الهدنة اليمنيّة المهدّدة

الهدنة اليمنيّة المهدّدة

المغرب اليوم -

الهدنة اليمنيّة المهدّدة

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

يبدو واضحا انّ هناك نيات حوثيّة مبيّتة تهدّد استمرار الهدنة اليمنية التي تم التوصّل اليها في سلطنة عُمان في الثاني من نيسان – ابريل الماضي. يعبّر عن هذه النيّات، التي لا تبشّر بالخير، وجود حملة حوثيّة (جماعة انصار الله) على هانس غروندبرغ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن.

في الأصل، تم الاتفاق على هدنة تستمر شهرين. هل الشهران كافيان كي يقتنع الحوثيون (جماعة انصار الله) ان ليس لديهم أي مشروع سياسي وحضاري قابل للحياة في اليمن... أم ان ايران التي تقف وراءهم وتحرّكهم ما زالت مصرّة على استخدامهم ورقة إقليمية في لعبة ابتزاز دول الخليج العربي؟

قبل وصول مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى عدن حيث اجتمع بأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، على رأسهم رئيس المجلس رشاد العليمي، ذهب مسؤولون حوثيون إلى تذكير غروندبرغ بما حصل مع المبعوث الأممي السابق الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ احمد الذي تعرّض موكبه في صنعاء لإطلاق النار عليه. كان ذلك في مثل هذه الأيّام من العام 2017، بعيد وصول ولد الشيخ احمد إلى مطار صنعاء لمقابلة مسؤولين حوثيين وآخرين من مساعدي الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي كان لا يزال حيّا يرزق ومقيما في العاصمة اليمنيّة.

وقتذاك، أراد الحوثيون توجيه رسالة واضحة إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. فحوى الرسالة أنّهم غير راضين عنه من جهة وأن عليه التعامل معهم بصفة كونهم السلطة الشرعيّة في صنعاء من جهة أخرى.

في الواقع، كانت لدى الحوثيين نقطة مهمّة تصبّ في مصلحتهم وذلك عندما وقعوا "اتفاق السلم والشراكة" مع "الشرعيّة" اليمنيّة ممثّلة بالرئيس السابق عبد ربّه منصور هادي. وقّع عبدربّه الاتفاق مع الحوثيين في صنعاء، بمباركة الأمم المتحدة مباشرة بعد وضع هؤلاء يدهم على العاصمة في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. المؤسف ان توقيع "اتفاق السلم والشراكة" تمّ بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر ومباركته. ما لبث بنعمر ان خرج من موقعه ليخلفه إسماعيل ولد الشيخ احمد.

بعد فترة قصيرة من ممارسة "جماعة انصار الله" الترهيب على إسماعيل ولد الشيخ احمد، فهمت الأمم المتحدة الرسالة فاستبدلته بالبريطاني مارتن غريفيث الذي راعى الحوثيين وتعامل معهم على قدم المساواة مع "الشرعيّة". يؤكّد ذلك التوصل إلى اتفاق ستوكهولم أواخر العام 2018، وهو اتفاق استفاد الحوثيون منه إلى ابعد حدود بتكريسه لسيطرتهم على ميناء الحديدة على البحر الأحمر. كذلك، أوقف الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة أي هجوم على الميناء ذي الموقع الإستراتيجي المهمّ.

خلاصة كلّ التجارب التي مرّ فيها اليمن منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء، قبل ثماني سنوات ثمّ اغتيالهم علي عبدالله صالح بغية تصفية حسابات قديمة معه وبمجرّد محاولته في مرحلة معيّنة إيجاد توازن معهم، أنّ ليس في الإمكان التعاطي معهم بطريقة عقلانيّة. بكلام أوضح، يستحيل التفاوض مع "جماعة انصار الله" التي ليست سوى أداة إيرانيّة في ظلّ توازن القوى القائم حاليا. في النهاية، لم يقبل الحوثيون هدنة الشهرين، التي بدأت مطلع شهر رمضان، إلّا بعد سلسلة الهزائم العسكريّة التي تلقوها عن طريق قوات العمالقة التي اخرجتهم من محافظة شبوة في كانون الثاني – يناير الماضي.

منذ بدأت الهدنة والحوثيون يعيدون تنظيم صفوفهم بهدف استعادة المبادرة خصوصا أنّهم يعرفون ان قوات العمالقة، وهي في معظمها جنوبيّة، لا تنوي التوغّل في أي محافظة شمالية، بما في ذلك مأرب. اكتفت هذه القوات بفكّ الحصار عن مدينة مأرب التي كانت "جماعة انصار الله" تخطّط لاقتحامها بغية توجيه ضربة قاضية إلى "الشرعيّة" السابقة، على الرغم من قنوات التفاوض السرّية معها.

هناك الآن "شرعيّة" جديدة في اليمن، على رأسها رشاد العليمي الذي تحيط به شخصيات يمتلك معظمها وزنا في اليمن. العليمي شخص عاقل، كما أنّه رجل حوار يفهم في السياسة ويمتلك علاقات جيّدة مع معظم القوى الفاعلة على الأرض. يفترض أن يكون هناك ادراك لدى الرئيس اليمني الجديد نفسه ولدى القوى المحيطة به، اكانت يمنيّة أو اقليميّة، أن الحوثيين عبر تحذيرهم الموجّه إلى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وهو اقرب إلى تهديد، إنّما يستهدفون "الشرعيّة" الجديدة أوّلا وأخيرا. ليس معروفا أي طريق سيختار الحوثيون ومن خلفهم ايران. طريق الانتقال من الخدمة إلى حوار سياسي... أم طريق اعداد نفسهم لحروب عبثيّة جديدة.  

الحوثيون في طريق مسدود عسكريا وسياسيا. يدفع اليمنيون غاليا ثمن هذا الانسداد. ولكن ماذا عن "الشرعيّة" الجديدة؟ هل في استطاعتها قلب الطاولة في اليمن؟ مثل هذا التطور ممكن شرط تحقيق شرطين. اولّهما السيطرة على المناطق التي تتحكّم بها هذه "الشرعيّة" الجديدة. هذا يعني توفير الطمأنينة والأمن للناس الموجودين في هذه المناطق. أمّا الشرط الثاني، فيتمثّل في القدرة على تغيير ميزان القوى عسكريا. مثل هذا التغيير، في حال حصوله، هو اللغة الوحيدة التي تفهمها "جماعة انصار الله" التي عليها الاقتناع بأنّ الهدنة الحالية يجب ان تمهّد لحوار سياسي وليس لحرب أخرى.

هل تستطيع "الشرعيّة" الجديدة صنع فارق يؤدي إلى اقتناع الحوثيين بانّ كلفة الحرب ستكون كبيرة جدا عليهم؟

سيتوقف الكثير على ما اذا كان يمكنها احداث هذا التغيير المطلوب في ميزان القوى عسكريا. عندئذ، يمكن الكلام عن مرحلة جديدة في اليمن لا تعود فيها "جماعة انصار الله" قادرة على تهديد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بغية ابتزازه. على العكس من ذلك ستقنع الجماعة، في ظلّ تغيير حقيقي في ميزان القوى، ان في استطاعتها ان تكون جزءا من مشروع سياسي جديد لليمن، مشروع يأخذ في الاعتبار ان ثمّة حاجة إلى صيغة مختلفة للبلد تكون اقرب ما يكون من الفيديراليّة.

في كلّ الأحوال، تبدو الهدنة في اليمن مهدّدة وتبدو الحاجة اكثر من أي وقت إلى تغليب لغة العقل من منطلق انّ الحوثيين يستطيعون ان يكونوا جزءا من حلّ، لكنّهم لا يستطيعون بناء دولة خاصة بهم في الشمال اليمني عاصمتها صنعاء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهدنة اليمنيّة المهدّدة الهدنة اليمنيّة المهدّدة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:26 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل ريفي في بريطانيا من وحي تصميمات روبرت ويلش

GMT 11:35 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

زيّن حديقة منزلك مع هذه الفكرة الرائعة بأقل تكلفة

GMT 17:00 2023 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ديوكوفيتش يسعى للفوز بذهبية أولمبياد باريس

GMT 06:20 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

230 ألف شخص يشيعون بيليه إلى مثواه الأخير

GMT 15:10 2022 الأربعاء ,23 آذار/ مارس

شركة "توتال" الفرنسية توقف شراء النفط من روسيا

GMT 20:10 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مشروع قانون لتنظيم أسعار المحروقات في المملكة المغربية

GMT 14:16 2021 السبت ,31 تموز / يوليو

فساتين سواريه للنحيفات المحجبات

GMT 23:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تعرف على قائمة الأسعار الجديدة للسجائر في المغرب

GMT 15:22 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 20:49 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

أسعار مازدا mazda 3 في مصر

GMT 21:11 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

شركة أميركية ترصد صورًا لأهم أحداث الكوكب خلال العقد الماضي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib