روسيا والتنسيق بين الاحتلالات

روسيا والتنسيق بين الاحتلالات

المغرب اليوم -

روسيا والتنسيق بين الاحتلالات

بقلم ـ خيرالله خيرالله

لا يستطيع نظام غير شرعي إضفاء الشرعية على احتلال مثل الاحتلال الإيراني أو الاحتلال الروسي. ربما يستطيع النظام اعتبار نفسه شرعيا من منطلق أنه اكتسب كل ما يريده من شرعية تسليم حافظ الأسد إسرائيل الجولان في العام 1967.

من أطرف ما شهده ختام الجولة الأخيرة من اجتماعات أستانة إصرار ممثل النظام السوري، ويدعى بشّار الجعفري، على أن الوجود العسكري التركي في الشمال السوري “غير شرعي”.

في المقابل، يعتبر الجعفري، وهو مندوب النظام لدى الأمم المتحدة أيضا، الوجود الإيراني والروسي أكثر من شرعي. ما الفارق بين احتلال واحتلال؟ بالنسبة إلى ممثل النظام، الحكومة السورية هي من يقرّر ما هو الاحتلال الشرعي وما هو الاحتلال غير الشرعي.

بالطبع، تجاهل الجعفري الوجود الأميركي في الشمال السوري حيث نحو عشر قواعد عسكرية للولايات المتحدة وأربعة آلاف جندي، حسب جنرال أميركي موجود في العراق اعترف بذلك ثم تراجع في ما يخصّ الرقم. كذلك، تجاهل الجعفري الوجود العسكري في الجولان منذ العام 1967 وحرية الحركة التي تمتلكها إسرائيل حيثما تشاء في الأراضي السورية.

تضرب، قبل أسابيع، في مصياف قرب حماة ما تعتبره مصنعا للصواريخ والأسلحة الكيميائية، مثلما ضربت في الماضي موقعا قرب دير الزور اشتبهت بأنّ النظام يقيم فيه مفاعلا نوويا بمساعدة إيرانية وكورية شمالية.

لا وجود لاحتلال شرعي وآخر غير شرعي. لا يستطيع نظام غير شرعي إضفاء الشرعية على احتلال مثل الاحتلال الإيراني أو الاحتلال الروسي. عفوا، ربما يستطيع النظام اعتبار نفسه شرعيا من منطلق أنه اكتسب كل ما يريده من شرعية تسليم حافظ الأسد إسرائيل الجولان في العام 1967.

جدّد النظام السوري شرعيته على دفعات بعدما انحاز لإيران في العام 1980، لدى اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية وبعدما أدخل “الحرس الثوري” الإيراني إلى لبنان كي يلعب الدور المطلوب منه في تأسيس “حزب الله” وذلك بهدف واحد هو بقاء جنوب لبنان جرحا ينزف.

بكلام أوضح، كان مطلوبا في كلّ وقت لعب ورقة التحرّش بإسرائيل، عبر لبنان. وهذه ورقة لا اعتراض لدى تل أبيب عليها ما دامت اللعبة تدور في إطار معيّن يحظى بموافقتها. متى حصل تجاوز لهذا الإطار، كما في صيف العام 2006 حين استخدمت صواريخ لضرب مدن إسرائيلية، جاء القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كي تصير هناك شروط جديدة للعبة وأصول مختلفة لها.

كان اندلاع الثورة السورية في آذار – مارس 2011 تأكيدا لوجود نظام غير شرعي مرفوض من شعبه في سوريا. إنّه نظام الأسد الابن الموروث عن نظام الأسد الأب الذي تأسس عمليا في العام 1967 يوم سقوط الجولان في حين كان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع.

لا يمكن لنظام طائفي انبثق عن انقلاب عسكري في الثامن من آذار – مارس 1963 أن يصبح شرعيا في يوم من الأيام، لا بفضل إسرائيل ولا بفضل إيران وميليشياتها المذهبية.

بعد كل ما دار على الأرض السورية منذ ما يزيد على ست سنوات ونصف سنة، هناك محاولة جدّية تقوم بها روسيا لتوفير شرعية جديدة للنظام تكون بديلا من الشرعية التي وفّرتها له إسرائيل طوال نصف قرن.

ما الثمن المطلوب دفعه من أجل استحصال النظام على تجديد لشرعية ما ضمنها له تسليم الجولان في مرحلة معيّنة ثم تحوله تدريجا تحت شعار “الممانعة والمقاومة” إلى جرم يدور في الفلك الإيراني؟

من الواضح أن روسيا هي من يتولى البحث عن شرعية جديدة لنظام غير شرعي. ما لا يمكن تجاهله في سياق البحث الروسي عن مثل هذه الشرعية أن ملف الجولان المحتلّ بات جزءا من الماضي.

صار مطلوبا إيجاد ترتيبات تتجاوز الجولان وذلك في ضوء الانتصارات التي تحقّقت على الشعب السوري بفضل الميليشيات التابعة لإيران وسلاح الجوّ الروسي. ربّما هذا ما يبحث عنه الرئيس فلاديمير بوتين في أثناء زيارته لطهران التي وصل إليها الأربعاء.

لا شكّ أن روسيا استطاعت إنقاذ النظام. نجحت حيث عجزت إيران وذلك عندما تدخلت عسكريا في مثل هذه الأيّام من العام 2015. حال تدخلها دون سقوط الساحل السوري ودمشق.

لا يزال بشار الأسد مقيما في العاصمة السورية. لكن إقامته في دمشق ليست كافية كي يكتسب النظام شرعية ما بغض النظر عن الأوهام التي تراود كثيرين من المرضى بإمكان تشكيل حلف الأقلّيات في العالم العربي وإقامة الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت، مرورا ببغداد ودمشق في طبيعة الحال.

يندرج الطرح الروسي الذي يشمل الدعوة إلى “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في منتجع سوتشي في سياق إيجاد شرعية لنظام لا شرعية له. هناك كلام روسي فوقي من نوع أن من لا يحضر إلى سوتشي سيجد نفسه “مهمّشا”.

تغيّرت تسمية مؤتمر سوتشي من “مؤتمر الشعوب السورية” إلى مؤتمر “الحوار الوطني”. الهدف محصور بوضع دستور جديد للبلد. ما نفع الدستور في غياب “مرحلة انتقالية” تؤدّي إلى تغيير في العمق. يشمل التغيير رحيل النظام الطائفي القائم وإعادة الحياة إلى ما بقي من مؤسسات مدنية وحتّى عسكرية في الدولة السورية، هذا إذا كان بقي شيء من هذه المؤسسات.

كيف يمكن للمناورة الروسية التي تستهدف إحياء نظام صار في مزبلة التاريخ أن تنجح في سوريا؟ من الواضح أن الدور الروسي الجديد يقوم على التنسيق بين الاحتلالات. هذا هو الرهان الروسي باختصار شديد. روسيا تنسّق مع إسرائيل على كل الصعد وتنسق مع الأميركيين عسكريا، على أمل أن يصبح التنسيق بين موسكو وواشنطن سياسيا أيضا.

وتنسق مع تركيا في العمق. هناك قاعدة تركية بدأ بناؤها في منطقة غير بعيدة عن حلب التي ما كان للمقاتلين المنتمين إلى المعارضة الانسحاب منها لولا حصول اتفاق تركي – روسي. إلى جانب ذلك كلّه، تنسق روسيا مع إيران وميليشياتها المنتشرة في معظم المناطق السورية، خصوصا على طول الحدود مع لبنان.

في النهاية، كيف يمكن لروسيا أن تضمن دورا لإيران في سوريا وتلبية مطالب إسرائيل في الوقت ذاته. هذا هو السؤال الذي يبدو مطلوبا من موسكو الإجابة عنه في ظل إدارة أميركية يبدو واضحا أن لديها حسابات قديمة تريد تصفيتها مع إيران.

وهذا ما ظهر واضحا من خلال خطاب الرئيس دونالد ترامب في الثالث عشر من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي ومن خلال ما صدر عن كبار المسؤولين الأميركيين في ذكرى تفجير مقر المارينز في بيروت يوم الثالث والعشرين من تشرين الأوّل – أكتوبر 1983.

لن تتمكن روسيا في يوم من الأيام من إيجاد شرعية لنظام سوري لم يمتلك يوما أي شرعية من أيّ نوع. هل تنجح، بحثا عن بديل من هذه الشرعية، في التوفيق بين متطلبات إسرائيل وأطماع إيران في ظلّ إدارة أميركية يبدو، أقلّه ظاهرا، أنّها تدرك أبعاد المشروع التوسّعي الإيراني وخطورته؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا والتنسيق بين الاحتلالات روسيا والتنسيق بين الاحتلالات



GMT 12:04 2024 الأحد ,11 آب / أغسطس

الرجل الذي نَحَرَ الدبابة

GMT 19:10 2024 الأحد ,04 آب / أغسطس

اغتيال هنية ونذر الحرب

GMT 20:05 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

هزيمة بطعم دهر

GMT 02:04 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

زوجة واحدة لا تكفي!

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:24 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحمل السبت26-9-2020

GMT 07:07 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

شائعة تبعد "مقالب رامز" عن بركان في الفلبين

GMT 19:46 2019 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

البرلمان المغربي يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2020

GMT 12:54 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواصفات برج القوس ووضعه في حركة الكواكب

GMT 11:02 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

غاريدو يحمل فتحي جمال مسؤولية مغادرته للرجاء

GMT 00:38 2019 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

سيدة ميتة دماغيًا منذ أربعة أشهر تنجب طفلة سليمة

GMT 00:01 2019 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فان دايك يتوج بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا

GMT 00:16 2019 الأحد ,07 إبريل / نيسان

أمل الفتح يتوج بطلا ويحقق الصعود

GMT 01:30 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

بيع أوّل نسخة في العالم من "تويوتا سوبرا GR"

GMT 01:30 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

تعرفي على أفكار لحديقة الزهور ولمسة من الجمال

GMT 10:18 2018 الخميس ,13 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل حياة الدوقة كيت ميدلتون قبل زواجها من الأمير هاري

GMT 01:36 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

وفاء عامر تبدي ألمها بإصابة فاروق الفيشاوي بالسرطان

GMT 07:55 2018 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

الأثاث البني موضة لن تنتهي في عالم الديكور

GMT 20:54 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

قائمة افضل لاعب في العالم بدون جريزمان
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib