الانتخابات الفرنسية السيئ والأقل سوءاً

الانتخابات الفرنسية: السيئ والأقل سوءاً

المغرب اليوم -

الانتخابات الفرنسية السيئ والأقل سوءاً

أمير طاهري
بقلم : أمير طاهري

علّق أحد الناخبين من سارسيل على الانتخابات الرئاسية الفرنسية بقوله: «الأمر يشبه إعادة صنع فيلم رديء».
وتعد سارسيل واحدة من الضواحي «المحرومة» التي شكّلت ما أُطلق عليه «الحزام الأحمر» للعاصمة الفرنسية على مدار عقود، واليوم تحوّلت إلى الشعبوية اليمينية المتطرفة.
جدير بالذكر هنا أن فرنسا شهدت عقد الجولة الثانية والأخيرة من الانتخابات الرئاسية، الأحد. وبالفعل، جاءت الجولة بمثابة نسخة جديدة من الانتخابات التي جرت منذ خمس سنوات وانتهت بفوز إيمانويل ماكرون، الذي كان حينها غير معروف لدى الغالبية، وهزيمة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن في محاولتها الثانية للوصول إلى الرئاسة. أما مسألة ما إذا كانت الانتخابات الأخيرة إعادة رديئة، فلم تتضح بعد.
يذكر أنه في إطار نظام الانتخابات المؤلف من جولتين، الذي أقره الجنرال شارل ديغول في ستينات القرن الماضي، بإمكانك التصويت لصالح المرشح المفضل لديك في الجولة الأولى، في الوقت الذي عادة ما تصوت ضد المرشح الذي لا تطيقه في الجولة الثانية.
إلا أنه قبل خمس سنوات، لم يكن الأمر بهذا الوضوح.
خلال جولتي الانتخابات السابقة، صوّت الكثيرون لصالح ماكرون لأنهم رأوا فيه نسمة من الهواء النقي. في المقابل، نجد أنه هذه المرة صوّت أكثر من 70 في المائة من الفرنسيين ضده خلال الجولة الأولى، في الوقت الذي نجحت فيه لوبن في تعزيز نصيبها من الأصوات على نحو هائل خلال كلتا الجولتين.
اللافت أنه هيمن على الحملة الانتخابية بأكملها خطاب معادٍ لماكرون اتسم بنبرات كراهية نادراً ما سمعها المرء على الصعيد السياسي الفرنسي من قبل. وأقامت لوبن وكذلك زعيم اليسار المتطرف جان لوك ميلونشون، الذي جاء في المرتبة الثالثة خلال الجولة الانتخابية الأولى، الحملة الانتخابية على جهود متضافرة لتشويه سمعة ماكرون، بدلاً من تقديم بديل جدير بالثقة.
أما في الجولة الثانية والأخيرة من الانتخابات، قرر ماكرون، أو هكذا أقنعه مستشاروه، أن يضرب تحت الحزام هو الآخر من خلال تصوير منافسيه على أنهم مخربون للديمقراطية. وفي حالة لوبن، يدين ماكرون بالفضل لفلاديمير بوتين.
ونظراً لارتفاع معدلات الامتناع عن التصويت إلى مستويات قياسية تاريخياً، وبسبب الأصوات الفاسدة، بجانب حقيقة أن الحملة لم تسمح بإجراء نقاش جاد ورصين حول القضايا الرئيسية للسياسة، مثل عيوب العولمة، واتساع الفجوة بين التوقعات والإنجازات على الأرض، والحاجة إلى إصلاح البيروقراطية الاستبدادية داخل الاتحاد الأوروبي والشعور السائد داخل فرنسا بأن النخبة الحاكمة من التكنوقراط لم تعد قادرة حتى على سماع المواطن «العادي»، ربما يبدو وصف «إعادة رديئة» مناسباً.
من ناحية أخرى، يمكن للمرء أن يجادل بأن «النسخة الجديدة» من الانتخابات لم تكن كلها رديئة.
ربما تكون الانتخابات الأخيرة قد كتبت سطر النهاية لملحمة آل لوبن التي تتألف من ثماني هزائم انتخابية منذ أن دخل جان ماري، والد مارين، الحلبة الانتخابية منافساً جاداً قبل ثلاثة عقود، وجرى بناء هذه الملحمة حول مجموعات صغيرة ممن يحملون بداخلهم الحنين تجاه فترة ارتباط الجزائر وفرنسا، والمعجبين بنظام فيشي، والكاثوليك الأصوليين، والمجموعات المعادية للإسلام واليهود، بالإضافة إلى الداعمين لأسلوب الحكم البونابرتي القائم على فكرة وجود «رجل قوي».
وكشفت الانتخابات الأخيرة أنه رغم نأي مارين لوبن بنفسها وحزبها عن معظم هذه المواقف، على الأقل نظرياً، فإنها لم تستطع إقناع عدد كافٍ من الناخبين بتأييد حتى النسخة «المخففة» من مواقفها. وذهب العديد من ناخبي لوبن، بمَن فيهم بعض المسلمين الفرنسيين من سكان الضواحي «المحرومة» و«الأقليات العرقية» في كورسيكا والأقاليم الأخرى في الخارج، إليها كوسيلة للتعبير عن الاحتجاج من دون اعتناق معتقداتها الأساسية.
علاوة على ذلك، هناك حقيقة أن فرنسا تعد الآن واحدة من دولتين فقط عضوين في الاتحاد الأوروبي، الأخرى المجر، تحظى بقائد مدعوم من قبل أكثر من نصف الناخبين، وبالتالي فهي قادرة على تجنب الائتلافات المشبوهة التي تضخم قوة الأقليات الصغيرة.
في الوقت ذاته، فإنه ربما لا ينجح في ترجمة حصة ماكرون البالغة 58.5 في المائة من الأصوات إلى مستوى مماثل من الأصوات في الانتخابات البرلمانية المقبلة، الأمر الذي يثير شبح «التعايش». إلا أنه حتى في ذلك الوقت، فإنه تبعاً لما كشفه استطلاعان للرأي أجريا الأسبوع الماضي، أحب غالبية الفرنسيين تجارب التعايش السابقة.
ولا شك في أن المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي لعبت هي الأخرى دوراً في النتائج المرتفعة التي أحرزها كل من لوبن وميلونشون.
ومع ذلك، فإنه فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، يجب وضع إعادة انتخاب ماكرون في خانة «الأقل سوءاً». وقد اعتبر ماكرون الانتخابات بمثابة استفتاء على أوروبا، في الوقت الذي اتخذ خصومه موقفاً مناهضاً للاتحاد الأوروبي. بالتأكيد، آخر شيء كانت تحتاج إليه أوروبا في هذا الوقت من الحرب والأزمة الاقتصادية كان تحدي خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي.
أيضاً، في خانة «الأقل سوءاً» نجد حقيقة أن الكثير من المعلقين الفرنسيين وصناع الرأي وعدداً متنامياً من الناخبين بدأوا ينتبهون إلى الحاجة إلى استعادة الانضباط إلى القواعد الحاكمة للحياة السياسية.
على الجانب المقابل، أطلق معسكر ماكرون على لوبن تسميات من عينة «يمين متطرف» أو حتى «فاشية»، الأمر الذي ربما لا يليق إلا بسياسات الطلاب الأحداث، وليس البالغين.
واتضح أن العديد ممن تحدثنا إليهم كانوا مواطنين يشعرون بالمسؤولية وتخالجهم حالة مزاجية غاضبة، مبررة أو غير مبررة، لأسباب مختلفة. وبدلاً من نبذهم بتسميات مختلفة، يتعين على ماكرون والنخبة الحاكمة تحديد مصادر هذا الغضب ومحاولة معالجتها.
كما أن وصف ميلونشون بأنه ستاليني مشفر ومعجب سري ببوتين كان أمراً مبالغاً فيه، وذكّر البعض منا بالأيام التي كان فيها كل ناقد للوضع الراهن يوصف بأنه مجرم محتمل يستحق جرعة قوية من المكارثية.
وينتقد كل من لوبن وميلونشون، ناهيك عن الراغبين في مناهضة الديمقراطية بشكل علني مثل إريك زيمور وناتالي أرثود، ما يسمونه «الديمقراطية الليبرالية»، ويميلون إلى الدعوة إلى شكل من أشكال الشعبوية يُعرف باسم الديمقراطية «الاستبدادية»، تحت مسميات مجردة مثل «الأمة» أو «الطبقة العاملة». ومع ذلك، طالما أنهم لا ينتهكون القواعد الأساسية للعبة، يجب احترامهم كمنافسين ومتنافسين على السلطة، والانخراط في مناظرات حقيقية أمامهم وهزيمتهم.
الحقيقة أن الديمقراطية تشكّل بديلاً للحرب الأهلية. وفي هذا الإطار، تحل بطاقات الاقتراع محل الرصاص، لكن يجب كذلك أن تحل محل الكلمات الجارحة والإيماءات المتغطرسة.
وتكشف الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة إجمالاً أنه رغم مواجهتها تحديات خطيرة، لا تزال الديمقراطية الفرنسية بصحة قوية وقادرة على التغلب على المنعطفات الخطيرة في المستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات الفرنسية السيئ والأقل سوءاً الانتخابات الفرنسية السيئ والأقل سوءاً



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

الأناقة الكلاسيكية تجمع الملكة رانيا وميلانيا ترامب في لقاء يعكس ذوقًا راقيًا وأسلوبًا مميزًا

نيويورك - المغرب اليوم

GMT 02:24 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

عطيات تبين وجود حل لاكتساب الطفل للألفاظ البذيئة

GMT 14:17 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

أفكار مميزة لتزيين مدخل منزلك ومنحه "الحياة"

GMT 18:46 2018 الثلاثاء ,20 آذار/ مارس

اعتقال نشطاء يؤجج الاحتجاجات في مدينة جرادة

GMT 06:33 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

عبد الرزاق رزق الله "ماندوزا" يرجع إلى تدريب الراسينغ

GMT 11:26 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

سعر الريال القطري مقابل درهم إماراتي الأحد

GMT 00:20 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

والدة هشام مشتري تشن هجومًا على محامية حمزة

GMT 00:18 2016 الأحد ,04 كانون الأول / ديسمبر

أسامة السعيدي يقترب من العودة إلى الدوري الهولندي

GMT 14:40 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

نقل قرعة كأس العالم على قناة "بين سبورت" الجمعة

GMT 22:32 2016 الثلاثاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

نادي الرجاء البيضاوي يختبر اللاعب الموريتاني عيسى باباه

GMT 14:23 2012 الإثنين ,10 أيلول / سبتمبر

كيرا نايتلي جميلة الجميلات بثوب لإيلي صعب

GMT 15:13 2017 الإثنين ,17 تموز / يوليو

فوتشيك تشيزني حارس مرمى ينتقل الى يوفنتوس

GMT 04:22 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

غرفة الجنايات" في الدار البيضاء ترجئ النظر في قضية قتلة مرداس"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib