“البروصي”

“البروصي”!

المغرب اليوم -

“البروصي”

بقلم - جمال بودومة

قرار تغريم “قاطع الطريق”، ملأ الدنيا وشغل الناس، ونجح في شيء واحد: إضحاك المغاربة. بسرعة تحولت “الغرامة” إلى نكتة في وسائل التواصل الاجتماعي وثرثرات الأصدقاء، وعلى أرصفة المقاهي. كثيرون يستغربون كيف تعاقب الدولة قاطع الطريق الذي لا يحترم ممر الراجلين، وتترك “قاطع الطريق” الحقيقي، الذي ينشر الرعب بين المواطنين؟ وكيف تصر السلطات على نشر هذه “البدعة” في طرقات المملكة، في وقت لا توجد فيه أصلا ممرات للراجلين! البعض يتساءل حائرا: إذا تم تغريم أحد المارة ولم يكن معه الـ25 درهما… ماذا سيفعل البوليسي؟ هل سيكتفي بتسجيل المخالفة؟ وإذا لم تكن معه بطاقة هوية؟ هل سيركّب له “المينوط” ويقوده إلى “الكوميسارية” أم سينزع حذائه ويحجز عليه في “الفوريان”؟ وعموما، معظم المغاربة يعتقدون أن الإجراء متسرع ويندرج في إطار سياسة رائجة في البلاد اسمها: “لعكر على لخنونة”. القرار سويدي والطرقات صومالية. أهلًا بكم في بلد الـ”تي جي في”، الذي خرج عن السكة في أول اختبار. بلاد لم تتحرك فيها شبكة النقل الحديدي من أيّام الاستعمار، بل حذفت بعض الخطوط التي كانت تشتغل زمن الفرنسيين، وبدل التفكير في توسيع شبكة النقل الحديدي نحو أكادير والصويرة مثلا، أو في اتجاه الراشيدية وخنيفرة وزاگورة ووارزازات، وغيرها من مدن المغرب المنسي، تصرف “مزبلة” من النقود، كي يكون عندنا الـ”تي جي في” يربط طنجة بالدار البيضاء. “زيد الشحمة فظهر المعلوف”!
من الصعب تقبل قانون يعاقب الراجلين في طرقات محفرة، من دون علامات تشوير، وأضواؤها معطلة في كثير من الأحيان. طرق تتزاحم فيها السيارات مع الحمير والبغال والدراجات المهترئة و”التريبورتور”، بشكل عشوائي. ولا أعرف أين يمكن تصنيف مواطن على ظهر حمار؟ ضمن الراجلين أم مع أصحاب العربات؟
بعيدا عن السخرية، لو تأملنا جديا في “غرامة ممر الراجلين”، التي تعد تفعيلا لأحد بنود مدونة السير، لاكتشفنا أنها خطوة إيجابية تندرج في إطار “إصلاح العقليات”. بغض النظر عن إمكانية تنفيذها أم لا، فإن الصدمة التي خلفتها لدى المواطنين في حد ذاتها إيجابية، لأنها جعلت الجميع ينتبه إلى أن قانون السير لم يوضع فقط لأصحاب السيارات، ووضعت كل واحد أمام مسؤولياته: المارة والسائقون والشرطة والمنتخبون… لكن إصلاح العقليات يأتي بعد إصلاح البنيات التحتية، والدولة مطالبة بتأهيل الشبكات الطرقية داخل المدن، كي تصبح في مستوى الإجراءات الزجرية التي تتضمنها مدونة السير. أما السائق، فعليه احترام القانون الذي يلزمه بالوقوف في ممرات الراجلين، وهو ما لا تفعله إلا قلة قليلة، ما عدا في شمال المملكة، حيث يبدو السلوك على الطريق أكثر تحضرا. لذلك على الأرجح، “زعم” البوليس وسجلوا أول محضر لهذه الغرامة العجيبة في طنجة، لأنها تبقى مدينة “نموذجية” في احترام قانون السير، مقارنة مع الدار البيضاء مثلا.
“المحضر” سرعان ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، وتحول صاحبه إلى “شخصية عمومية”، بإمكانه توقيع “اتوگرافات” بعدما وقع على “البروصي”! “سعيد الحظ” ذكرني بذلك الشخص الذي استوقفه شرطي – ذات نحس- لأنه “حرق السطوب”، لكنه لم يستسلم ودخل في ذلك الجدل الشهير مع صاحب البذلة حول لون الإشارة. ظل “المنحوس” يقسم أن الضوء أخضر، والشرطي يتفحص أوراق السيارة، ويدير رأسه ذات الشمال وذات اليمين مرددا: “أحمر”… كانت زوجة السائق جنبه، تدير وجهها للجهة الأخرى بامتعاض. ولأن الجدل طال أكثر من اللازم، استدارت فجأة وحدجت زوجها بنظرة حاقدة قبل أن تقول بغضب: “الضو كان أحمر أحمر أحمر…”. حدق فيها الرجل مصدوما، قبل أن ينظر للشرطي، الذي لم تكن دهشته أقل، لكن بدل أن يسجل المحضر، أعاد له الأوراق وطلب منه الانصراف وهو يتمنى له حظا سعيدا. سأله الزوج مستغربا: “والبروصي”؟ أجاب الشرطي بكثير من التعاطف: “البروصي راه گالس حداك!”

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“البروصي” “البروصي”



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

GMT 12:03 2025 الأربعاء ,25 حزيران / يونيو

أفكار مختلفة لارتداء اللون الوردي في الصيف
المغرب اليوم - أفكار مختلفة لارتداء اللون الوردي في الصيف

GMT 06:52 2017 الأربعاء ,18 كانون الثاني / يناير

أسعار العملات العربية والأجنبية بالدينار الجزائري الأربعاء

GMT 03:32 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

افتتاح مهرجان الفجيرة للفنون وسط حضور كثيف

GMT 13:06 2024 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

إطلالات أيقونية لملكة الأناقة رانيا العبد الله

GMT 11:17 2024 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

أفكار لتنسيق إطلالات رومانسية لموعد عيد الحب

GMT 22:35 2023 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

محمد صلاح يتضامن مع ضحايا زلزال المغرب

GMT 23:58 2021 الخميس ,25 آذار/ مارس

زكريا لبيض يؤكد إصرار كبير أنه لن يستسلم

GMT 07:49 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

ستيفين تشانج رئيس نادي انتر ميلان يكشف سر نجاحهم

GMT 09:30 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة المغربية إلهام واعزيز تتحدث عن اختفاء والدتها
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib