الــزلــزال
روبيو السلام في أوكرانيا يتطلب "التضحية" من الجانبين عشرات المفقودين إثر غرق قارب في أحد أنهار نيجيريا غوغل تكشف عن خطوة تاريخية تجاه سوريا لأول مرة منذ 2004 فيضان مفاجئ إجتاح موقعًا للتخييم في شمال الصين ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وفقدان أربعة آخرين إسبانيا تنشر 500 جندي إضافي للمساعدة في مكافحة حرائق الغابات خلال موجة حرّ شديدة استمرت لثلاث ساعات زلزال بقوة 5.3 درجة على مقياس ريختر يضرب قبالة سواحل كامتشاتكا بالشرق الأقصى الروسي نواب بريطانيون يطالبون كير ستارمر بإجلاء عاجل لأطفال قطاع غزة المرضى والجرحى إلى المملكة المتحدة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي يعلن احباط هجوم ارهابي استهدف محطة سمولينسك للطاقة النووية تصاعد الغضب في إسرائيل مع احتجاجات وإضرابات تقودها عائلات القتلى والمحتجزين للمطالبة بوقف الحرب وصفقة لإعادة الأسرى رئيس الأركان الجيش الإسرائيلي أيال زمير يصادق على خطط إحتلال قطاع غزة ومدة العملية 4 أشهر
أخر الأخبار

الــزلــزال

المغرب اليوم -

الــزلــزال

عبد الله الدامون

يوم الأحد الماضي مات في الحسيمة طفل لم يتحمل قلبه الصغير رهبة الزلزال. عندما سمعت خبر موته تخيلت أني رأيته قبل اثني عشر عاما في نفس المكان، وسط الحسيمة! لم أر الطفل في زلزال الأحد الماضي، لكني رأيت نفس خوف الطفولة في زلزال 2004. فقبل 12 سنة، عندما كنت في الحسيمة، التي كانت تهتز يوميا عشرات المرات بالزلازل الارتدادية، رأيت صورة طفل لم تنمح من ذاكرتي أبدا، ويبدو أنها لن تنمحي فيما تبقى من أيام الله. وقتها، في سنة 2004، كانت الحسيمة مثل مرجل يغلي بهزات ارتدادية بعد الهزة الكبرى التي حصدت مئات الضحايا، وكانت تغلي أيضا بعشرات المسؤولين والصحافيين والأجانب وممثلي المنظمات الإنسانية وغيرهم، وكل هؤلاء جاؤوا كي يرحلوا سريعا، فقط سيبقى سكان خائفون يؤوون كل ليلة إلى مخادعهم دون أن يدروا إن كانوا سيصبحون أم لا، وكثيرون منهم كانوا يغادرون منازلهم المتشققة إلى الفضاءات الرحبة صباحا ولا يعودون إليها إلا بعد أن يرخي الليل سدوله وهم يثّاقلون الخطى ويرددون ألا ليت هذا الليل لم يأت أبدا!
أتذكر ذات مساء أني وقفت على رصيف شارع يقود نحو أحياء وسط المدينة، وهي أحياء كانت نصف منازلها متشققة والنصف الآخر عليها لافتات «للبيع»، لكن من يشتري الموت! في ذلك المساء استرعى انتباهي مشهد أم شاحبة أعيتها الحيلة وهي تمسك بيد طفل عنيد قد لا يتجاوز السادسة من العمر. كان الطفل يتمنع في المشي مثل حمل صغير يعرف أنه يساق نحو النحر، وكانت أمه تكابد كي تقنعه بالمشي. لسبب ما التقت عيناي بعيني الطفل، الذي ربما أحس ببعض الخجل من عناده، فطاوع أمه قليلا إرضاء لفضولي، لكنه كان يلتفت باستمرار ويقف وينظر إلي، وكأنه يترجاني أن أجد حلا غير الذي يراد له، أي ألا يعود إلى منزله كل مساء كي يعيش رعب الزلزال ساعات الليل الطويلة. فهمت نظرات الطفل وكأننا كائنان فضائيان يتحاوران بغير لغة الكلام. رسمت ابتسامة خفيفة وكأنني أقول له إن القدر هو القدر، وأن الله لن يأخذ روح طفل لطيف وخائف مثله. لا أعرف جدوى ابتسامتي ورسالتي «الفضائية» للطفل الخائف العنيد، لكن أمه ارتاحت قليلا بعد أن طاوعها أكثر، وسعدتُ بعدها حين لم يمت أحد في الزلزال بعد تلك الأيام، وأدركت أن الطفل عاش ولم يعد خائفا.
تذكرت هذه الواقعة حينما سمعت بطفل الحسيمة الذي مات قبل أيام بعدما لم يستطع قلبه الصغير تحمل ما لا يستطيع الكبار تحمله، وكأن كل تلك الأيام ما بين زلزال 2004 وزلزال 2016 ليست إلا حلما.. أو خلسة المختلس.
الزلزال ينبغي أن تعيشه كي تحس به لأننا نعتقد أنه لا يقع للآخرين فقط، تماما مثل حوادث السير القاتلة والأمراض المستعصية. أتذكر يومها، في زلزال 2004، أني نزلت في فندق بوسط المدينة لم أجد به سوى غرفة في الطابق الأخير، لأن الجميع يفضلون أقرب باب إلى الشارع حتى يكون الهروب أسهل حين تبدأ المدينة بالاهتزاز. في غرفة الفندق مصباح فوق الوسادة كان يرتعد بين الفينة والأخرى فأدركت أنه لا يفعل ذلك بلا سبب، فأسميته «مصباح ريشتر» لأنه يرتعد كلما بدأت الأرض بالاهتزاز. كان يشعرني بالخطر فأغادر الغرفة مسرعا نحو الشارع، لكن بعدها عاتبت نفسي على كل هذا الخوف من الموت، فكان «مصباح ريشتر» يظل يرتعش طويلا ولا آبه، بل إن النافذة الزجاجية كانت تصطك بقوة وتكاد تنفجر فأعيد على نفسي قول المتنبي: «إذا لم يكن من الموت بد/ فمن العار أن تموت جبانا».
قرب غرفتي يوجد إسبان تجاهلوا بدورهم الخطر وكانوا يتضاحكون باستفزاز كلما ارتعشت الأرض، فأقول لنفسي كيف أخاف الموت أنا الذي سأذهب إلى الجنة، ربما، بينما هؤلاء الكفار لا يأبهون بذهابهم الوشيك إلى جهنم! الزلزال لا يهز الأرض فقط، بل يهز كل شيء، يهز النفوس والمشاعر والمصالح والماضي والحاضر والمستقبل. وقتها كنت أترك الأنشطة الرسمية وبهرجة السياسيين وأدلف بعيدا في ضواحي المدينة المنكوبة فأجد أن الستمائة ضحية للزلزال تركت رسالة واضحة لمئات الآلاف من الأحياء الباقين. كثيرون لم يكونوا يفكرون سوى في الرحيل، وفي داخل المدينة أراد الناس بيع منازلهم بثمن التراب، وكثيرون هاجروا نحو مدن أخرى بصفة نهائية. حتى المصالح تهتز أكثر مما تهتز الأرض، فيظهر ناهبو المساعدات وأغنياء الزلازل وتجار الخوف ومشعوذو الإيمان وسماسرة الموت.  «سلم ريشتر» لا يقيس فقط درجة اهتزاز الأرض، بل يقيس أيضا درجة اهتزاز النفس البشرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الــزلــزال الــزلــزال



GMT 16:36 2023 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال المغرب... وتدبير مشاركة السكان في إعادة الإعمار

GMT 00:35 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

صهيوني يُغرّد وأردنيون يروجونها!!

GMT 06:11 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الملك والعثماني يعزفان لحنين مختلفين

سيرين عبد النور تتألق بمجوهرات فاخرة وأزياء أنيقة في مختلف المناسبات

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 07:17 2015 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

البرغل بديلا عن حمض الفوليك

GMT 11:35 2016 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولون في إقليم الدريوش يحذرون من اجتثاث نبتة "إكليل الجبل"

GMT 13:04 2015 السبت ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تراجع معدلات استهلاك الأسمنت في المغرب خلال الشهر الماضي

GMT 11:10 2023 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

متحور كورونا الجديد "جيه.إن.1" الأكثر انتشار في أميركا

GMT 20:11 2023 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يطلب ضمانات بعدم توقيفه
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib