نوستالجيا زمن الحمير

نوستالجيا: زمن الحمير

المغرب اليوم -

نوستالجيا زمن الحمير

بقلم - جمال بودومة

الدولة لم يكن يهمّها مصيرنا في تلك المدينة الصغيرة، المنسية وسط البرد. لم يكن الأطفال الذين يسيل من أنفهم المخاط واردين في حساب وزارة الشبيبة والرياضة أو التربية الوطنية أو الثقافة، كي تخصَّص لهم فضاءات ترفيهية يفجرون فيها طاقاتهم خارج أوقات الدرس، على غرار باقي الصغار في العالم.

كان وزراء الحسن الثاني، وقتها، منهمكين في تطبيق سياسة “تكافؤ الفرص” على طريقتهم الخاصة لبناء مغرب “العدل والمساواة”، الذي اكتشفنا حقيقته المرة عندما كبرنا!

لم تكن في المدينة جمعيات ولا مكتبات ولا مسارح ولا سينما ولا أندية ولا هم يحزنون، ومع ذلك لم نكن نعرف شيئا اسمه الملل. “الحاجة أم الاختراع” ونحن كنا نخترع ألعابنا التي لا تكلف عائلاتنا الفقيرة أي شيء، ماعدا السراويل التي تتمزق بسرعة وقناني الدواء الأحمر التي نهرق على جروحنا في آخر النهار. العطلة كنا نمضيها في الحقول التي تحيط بالمدينة، نبدد طاقاتنا في نتف الزهور وقطف التفاح والمشمش والخوخ واللوز، قبل أوان القطاف. الطيور والأفاعي والخنافس والضفادع والكلاب والقطط… كلها جربت شرورنا، كنا ننزل على الشجرة مثل سرب جراد ونتركها عارية إلا من الأغصان، حتى حقول اللفت لم تكن تسلم من غاراتنا الغادرة، وعندما يباغتنا “العساس” نطلق أقدامنا للريح ونحن نتلذذ بطعم المغامرة. وعندما كبرنا، البعض أكمل المشوار وصار لصا محترفا، كما أرادت له الدولة!

الأربعاء كان يوما استثنائيا لأنه موعد السوق الأسبوعي، وإحدى هواياتنا الوقوف في الطريق المؤدية إلى السوق لنشاهد القرويين الذين ينزلون من البلدات المجاورة برزاتهم البيضاء وجلابيبهم الثقيلة وهم يجرون بغلا أو حمارا مدبورا. كنا نسخر من وجوههم المغبرة وعيونهم التي تلمع فرحا لأنهم “نزلوا إلى الفيلاج”. كلما مر واحد منهم نبادره بالتحية، كي نضحك من الفرحة الساذجة التي تشتعل على محياه بعدما يتأكد أن التحية موجهة إليه. كان يمشي وهو يلتفت وراءه كأنه يحاول أن يتذكر من أنت، لأنه يعتقد أنه يعرفك وأن ذاكرته هي التي خذلته.

كان القرويون يربطون دوابهم في ساحة أمام السوق، “پاركينغ” واسع مخصص للبهائم. ونحن كل أربعاء نسطو على دابة ونقتادها إلى خلاء بعيد، كي نلعب على ظهرها رياضة “الحمورية”… نركب على الحيوان بالتتابع ونضربه كي يجري ونحن نضحك ونتقافز مثل شياطين صغار، عندما ننتهي من اللعب نخلي سبيل الدابة وننصرف، لذلك لم يكن مفاجئا أن ترى حمارا يتجول حرا طليقا بلا “بردعة” في الشارع مع الآدميين… “حمار وبيخير”، شعار أبدعناه في الثمانينيات، سنوات قبل أن يطلق بعض الشباب المحظوظين شعورهم ويكتبون العبارة نفسها على تيشورتات صيفية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نوستالجيا زمن الحمير نوستالجيا زمن الحمير



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

GMT 12:03 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

أفكار مختلفة لارتداء اللون الوردي في الصيف
المغرب اليوم - أفكار مختلفة لارتداء اللون الوردي في الصيف

GMT 06:52 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

أسعار العملات العربية والأجنبية بالدينار الجزائري الأربعاء

GMT 03:32 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

افتتاح مهرجان الفجيرة للفنون وسط حضور كثيف

GMT 13:06 2024 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

إطلالات أيقونية لملكة الأناقة رانيا العبد الله

GMT 11:17 2024 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

أفكار لتنسيق إطلالات رومانسية لموعد عيد الحب

GMT 22:35 2023 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

محمد صلاح يتضامن مع ضحايا زلزال المغرب

GMT 23:58 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

زكريا لبيض يؤكد إصرار كبير أنه لن يستسلم

GMT 07:49 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

ستيفين تشانج رئيس نادي انتر ميلان يكشف سر نجاحهم

GMT 09:30 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة المغربية إلهام واعزيز تتحدث عن اختفاء والدتها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib