هلسنكي المبهمة والمراوغة الروسية

هلسنكي المبهمة والمراوغة الروسية

المغرب اليوم -

هلسنكي المبهمة والمراوغة الروسية

بقلم : مصطفى فحص

في هلسنكي رمى القيصر الروسي فلاديمير بوتين الكرة في الملعب الأميركي، ونجح في حسم نتائج أول لقاء ثنائي جمعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب لصالحه.

ففي قمة استمرت 3 ساعات، عقد خلالها ترمب وبوتين لقاءً منفرداً استمر 90 دقيقة، وهي المدة التي تتطابق مع المدة الرسمية لمباراة كرة القدم، أثارت حفيظة مراكز صنع القرار في واشنطن، الذين عبروا مباشرة عن استيائهم من نتائج نهائي مونديال هلسنكي، فقد رفعت شخصيات مؤثرة في «الاستابلشمنت» ما في جعبتها من بطاقات صفراء وحمراء بوجه ترمب، معتبرة أنه ارتكب مخالفات استراتيجية وتكتيكية فادحة، منها مستوى الهجوم الذي غاب عن أدائه أمام خصم بلاده ومنافسها التاريخي، ومنها خطط الدفاع التي فشلت في حماية مصالح واشنطن وحلفائها، ما دفع بالمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه) جون برينان إلى القول إن تصريحات ترمب أكدت أنه «في جيب بوتين تماماً». موقف جون برينان يعكس قلق نخب أميركية من حجم تأثير بوتين على ترمب، خصوصاً بعد تمسكه برواية الأول عن تدخل موسكو في الانتخابات الأميركية، حيث أكد «أنه لا يرى ما يدعوه لتصديق أجهزة المخابرات الأميركية بدلاً من الثقة في زعيم الكرملين بشأن مسألة ما إذا كانت روسيا تدخلت لمساعدته بانتخابات عام 2016». تصريح ترمب جاء رداً على حديث مدير وكالة المخابرات الوطنية الأميركية دان كوست الذي قال إن «جهازه كان واضحاً بشأن التهديد الذي يمثله التدخل السياسي الروسي، وأن المخابرات ستستمر في تقديم تقييمات مخابراتية واضحة وموضوعية»، الأمر الذي يكشف الهوة في العلاقة بينه وبين المجمع المخابراتي والعسكري الأميركي المتمسك بثوابته الأمنية والاستراتيجية في العلاقة مع روسيا.

فمما لا شك فيه أن فلاديمير بوتين حصد في هلسنكي نتائج 10 سنوات من لعبة المراوغة، التي أتقن استخدامها في كافة مواجهاته الدولية، وعكست إصراره على التمسك بأغلب مواقفه وفي قدرته على انتزاع التنازلات من لاعبين أقوياء، في مقدمتهم واشنطن، بسبب عدم وجود استراتيجيات واضحة في معالجة قضايا عالمية وإقليمية حساسة، فقيصر الكرملين ذهب إلى هلسنكي وهو على قناعة بقدرة شريكه المحدودة في تقديم تنازلات في الملف الأوكراني، وبأن مقايضة أوكرانيا بملفات أخرى غير وارد، في ظل تصاعد مستوى القلق الأوروبي من الطموحات الروسية، إلا أن بوتين تمكن من الالتفاف على استحالة الاعتراف باحتلال القرم، وصعوبة رفع العقوبات الاقتصادية عن بلاده، وانتزع في القمة اعترافاً بسيادته على سوريا، وتحديده حجم ودور كافة اللاعبين، بعدما تمكن من إنجاز تفاهم مع تل أبيب وطهران يقضي بالحفاظ على مصالحهما التي تتقاطع على بقاء الأسد في السلطة، وذلك على حساب تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة، والأخطر أن هذه التفاهمات بين موسكو وطهران وتل أبيب لم تراع مصالح الأمن الجماعي العربي الذي خسر آخر موطئ قدم له في سوريا بعد هزيمة المعارضة المعتدلة في درعا على يد الروس. فقد تعمد بوتين تقديم إجابات مبهمة في هلسنكي حول مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، مراهناً على الالتباس الذي أوقع فيه كافة الأطراف، والقائم على معادلة إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود الجولان المحتل إلى مسافة يحددها بالتوافق مع تل أبيب، وليس إبعادها عن سوريا، وهو بذلك يتوافق مع واشنطن في الحفاظ على أمن إسرائيل. هذا الفشل في إقناع موسكو بالضغط على طهران من أجل خروجها نهائياً من سوريا دفع السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام إلى القول «إن القناعة بضبط روسيا لإيران في سوريا، ذات منطق قيام روسيا بإزالة وتدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا. إيران هي حليف الأسد الأكبر وحتى أكبر من روسيا».

خرجت هلسنكي بثابتة واحدة هي أن واشنطن تخلت عن سوريا، وتركتها لموسكو التي تلقت رشوة إيرانية بـ50 مليار دولار، أشبه باتفاقية «النفط مقابل الغذاء»، تعزز من خلالها طهران فرص تفاهماتها الاستراتيجية في المنطقة مع موسكو، التي لا تخلو من خلافات تكتيكية لا تصل إلى مستوى الصدام، وهي شراكة تناسب الانتهازية الروسية التي تستثمر في الضعف الإيراني لصالح طموحاتها التوسعية على حساب النفوذ الإيراني، الذي بات يعاني من ترهل خارجي وصعوبات داخلية وحصار اقتصادي كفيل بتقويض النظام في طهران.
في هلسنكي لم يحصل بوتين على لقب البطولة، لكنه فاز بميدالية أفضل هداف سجل في مرمى واشنطن نتيجة أخطاء إدارتها الدفاعية، التي ارتفعت فيها أصوات محترفيها المخضرمين من جديد، مطالبين بإعادة تأهيل لاعبيها بما يناسب حجم التحديات قبل فوات الأوان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هلسنكي المبهمة والمراوغة الروسية هلسنكي المبهمة والمراوغة الروسية



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 16:24 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم
المغرب اليوم - أربع دول عربية ضمن 16 بؤرة جوع في العالم

GMT 22:24 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تحذر من خطر المجاعة في 12 منطقة أزمات حول العالم
المغرب اليوم - الأمم المتحدة تحذر من خطر المجاعة في 12 منطقة أزمات حول العالم

GMT 19:10 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى
المغرب اليوم - دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى

GMT 19:30 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها "ورد وشوكولاتة"
المغرب اليوم - الفنانة زينة تعلّق على صعوبات مسلسلها

GMT 02:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع
المغرب اليوم - الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 04:12 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 00:44 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الممثلة ميريل ستريب تتحدّث عن معاناة المرأة بشكل عام

GMT 03:53 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

"دولتشي أند غابانا" تطرح مجموعتها الجديدة لعام 2017

GMT 16:35 2023 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.6 ريختر يضرب شرق روسيا

GMT 10:12 2023 الأربعاء ,10 أيار / مايو

مقتل صحفي فرنسي في قصف روسي في شرق أوكرانيا

GMT 14:51 2022 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

بيدري نيتو يغيب عن كأس العالم 2022 بسبب الإصابة

GMT 21:41 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أقوى خلطة طبيعية لتطويل الشعر بوقت قياسي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib