساط السياسية التركية المؤيدة لإردوغان تنسى أن كل الدول القومية مصطنعة، لأنه لا شيء منها سقط من السماء بشكل كامل. يُذكر أن الجمهورية التركية التي تأسست عام 1924 أكبر عمراً بـ22 عاماً فقط من الجمهورية السورية التي ولدت عام 1946 مع ختام الانتداب الفرنسي. وولد العراق المستقل بعد 8 سنوات فقط من قيام الجمهورية التركية.

والحجة القائلة بأن تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة من شأنه أن يُقلل من خطر الحرب حجة غير مستدامة أيضاً. ومن الأمثلة على ذلك غزة، التي لا تُعدّ دولة.

إن إنكار وجود دولة سورية تتمتع بالحق الكامل في إقامة الدولة والسلامة الإقليمية لأراضيها يُشكل خطراً على أمن واستقرار المنطقة بأسرها.

وكل من يعرف الحقائق على الأرض يدرك أنَّه في حين أن مصطلح «بلاد الشام» (شام) هو خَصِيصة كلامية مُبْهَمة، فإن كلمة سوريا تشير إلى هوية وطنية عصية على الإنكار.

بدأ هذا الشعور «بالسورية» يتشكل بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية بفترة وجيزة.

في سلسلة من التقارير عن سوريا تحت الانتداب الفرنسي لاحظ الكاتب جوزيف كيسيل ظهور «الهوية السورية» في مراحلها الأولى.

وبنبرة مختلفة، تنعكس نفس الحقيقة في فيلم هوليوود «سيروكو» (Sirocco) لعام 1951، الذي يصور النضال الوطني السوري للتحرير ضد الفرنسيين.

لاحظت الروائية الإنجليزية أغاثا كريستي نفس الواقع في ثلاثينات القرن الماضي عندما أمضت عامين في «الرقة» مع زوجها عالم الآثار السير ماكس مالوان، حيث وصلا إلى الرقة معتقدين أن سوريا صحراء تسكنها قبائل بدوية في صراع دائم، وليس لديهم أي شعور بالانتماء إلى مفهوم أوسع يسمى سوريا. ووجدت أنهما كانا على خطأ. وكانت النتيجة: «تعالوا، أخبرونا من أنتم»، وهو تقرير رائع عن تحول سوريا - التي كانت تعد جزءاً من إمبراطوريات قديمة - إلى أمة.

أولئك الذين ينكرون وجود الأمة السورية لا يمكنهم التظاهر بأنهم أصدقاء لسوريا أو دعاة للاستقرار في الشرق الأوسط.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا أعداء في هيئة أصدقاء سوريا أعداء في هيئة أصدقاء



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الفتنة الكبرى!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib