قطر من الداخل…

قطر من الداخل…

المغرب اليوم -

قطر من الداخل…

بقلم - توفيق بو عشرين

صور الأمير في كل مكان.. على زجاج السيارات، وفي الشوارع، وعلى واجهات المحلات في كبرى المولات التجارية، وتحتها مكتوب: «تميم المجد». الأغاني الوطنية تملأ الجو حماسا، ومعها يزداد القلق من حصار الأشقاء لقطر، وسؤال واحد يتردد على لسان القطريين: متى ينتهي هذا الحصار؟ ومتى يرجع العقل إلى خليج تدق فيه طبول الحرب في صيف ساخن؟ حركة المسافرين في المطار خفت، وازدادت حركات الدبلوماسيين، غير أن هذا الأسطول الجوي القطري يزود البلاد بما تحتاج إليه لكن بأسعار أكبر، هي كلفة الشحن، لكن دولة الغاز تقول إنها قادرة على الصمود، وإنها يوميا تربح مساحة تعاطف أكبر، فيما يخسر خصومها قضية لا يمكن الدفاع عنها.

هكذا يبدو المشهد من الدوحة التي تستضيف مؤتمرا كبيرا بعنوان المرحلة: «حرية التعبير نحو مواجهة المخاطر». المواجهة المقصودة هي لائحة مطالب السعودية والإمارات والبحرين ومصر بإقفال قناة الجزيرة وتسريح جنود الكلمة منها، لأن علبة الكبريت لم تعد تطاق في منطقة تتنفس الاستبداد، وتريد أن تصدره إلى كل دول الجوار العربي، ولا تحتمل جيبا صغيرا مثل الدوحة يقيم قناة تلفزيونية مزعجة… حضر ممثلو أكثر من 200 منظمة وجمعية وجامعة معنية بحرية الصحافة والحق في الوصول إلى المعلومات، كلهم يعلنون رفضهم مطالب الرياض وأبوظبي بإغلاق الجزيرة، ويعلنون أن الحل ليس في إخراس صوت الإعلام.

«لنتصور أن الاتحاد الأوروبي طالب تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا، بإغلاق تلفزيون BBC»، يشرح صحافي «الأندبندنت» للجمهور الإنجليزي الذي يسأل عما يحدث في الخليج بين الإخوة الأعداء… ممثل cpj، منظمة الدفاع عن الصحافيين، وجد حلا بسيطا لوجع الرأس الذي تشعر به عواصم دول الحصار، فقال: «يجب تحييد وسائل الإعلام عن الصراعات الدولية والحروب الدبلوماسية. أعرف أن هناك من يقبل ومن يرفض خط تحرير قناة الجزيرة، لكن، اتركوا الحكم للريموت كونترول.. إنه جهاز فعال في يد كل مشاهد، ونتائجه مجربة.. إذا لم تعجبهم الجزيرة، سيبحثون عن أخبار في قنوات أخرى».

منظمة هيومن رايتس ووتش، التي كانت حاضرة في المؤتمر الذي نظمته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية، لم تكن مهادنة كعادتها -HRW- حيث قال ممثلها في المؤتمر: «نحن نتضامن مع الجزيرة ومع قطر. الحصار البري والجوي والبحري لا يمكن قبوله من أحد، لأن له تداعيات خطيرة على حقوق الإنسان، لكن لا بد من القول إن في كل أزمة هناك فرصة، والفرصة سانحة اليوم أمام الدوحة لتصير نموذجا في الخليج لاحترام حقوق الإنسان، وبناء دولة المؤسسات»، وأعطى ممثل هيومن رايتس ووتش أمثلة عن خروقات قطر لحقوق الإنسان والإعلام، ومنها: «التضييق على حرية الإعلام المحلي بسن قوانين فضفاضة، وسجن صحافي من ‘‘الدوحة نيوز’’، وإقفال موقع ‘‘الدوحة نيت وورك’’، وعدم إعطاء الجنسية لأطفال المرأة القطرية المتزوجة من أجنبي، وعدم فتح مكتب للمفوضية الأممية لحقوق الإنسان، وعدم التوقيع إلى الآن على اتفاقية جنيف لسنة 1951 التي تلزم الدول باستقبال اللاجئين وحمايتهم»، وختم كلمته باستعارة مقولة لهيلاري كلينتون، مع التصرف فيها، تقول: «حقوق الإنسان هي حقوق المرأة، لتصبح حقوق الإنسان هي حقوق الإعلام». كل هذه الانتقادات سمعها رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، ابن سميخ المري، ودونها أمامه، واستمر اللقاء على إيقاع التضامن مع قطر، وحثها على التقدم في درب بناء دولة المؤسسات وحقوق الإنسان والتعددية السياسية والنقابية، والحق في الإضراب، وما جاورها من حقوق كاملة لا تقبل التجزيء.

سألت أحد العارفين بخبايا الأزمة ومجرياتها في الدوحة فقال: «القطريون يشتغلون سياسيا ودبلوماسيا وكأن الحصار سيزول غدا، ويشتغلون اقتصاديا وكأن الحصار باق إلى الأبد… هذا هو عنوان الاستراتيجية القطرية التي تتحرك على محاور عدة، لإعادة بناء تحالفات جديدة، تحمي قرارها السيادي، وتحمي نظامها من عدوان الجيران، الذين تصرفوا بعصبية كبيرة، فأعلنوا إجراءات لا تتخذها عادة الدول حتى في حالة الحرب: الحصار البري والجوي والبحري وتشتيت شمل العائلات. هذا لم يحدث من قبل»، ثم رجعت أسأله: «هل من حلول وسطى للأزمة»، فأجاب: «كل أزمة لها حل، لكن في ظل التزامات مشتركة وليس في ظل إملاءات من طرف واحد. الرأي العام القطري والدولي أصبح طرفا في هذه الأزمة، ولا يمكن لقطر، مهما اشتد الحصار حولها، أن ترضخ لمطالب غير معقولة. حتى الولايات المتحدة الأمريكية، التي يقودها ترامب الأحمق، لا توافق عليها. ما معنى إغلاق الجزيرة وإقفال القاعدة التركية؟ وهل قنوات العربية وسكاي نيوز والحدث، ومئات المواقع والجرائد والتلفزات التي تمولها أبوظبي والرياض أكثر مهنية من قناة الجزيرة، أم إنها قنوات للخدمة الإنسانية!؟».

تعتبر أبوظبي والسعودية والبحرين ومصر أن الربيع العربي انتهى، وأن قطر هي الدولة الوحيدة التي مازالت تنفخ في جمره، وأن ردعها بحصار شامل، وربما بانقلاب قصر ناعم أو خشن، سيحل المشكلة، وسيفتح الطريق لرجوع حليمة العربية إلى عادتها السلطوية القديمة، خاصة أن هناك تناغما يزداد بين محمدين، الأول في الإمارات والثاني في الرياض، وفوقهما حليف اسمه ترامب يفكر في السياسة بعقلية الدولار، عنده كل شيء بيع وشراء، ولا يهمه في الخليج سوى أرصدته المالية في البنوك والصناديق السيادية… الأمور أعقد من هذه الصورة المبسطة.. الذي ينتج التوترات الاجتماعية والمطالب السياسية والغضب الاقتصادي في العالم العربي هو الفساد والاستبداد، وليس 400 ألف قطري يعيشون في دولة مساحتها 11 ألف كيلومتر مربع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قطر من الداخل… قطر من الداخل…



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 12:50 2021 الخميس ,21 تشرين الأول / أكتوبر

أولمبيك خريبكة يحقق "الريمونتادا" أمام النهضة البركانية

GMT 05:07 2017 الثلاثاء ,15 آب / أغسطس

أطروحة سيئة الذكر

GMT 11:15 2022 السبت ,11 حزيران / يونيو

أفضل الفنادق الفاخرة في باريس

GMT 14:45 2020 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

رسميًا تشيلسي يعلن تعاقده مع إدوارد ميندي

GMT 19:59 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

قلق في الحسنية بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة أنييمبا

GMT 10:52 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

الملكة إليزابيث تستدعي حفيدها لاجتماع أزمة

GMT 15:40 2019 الخميس ,12 كانون الأول / ديسمبر

العثور على أفعى كوبرا برأسين في مدينة هندية

GMT 02:20 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الإمارات والمغرب يبحثان تحضيرات "إكسبو 2020"

GMT 18:31 2019 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

سعيد الصديقي يعترف بتراجع مستوى يوسفية برشيد

GMT 13:26 2019 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

طريقة فعالة لتنظيف السيراميك باركيه

GMT 16:06 2016 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

مجموعة إيلي صعب Elie Saab خريف 2016

GMT 23:21 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

ننشر تطورات مُثيرة بشأن صورة "ماء العينين"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib