إعاقات حقيقية

إعاقات حقيقية

المغرب اليوم -

إعاقات حقيقية

المختار الغزيوي

نتذكرهم كل ثالث دجنبر، ثم ننساهم، وتتذكرهم عائلاتهم العمر كله.
تكابد معهم ماتكابده، وتحاول إقناع نفسها دوما وباستمرار أن هذا هو القضاء والقدر، وأنه من الضروري التعايش معه، وأنه لا حل في الختام وكفى . لذلك لابأس من مشاطرتهم هاته المعاناة وإن ببضعة أسطر لا تسمن ولا تغني من تعب حياة لايمكن وصفه على الإطلاق
ليس الكفيف هو المعاق. الإعاقة الحقيقية هي أن تكون ببصر سليم، ولاتستطيع أن ترى دواخل الناس. لاتنفذ لعمق الأشياء، ولا تصلك الرسالة بسهولة وإن كانت مجردة أمامك شاخصة تنظر إليك عوض أن تنظر إليها
ليس الأصم هو المعاق، الإعاقة الحقيقية هي أن يصرخ فيك الواقع يوميا بعديد الكلام وأن لاتسمعه. أن تمثل دور من لم تصله ذبذبات وأن تعتقد أنك بمجرد إغلاق أئنيك استطعت أن تحل الإشكال رغم أنه سيظل معك يتبعك إلى آخر الأيام
ليس الأبكم هو المعاق. الإعاقة الحقيقية أن لاتستطيع الكلام حين الكلام. أن تكون الجملة مكتملة الأركان في فمك وعقلك، وألا تستطيع التفوه بها، خوفا أو طمعا أو افتراءا أو كذبا أو تزلفا أو نفاقا أو جبنا أو مراعاة لمجتمع لم يراعك في يوم من الأيام
ليس الأعرج هو المعاق. الإعاقة الحقيقية ألا تستطيع السير إلى حيث تشاء. ألا تدرك هدفك وأن تضيع اليوم بطوله غير قادر على تحديد بوصلة لكل تيهك، وأن تعتقد أن المزيد من التجول في الفراغ سيوصلك يوما إلى حيث النهاية: المزيد من الفراغ
ليس المتأخر ذهنيا هو المعاق. الإعاقة الحقيقية أن يكون ذهنك مكتملا وسويا وأن لا تستطيع التفكير. أن تحرم نفسك من نعمة تتوفر لك أنت وحدك المنتمي لجنس الإنسان. أن تعطلها لفائدة يقينيات زائفة لا تمتلك عليها أي دليل سوى كسلك وعجزك عن التفكير، وقرارك إعطاء ذهنك وعقلك ومادتك الرمادية وكل حواس التأمل فيك إجازة طويلة الأمد غير مدفوعة الأجر، بل مكلفة لك أكثر مما تتصور أي العمر كله
ليس طفل القمر هو المعاق. الإعاقة الحقيقية هي أن تكون قادرا على الخروج إلى الشمس لكنك تخافها. تنزوي في ظلال وحدتك، تعاقر ما شئت من أدوات الهروب من الواقع المر الذي لاتستطيع مواجهته، وتتمنى أن يتواصل الليل بعد الليل، وأن لا يأتي عليك أبدا النهار الذي ستكون ملزما فيه بالاستيقاظ والخروج إلى الناس والالتقاء بهم، والحديث معهم وإيجاد مكان لك تحت الشمس..
ليس المتوحد هو المعاق. الإعاقة الحقيقية هي أن يكون الناس قربك، فتهرب منهم إلى أبراجك العاجية، تعجز عن التواصل معهم، وتقرر أن تسبهم جميعا وأن تعتقد أنك الأفضل وأن الآخرين كل الآخرين أقل منك شأنا فقط لأنك عاجز عن الوصول إلى دواخلهم، وغير قادر على أن تمتد إليهم بجسر المحبة، وأن تمد إليهم يد السلام والكلام، وأن تعثر في نظرات أعينهم، هناك في تلافيف البؤبؤ الداخلي على النظرة الصادقة التي تؤكد وصول الكلام إلى عمق العمق وليس فقط إلى سطح كل الالتقاءات
ليس المعاق من حكمت عليه الدنيا في بدئها أو منتصفها أو في الختام بأن يكون فاقدا لحاسة من حواس توفرت للآخرين
الإعاقة الحقيقية هي أن تعجز عن الإنسانية، ألاتحس بالمحيط حولك، أن تعتبر أنك تستطيع العيش لوحدك ودونما حاجة للآخرين
هاته الإعاقة لاحل لها. بقية الأمراض الأخرى والابتلاءات كلها سيجد لها العلم والطب وتطور الأيام حلا في لحظة من اللحظات
وحدها الإعاقات الحقيقية ستبقى عضالا حتى النهاية
الإعاقة الحقيقية الوحيدة التي لا علاج لها هي أن تعجز عن أن تكون إنسانا…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعاقات حقيقية إعاقات حقيقية



GMT 19:25 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

السلاح الذي دمّر غزّة… ويهدد لبنان!

GMT 19:24 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

شاهد عيان على الاستطلاع

GMT 19:23 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

يوم الفرار الرهيب

GMT 19:21 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

الفرق بين ترمب ونتنياهو

GMT 19:20 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

اعتدال «طالبان» ولمْع السراب

GMT 19:19 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

هل السلام مستحيل حقّاً؟

GMT 19:18 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

الأخطر من تسجيل عبد الناصر

GMT 19:17 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

«الكونكلاف» والبابوية... نظرة تاريخية

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib