محمد بن عيسى… قصة رجل ومدينة

محمد بن عيسى… قصة رجل ومدينة

المغرب اليوم -

محمد بن عيسى… قصة رجل ومدينة

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

لم يكن محمد بن عيسى الذي غيبه الموت عن 88 عاماً مجرّد صديق قديم عرفته منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً. كان أكثر من ذلك بكثير كسياسي ومثقف وصاحب تجربة إستثنائية في كافة ميادين الحياة وفي معرفة طبيعة البشر. كان خبيراً في كيفية التعاطي مع الناس بكل فئاتهم، خصوصاً مع أهل مدينته أصيلة الذين كان يعرفهم فرداً فرداً، هو الذي حوّل أصيلة من قرية للصيادين على شاطئ المحيط الأطلسي إلى مدينة مغربية متوسطة الحجم تتزاحم بين جدرانها السياسة والثقافة والفن والأدب والموسيقى.

جعل محمد بن عيسى من أصيلة ينبوعاً دائماً لثقافة الحياة ومكانا ينتج إبداعاً ونقاشات سياسية على أعلى المستويات وفي أكثر المواضيع دقة وحساسية. ما كان لمحمد بن عيسى أن يتمكن من ذلك لولا وجود الفضاء المغربي الرحب، الذي هو فضاء انفتاح على كل ما له علاقة بالسياسة، بمعناها الراقي، والقيم الحضاريّة… ولولا قدرته على الإبداع وتطوير نفسه، حتى بعد تجاوزه الثمانين من العمر.

كان محمّد بن عيسى انساناً كريماً قبل أي شيء. كذلك، كان كريماً في كلّ شيء. كان كريماً في محبته لأصدقائه وقربه منهم ورعايتهم. كان يجعلك تشعر بأنك موضع إهتمامه المباشر في عالم عرف “السي بن عيسى”، كما كان يناديه الذين عرفوه، كيف يكون التواضع وكيف يحترم الإنسان نفسه ويخدم بلده في آن.

خدم  “السي بن عيسى” المغرب حتى الرمق الأخير من حياته. تميّز بالتواضع والمعرفة في كلّ موقع شغله كوزير للثقافة أو كسفير للمملكة المغربيّة في واشنطن… أو كوزير للخارجية بين 1999 و 2007. لكنّ الموقع الذي التصق بشخصيته كان موقع الأمين العام لمنتدى أصيلة الذي أسسه في العام 1997 كي يستمر موسم أصيلة الثقافي الذي انطلق في العام 1978.
كان محمّد بن عيسى انساناً كريماً قبل أي شيء. كذلك، كان كريماً في كلّ شيء. كان كريماً في محبته لأصدقائه وقربه منهم ورعايتهم

إفتخر محمّد بن عيسى بأنه كان رئيساً لبلدية أصيلة. من موقع رئيس البلدية وانطلاقاً من موسم أصيلة، الذي استضاف شخصيات عربية وإفريقية وعالمية طوال سنوات استطاع الرجل أن يلعب دوراً طليعياً في الربط بين المغرب وإفريقيا. استضافت أصيلة معظم الشخصيات الإفريقية التي كانت ذات شأن، بمن في ذلك رئيس السنغال الراحل ليوبولد سنغور الذي كان شاعراً وأديباً ومعجباً بالمغرب أيضا. لكن أهم ما تميزت به أصيلة كانت تلك الجرأة التي تمتع بها محمّد بن عيسى. مكنت هذه الجرأة موسم أصيلة من أن يكون مكانا تناقش فيه مواضيع سياسية ودينية لا يمكن أن تناقش في أي مكان آخر غير المغرب. أكان ذلك في عهد الملك الحسن الثاني أو في عهد الملك محمّد السادس.

أتيحت لي فرصة المشاركة في موسم أصيلة مرات عدّة، كانت آخرها موسم العام الماضي (2024). توصلت إلى خلاصة فحواها أن القصة، قصة رجل ومدينة استمرت أقل بقليل من نصف قرن من الجهد الخلاق والدؤوب الصادر عن رجل وضع نفسه في خدمة بلده المغرب وأهل مدينته أصيلة وفي خدمة الفكر الإنساني على كل صعيد. إنها قصة مواطن استثنائي في بلد فريد اسمه المغرب يمتلك قيادة مستنيرة ممثلة بالملك الإنسان الذي اسمه محمّد السادس.

استطاع محمد بن عيسى تجديد موسم أصيلة في كل سنة. لم ينم على أمجاده وعلى نجاحاته في عالم لا مكان فيه سوى للناجحين.

سيذكر التاريخ محمد بن عيسى بأنّه عمل ما لم يستطع كثيرون عمله من خلال أي موقع شغله. وضع أصيلة على خريطة المغرب وعلى الخريطة العربية والإفريقية والدولية. بقي الموسم فكرة تتطور كل سنة من دون عقد من أي نوع كان، بما في ذلك عقدة طرح مواضيع معقدة من نوع “الخواء العربي” وأخرى متعلقة بالتطرف الإسلامي.

لم يكن ذلك ممكنا من دون محمد بن عيسى، رجل العلاقات العامة بإمتياز الذي يعرف بناء صداقات في كل الأوساط العربيّة والدولية، صداقات وظفها في خدمة المغرب البلد الذي إفتخر دائماً بالإنتماء إليه وبوضع نفسه في خدمته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد بن عيسى… قصة رجل ومدينة محمد بن عيسى… قصة رجل ومدينة



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الفتنة الكبرى!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 01:12 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين
المغرب اليوم - ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل

GMT 08:26 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا قدمتم لتصبحوا صحفيين وناشطين؟

GMT 00:26 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة المنشط الإذاعي نور الدين كرم إثر أزمة قلبية

GMT 02:33 2014 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

"رينود" يتسبب في تشنج الأوعية الدموية لأصابع اليدين

GMT 00:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مي عمر تؤكّد أهمية تجربة عملها مع عادل إمام

GMT 09:51 2016 السبت ,10 كانون الأول / ديسمبر

بشرى شاكر تشارك في مشروع طاقي في ابن جرير
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib