فرنسا وتكرار التاريخ الاستعماري

فرنسا وتكرار التاريخ الاستعماري

المغرب اليوم -

فرنسا وتكرار التاريخ الاستعماري

يوسف بلال

قبل نهاية السنة، وبعد الهجمات التي شهدتها باريس في 13 نوفمبر، اقترح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمام مؤتمر البرلمان المجتمع في غرفتيه إسقاط الجنسية الفرنسية عن الفرنسيين الحاملين لجنسيتين، المولودين على التراب الفرنسي والذين تمت محاكمتهم بتهمة «الإرهاب» أو «المس بأمن الدولة والمصالح العليا للوطن». وبالرغم من أن هذا الاقتراح لا زال يناقش في الساحة السياسية الفرنسية، فقد يشكل مؤشرا قويا على مدى تجدر الأفكار العنصرية، ليس فقط عند الأحزاب اليمينية مثل حزب الجبهة الوطنية الذي حمل منذ زمان فكرة إسقاط الجنسية، بل حتى عند النخب السياسية «اليسارية» التي تدعي أنها «منفتحة على الآخر» وأنها ترفض الأفكار اليمينية.
وفي باب العنصرية، لا فرق بين اليمين واليسار داخل المجتمع الفرنسي كما تؤكد ذلك نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤخرا مؤسسة بحث فرنسية، والذي يُبين أن 85٪‏ من الفرنسيين شملهم إجراء إسقاط الجنسية الفرنسية. وفي الواقع، يظل النقاش الحالي ثانويا لأن القانون الحالي يسمح للحكومة الفرنسية بأن تتخذ قرار إسقاط الجنسية في حق الفرنسيين المولودين في أي بلد غير فرنسا والحاملين جنسية أخرى، واقتراح الرئيس الفرنسي ما هو إلا توسيع الحالات التي يمكن أن ينفذ فيها إجراء إسقاط الجنسية بضمها حالة الفرنسيين المولودين على التراب الفرنسي. 
والكل يعلم أن هذا الاقتراح يستهدف المواطنين الفرنسيين المسلمين المنحدرين من المغرب والجزائر وتونس، ولا يساهم في محاربة التطرّف في شيء، بل يغذي مشاعر الكراهية في المجتمع الفرنسي ضد المسلمين. ويُبين هذا الاقتراح أن المجتمع الفرنسي يستمر في إنكاره للواقع، لأن إسقاط الجنسية الفرنسية عن الفرنسيين الذين ارتكبوا أعمال العنف قرار يكرس فكرة أن الإرهاب «مستورد» من الخارج ولا يشكل بتاتا مشكلا داخليا أسبابه العميقة حالة الإقصاء والتهميش الاجتماعي والاقتصادي والثقافي التي يعيشها الفرنسيون المسلمون. 
والنقاش حول مشروع إسقاط الجنسية يضع المسلمين في قفص الاتهام ويؤكد مرة أخرى أنهم مواطنين من الدرجة الثانية، لا فرق بينهم وبين المستعمرين أيام كانت الجزائر جزءا لا يتجزأ من التراب الفرنسي، حيث كانت المواطنة تمنح فقط لليهود حسب مرسوم «كريميو»، الذي تبنته الجمهورية الفرنسية سنة 1870، أو قد تمنح، في حالات استثنائية حددها القانون، لمسلمين ارتدوا رسميا عن الإسلام لأنهم كانوا يعتبرون «متحضرين» «يستحقون» الجنسية الفرنسية بكامل الحقوق. ويبدو أن فرنسا لم تحاول قط أن تحرر نفسها من ماضيها الاستعماري، بل تستمر على النهج العنصري والإقصائي الذي يولد الاشمئزاز والكراهية والعنف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا وتكرار التاريخ الاستعماري فرنسا وتكرار التاريخ الاستعماري



GMT 19:06 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

ما بدأ في غزة… انتهى في داخل إيران

GMT 19:04 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الدمار والتدمير

GMT 18:59 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

تحليل الحروب على طريقة الأهلى والزمالك!

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الأهمّ هو بقاء النظام وليس بقاء النووي

GMT 18:50 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

GMT 18:49 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

إيران وأحصنة طروادة

GMT 18:48 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

دول الخليج ورسائل الوسطية

GMT 18:47 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

طبقية في زمن الحرب!

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:28 2025 الثلاثاء ,17 حزيران / يونيو

لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025
المغرب اليوم - لمحة عن أبرز صيحات ديكور المنزل لصيف 2025

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:54 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 21:53 2025 الخميس ,03 إبريل / نيسان

أداة سحرية لنسخ أي نص من شاشة جهاز ماك بسهولة

GMT 21:07 2025 الأربعاء ,09 إبريل / نيسان

"إنستغرام" تختبر خاصية "الريلز" المقفلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib