إيران «تمرد الحفاة»

إيران... «تمرد الحفاة»

المغرب اليوم -

إيران «تمرد الحفاة»

بقلم - مصطفى فحص

في كتابه «السكرتير السابع والأخير... نشوء وانهيار الإمبراطورية السوفياتية»؛ يقول المؤرخ البيلاروسي ميشال هيلير: «التاريخ لا يفتقد إلى أمثلة للإمبراطوريات هائلة القوة التي أصبحت أثراً بعد عين، على الرغم من أنها كانت حتى الأمس تبدو كأنها خالدة، فدائماً هناك أسباب مختلفة داخلية وخارجية تنبئنا بسقوط هذه الدول الخالدة». 

وفي الحالة الإيرانية، فإن التنبؤات باتت أقرب إلى وقائع تنذر بسقوط ما (جزئي أو كلي) للنظام، نتيجة لتقاطع عوامل داخلية وخارجية، فالنظام الذي أرهق الدولة والشعب بمشكلات إقليمية ودولية لا حاجة لإيران بها، لم يدرك بعد أن عليه الاهتمام بالداخل قبل أن تنتشر الفوضى وتترهل سلطته، لكنه يُصرّ على المكابرة وعدم الإصغاء إلى النصائح التي تطلقها النخب السياسية والفكرية والاقتصادية، التي تحذره من مخاطر انهيار مقبل، وكانت أخراها على لسان الرئيس الأسبق السيد محمد خاتمي الذي حذر من احتمال حدوث تحركات اجتماعية تجاه تغيير النظام، حيث قال: «إذا بقيت أخطاء النظام على ما هي عليه، فسوف تتطور الانتقادات إلى اعتراضات، ومن ثم فلن يكون واضحاً ماذا يمكن أن يحدث»، ما اضطر السيد خاتمي إلى مراعاته أثناء توجيه انتقاداته للنظام، حفاظه على موقعه في التركيبة السياسية الإيرانية، التي تفرض عليه ممارسة حذر شديد في تمرير مواقفه حماية لنفسه ولتياره الذي يدعو للقيام بعملية إصلاح داخلية، وهو ما لم يراعه الأكاديمي في كلية اقتصاد أصفهان الدكتور محسن رناني. 

رناني خاطب النظام بشكل واضح وصريح وحذره من حفاة سيُطيحون به بعد التمرد. فقد قارن رناني بين «تمرد الحفاة» الذي يتوقعه وحركة الاحتجاجات في الجامعات التي ارتبطت بالطبقة الوسطى، مبيّناً أن «الثورة الخضراء» كان لها قيادات فتمت السيطرة عليها، لكن الحفاة من دون قيادة، لذلك فسيصعب على النظام السيطرة عليهم. وأضاف: «أما في حال الملايين من العاطلين عن العمل والمهمّشين والفقراء، فهؤلاء لن يقبلوا بالتفاوض ولا بالقيادة؛ حيث سيكون هدفهم واضحاً جداً، هؤلاء لن يقبلوا بالوضع الموجود، وسيستمرون في تمردهم حتى الإطاحة بالنظام السياسي والاجتماعي في البلاد».

فعلى مسافة أيام من تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الأميركية على طهران؛ وهي الأخطر في تاريخ الجمهورية الإسلامية والتي تستهدف القطاع النفطي، تعمل الولايات المتحدة على تصفير صادرات إيران البترولية، الذي سيتسبب مباشرة في ارتفاع الأسعار وفي تفاقم الأحوال المعيشية للإيرانيين، ومن المتوقع أن يصل التضخم في السلع الغذائية إلى ما فوق 48 في المائة، وسيترافق مع صعوبة في الوصول إلى الأسواق العالمية نتيجة مراقبة أميركية صارمة لآليات تطبيق العقوبات، وتحذير واشنطن بمقاضاة أي جهة حكومية أو خاصة تحاول الالتفاف على العقوبات ضد طهران.

فإيران التي خدعها ظلها، تصرفت في زمن انكفاء الرئيس باراك أوباما كأنها قادرة على ملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب الأميركي من قضايا الشرق الأوسط، وباتت تحمل أعباء مواجهة مفتوحة مع إدارة أميركية جديدة ومختلفة جذرياً في مقاربتها للدور الإيراني عن إدارة أوباما، فمنذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تواجه طهران مصاعب خارجية تستهدف نفوذها الإقليمي، وصعوبات داخلية كشفت عن طبيعة أزمات يعيشها النظام وتعصف بكيانه، نتيجة تراكم الأخطاء السياسية والإخفاقات الاقتصادية، وعجز شبه كامل في تلبية احتياجات المواطنين الذين دفعوا ثمن محاولات النظام إحياء الموروث الإمبراطوري وتطبيقه؛ الأمر الذي فاقم الأعباء على الخزينة الإيرانية المنهكة من التكلفة المرتفعة لمغامرات النظام الخارجية، التي وضعت طهران في مواجهة غير متكافئة مع المجتمع الدولي، خصوصاً مع واشنطن الرافضة قطعاً النموذج الإمبراطوري الإيراني بالاستمرار، لأنه المخرج الوحيد الذي تتمسك به طهران للهروب من أزماتها الداخلية، ومن زلزال سياسي واقتصادي سيعيد تشكيل المجتمع الإيراني، وهذا ما يقضّ مضاجع النظام المستميت من أجل الوصول إلى تسوية مع واشنطن تحفظ ماء وجهه، ويتمكن عبرها من الحفاظ على طبيعته في حال أجبرته العقوبات على تغيير سلوكه.

وعليه، فإن سلوك النظام الإيراني مرتبط بطبيعته، والطبيعة مرتبطة بمنظومة فكرية وعقائدية غلّفها بنزعة أصولية خاصة، أنتجها على مقاسه السياسي واستخدمها كعقيدة جغرافية حقق من خلالها مؤقتاً وحدة الأمة الإيرانية، مستغلاً العلاقة الروحية التي تربط الفرد الإيراني بتراث «أهل البيت»، وكان النظام قد غاب عن باله قول الإمام علي بن أبي طالب: «عجبت ممن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه». فنظام «ثورة المستضعفين» أمام احتمال «ثورة الحفاة».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران «تمرد الحفاة» إيران «تمرد الحفاة»



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إستوحي إطلالتك الرسمية من أناقة النجمات بأجمل ألوان البدلات الكلاسيكية الراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 03:58 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

مجلس النواب المغربي يصادق على قانون التصفية بإجماع الأعضاء

GMT 17:18 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

توشيح الصحفي حسن الحريري بوسام ملكي

GMT 16:04 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تعاقد جديد للوداد قبل الميركاتو الشتوي

GMT 17:28 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

شقيق الملك سلمان بن عبدالعزيز يحلّ بالعيون في رحلة صيد

GMT 07:59 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

عبير الأنصاري تُشيد بإطلالة مي عمر في مهرجان الجونة

GMT 13:58 2018 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

احتجاجات في جرسيف بسبب هدم ثلاث منازل

GMT 03:29 2018 الجمعة ,07 أيلول / سبتمبر

أردوغان وسياسات المباغتة

GMT 22:07 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

لطيفة تصدم جمهورها بإطلالة "الريش"

GMT 04:54 2018 الخميس ,14 حزيران / يونيو

وفاة شاب بعد اصطدم سيارته بشجرة في أيت ملول
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib