الثامنة بتوقيت بيروت

الثامنة بتوقيت بيروت

المغرب اليوم -

الثامنة بتوقيت بيروت

بقلم - مصطفى فحص

في تمام الثامنة مساءً يوم الأحد الماضي، وقف اللبنانيون في شرفات منازلهم وصفقوا تحيةً للفريق الطبي الصامد في وجه عدو مجهول. لم يسأل الطبيب أو الطبيبة؛ والممرض أو الممرضة، والمسعف أو المسعفة، عن مذهب المصاب أو انتمائه الحزبي أو العقائدي... لم يحضر سؤال اللبناني المعتاد: «حضرتك من وين؟». في الثامنة مساءً؛ تكونت صورة لبطل جديد تموضع في ذاكرة اللبنانيين من دون الحاجة إلى إطلالات وخطابات، أو إعلان انتصارات في الداخل أو الخارج، ولم يستخدم البطل في هذه المواجهة هويةً خاصةً أو عقيدةً أو انتماءً... لم يكن يحمل سوى سلاح إنسانيته ويقوم بواجبه الأخلاقي، ففي هذه المواجهة أعيد تموضع البطل، ورفع من الانتماء الخاص إلى الفضاء العام.
في صورة البطل الجديد ضاعت المحاور؛ أغلقت زواريب السياسة. استشاط أهل السلطة غضباً؛ لم يستوعب الأقوياء منهم أن صناعة المنتصر ليست حكراً عليهم، ولم تعد تخضع لشروطهم، فضاقت صدورهم من مبادرة ردَّت لجنود مجهولين جميلَهم، ولأنها لم تخرج من كنفهم، عدَّوا أنها خرجت عليهم، فرفضوها وحرضوا على من دعوا إليها، نبشوا في هوياتهم... في ملامح وجوههم وأسمائهم، فسّروا كلامهم وفقاً لأهوائهم، ليصلوا إلى ضالتهم، فاتهموهم بأنهم ينتمون إلى مؤامرة حيكت في «17 أكتوبر (تشرين الأول)» الماضي.
في الثامنة مساءً؛ أعادت بيروت العمل بتوقيت «17 أكتوبر»، فاستفزّ الحزب الحاكم؛ استنفر قواعده، واستحضر الموروث والغيبيات، واستخدم التراث الديني العام من أجل الخاص، وحضر الخاص بكل تفاصيله وفروعه، وعصبياته وخصوصياته، كأنَّه يفرض على بيئته مجدداً حواجز عقائدية تفصلهم عن بقية اللبنانيين، كأنه يفضل الكونفدرالية على التعددية، وصراع العصبيات بديلاً للهوية المركبة، في الوقت الذي كان فيه الهمّ والخوف والخلاص، والعدو والواجب، والحزن والحب، مشتركاً؛ كما هي المشتركات الوجدانية والأخلاقية والإنسانية ما بين مطالب غيفارا الثائر الأممي، والقاضي محمد المناضل من أجل حرية الشعب الكردي في مهاباد، وعبد الباسط الساروت حارس ثورة الشعب السوري، وصفاء السراي في ساحة التحرير ببغداد، وعلاء أبو فخر في بيروت... ومنهم إلى كل الفرق الطبية في جميع أنحاء العالم وهي تحارب على جبهة واحدة من أجل سلامة البشرية وكرامة الإنسان.
مما لا شكَّ فيه أن جائحة «كورونا» قد منحت سلطة العهد فرصة حتى تستعيد بعضاً من زمام المبادرة، واستثمار الوقت الذي ينشغل فيه اللبنانيون بمكافحة «كورونا»، لإعادة فرض هيبتها السياسية والأمنية، وفرض هيكلية جديدة للحكم يخضع فيها الجميع لسلطة الحزب الحاكم... يرسم حدود الصلاحيات لأفراد الرعية، في إطار سلطة أبوية يمارسها مرشد العهد وناظمه السياسي؛ أبوية عبّر عنها الصحافي اللبناني علي الأمين بقوله: «... هذا الخطاب (الأبوي) الذي قام على التعامل مع اللبنانيين وقبلهم المسؤولين اللبنانيين، باعتبارهم الأبناء الذين يحبّهم وهو أعلم بمصلحتهم من أنفسهم، لكنه الحب المشروط ضمناً بالطاعة، وعدم الخروج على سلطة الأب وهيبته واحترامه، لأنه حينذاك فإن الأب يبطش بابنه الذي يحبه، فيما لو خرج عن سلطته، وتجاوز شروط البنوّة وحدودها».
فعلياً لا يزال تاريخ «17 أكتوبر» يقضّ مضاجع العهد، ويشكّل كابوساً يصعب الشفاء منه؛ يلاحق قراراته، وفساده ومحاصصاته. ورغم توقف التظاهر والاعتصامات بفعل الوباء، فإن الحكومة انتهزت الفرصة، وتحت ذريعة الفيروس، قامت بهدم خيام المعتصمين في ساحة الشهداء وسط العاصمة بيروت، في محاولة لإلغاء رمزية الانتفاضة وإعادة الأمور إلى ما قبل «17 أكتوبر» قبل الانتهاء من الحرب على «كورونا». فالإطباق على الانتفاضة بات مشروعاً تنفذه الحكومة بتغطية كاملة من الحزب الحاكم الذي فشل في السابق في النيل من وطنية الانتفاضة، وصدم بصمودها أمام الترهيب الذي تعرضت له، وهي، رغم غيابها الميداني، لا تزال احتمالاً جدياً سيعود عندما تتاح الفرصة.
في الثامنة مساءً؛ قرعت الانتفاضة جرس الإنذار مجدداً، وأعلن شبانها وشاباتها عن موعد مفتوح مع ساحة الشهداء، ليكونوا شهوداً على ما ارتكبت السلطة تحت جنح الجائحة، فالذي أحرق خيامهم يعتقد أنه تمكن من حرق التاريخ، لكنَّه نسي أن القوي، مهما بلغت قوته، لم يعد يملك حصرية كتابته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثامنة بتوقيت بيروت الثامنة بتوقيت بيروت



GMT 10:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

‏مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:45 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:42 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 16:24 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم
المغرب اليوم - أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم

GMT 22:24 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تحذر من خطر المجاعة في 12 منطقة أزمات حول العالم
المغرب اليوم - الأمم المتحدة تحذر من خطر المجاعة في 12 منطقة أزمات حول العالم

GMT 19:30 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها "ورد وشوكولاتة"
المغرب اليوم - الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها

GMT 04:12 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 00:44 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الممثلة ميريل ستريب تتحدّث عن معاناة المرأة بشكل عام

GMT 03:53 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

"دولتشي أند غابانا" تطرح مجموعتها الجديدة لعام 2017

GMT 16:35 2023 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.6 ريختر يضرب شرق روسيا

GMT 10:12 2023 الأربعاء ,10 أيار / مايو

مقتل صحفي فرنسي في قصف روسي في شرق أوكرانيا

GMT 14:51 2022 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

بيدري نيتو يغيب عن كأس العالم 2022 بسبب الإصابة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib