دولة الرفاه ودور القطاع الخاص سُلَّم مازلو

دولة الرفاه ودور القطاع الخاص... سُلَّم مازلو

المغرب اليوم -

دولة الرفاه ودور القطاع الخاص سُلَّم مازلو

لحسن حداد
بقلم - لحسن حداد

السؤال الذي يؤرق الكثير من الفاعلين السياسيين في العديد من دول الجنوب هو طبيعة العلاقة بين الطموحات المُعبَّر عنها من طرف مختلف فئات الشعب من جهة، وقدرة المؤسسات الدستورية والسياسية الحالية على التفاعل مع هذه الآمال من جهة أخرى. هناك فجوة ملحوظة بين حجم التطلعات ومحدودية السياسات العمومية، وهي فجوة ما فتئت تتسع رغم الجهود التي تبذلها الحكومات على المستوى الاجتماعي.

المفارقة تكمن في أنه كلما اتسعت رقعة الطبقة المتوسطة وارتفع الدخل واتسع هامش الحريات ازدادت التطلعات. يوضح هرم ماسلو لنا أن إرضاء جزء من التطلعات يولد تطلعات أكبر وأعقد. على سبيل المثال، استطاع المغرب خلال عقدين من الزمن مضاعفة ناتجه الداخلي الخام، حيث ارتفع الدخل الفردي وخرج العديد من عتبة الفقر وانضموا إلى ما يُسمى الطبقة المتوسطة. ازدادت تطلعات هؤلاء لأنهم لم يعودوا يهتمون فقط بلقمة العيش كما كان في السابق، بل بالأمور المتعلقة بالترفيه والولوج إلى الخدمات والسفر، والجامعة والنقل وغيرها.

وهذا يعني أن الانضمام إلى الطبقة الوسطى، خصوصاً في شرائحها الدنيا التي تتميز بالهشاشة، يُولِّد تطلعات غالباً ما تكون مصحوبة بخيبة أمل كبيرة. لهذا، نجد أنه كلما زاد الإنفاق على القضايا الاجتماعية، زاد الاحتقان على المستوى الشعبي، لأن كل صعود في سُلّم مازلو يُولِّد طموحات أكبر. هذا لا يعني أنه لا يجب الاستمرار في الدعم الاجتماعي، ولكن يجب إعطاء دفعة قوية للاقتصاد لتنويع الفرص المتاحة للأسر لتوسيع مصادر دخلها. لا تستقيم الدولة الاجتماعية دون اقتصاد حر وقوي، قادر على خلق الثروة وفرص العمل. على عكس ما يدّعيه منظرو التدخل القوي للدولة، تتمثل الدولة الاجتماعية الحقيقية في التوازن بين الاستثمار العمومي في القدرات الاجتماعية واقتصاد حر ودينامي يخلق فرصاً مكملة للحماية الاجتماعية.

لهذا، على الحكومة والبرلمان والدولة بشكل عام (في دولة مبتكِرة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي مثل المغرب) أن تجد توازناً من خلال قانون المالية بين ضرورة تعبئة الموارد الجبائية من جهة، وإعطاء الفرصة للمبادرة الخاصة لخلق الثروة وفرص العمل من جهة أخرى. تتمثَّل المقاربة الحالية في تقليص الضغط الجبائي على المقاولات المتوسطة والصغيرة، وتضريب الكبار، واستعمال الموارد المعبأة للاستثمار في المجالات الاجتماعية. ولكن محدودية هذه المقاربة تكمن في استدامة موارد الإنفاق المتعلق بالحماية الاجتماعية، ومدى القدرة على تعبئة موارد جبائية منتظمة وليس فقط هوامش محدودة في الزمن.

ستستمر التطلعات في التفاقم طالما لم نجد توازناً حقيقياً بين تدخل الدولة ومساهمة القطاع الخاص، لأن هذه المعادلة هي الوسيلة المثلى لخلق أكبر عدد ممكن من الفرص وإيجاد تكامل بين الدولة والمبادرة الخاصة.

ولهذا، يجب تطوير الأدوات المتاحة للحكومة والقطاع الخاص لمواجهة ضغط التطلعات. في المغرب، كما في دول أخرى، نجد آليات مثل قانون الموازنة، وتدخل البنك المركزي في ضبط معدلات الفائدة وتدبير السيولة، وإلى حد ما الرأسمال الثابت غير العمومي. ولكن هذه الآليات ليست كافية لإعطاء دفعة قوية للمبادرة الخاصة. يجب تطوير سوق الرساميل لكي تساهم في تمويل الاقتصاد بشكل قوي ومتنوع وتستجيب لحاجيات جميع الشرائح والقطاعات. ويجب تطوير المنتجات المالية لكي تصل إلى مستويات الدول الأخرى من حيث المرونة، والفعالية، والسرعة. ناهيك عن تسهيل العملية الاستثمارية من خلال توفير العقار، وتيسير التمويل البنكي، وتذليل العقبات البيروقراطية.

إن فتح سوق العمل، والاستثمار في الرأسمال المؤسسي، ودعم تعبئة الاستثمار الخاص، وتطوير الجهات كأقطاب للتنمية، بالإضافة إلى اندماج المغرب في المحيط الاقتصادي العربي، الأفريقي، والأوروبي، من شأنه أن يحقق نقاطاً إضافيةً على مستوى النمو، مما سيكون له أثر إيجابي على التشغيل والثروة، ويساهم أيضاً في إعطاء دينامية أكبر للاقتصاد، والتجاوب مع جزء كبير من هذه التطلعات.

أثبتت التجارب الدولية أن دولة الرفاه لا يمكنها النجاح دون مساهمة من قطاع خاص يتميز بالقوة، والفاعلية، والقدرة على إيجاد الحلول. القطاع الخاص في المغرب، على سبيل المثال، لا يزال يعتمد في جزء منه على الدولة، فما بالك أن يكون فاعلاً أساسياً في التجاوب مع تطلعات المواطنين. نرى كيف أن هذا أدى إلى تنامي دور الاستثمار العمومي، حيث بلغ في عهد الحكومة الحالية 34 مليار دولار، بينما تظل مساهمة الاستثمار الخاص محدودة. نعم، هناك عراقيل وعقبات يجب تذليلها لتشجيع مساهمة القطاع الخاص؛ ومن شأن إنشاء آلية مثل «صندوق محمد السادس للاستثمار» أن تساعد في تعبئة الرأسمال الخاص للمساهمة في عملية التنمية وخلق الثروة وفرص العمل.

ما هو أساسي هو أن الدولة الاجتماعية الحقيقية لا تكتمل دون اقتصاد حر قوي ودينامي يكمّل دور الدولة في تلبية تطلعات المواطنين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دولة الرفاه ودور القطاع الخاص سُلَّم مازلو دولة الرفاه ودور القطاع الخاص سُلَّم مازلو



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib