هناك ما يبعث على القلق في الانتخابات القادمة

هناك ما يبعث على القلق في الانتخابات القادمة

المغرب اليوم -

هناك ما يبعث على القلق في الانتخابات القادمة

توفيق بو عشرين


كشف وزير الداخلية، محمد حصاد عن بعض أوراقه السرية بخصوص الانتخابات الجماعية المزمع تنظيمها في 2015
ولأن الصدمة كانت قوية، فإن وزير الداخلية حاول أن يغلف بالقطن جوابه أمام البرلمان عن سؤال حول مصير اللوائح الانتخابية القديمة ونمط الاقتراع المنتظر اعتماده في الانتخابات القادمة. وزير الداخلية أشهر «الفيتو» في وجه مطلب إعادة وضع قوائم انتخابية جديدة غير تلك التي وضعها وزير الداخلية السابق، إدريس البصري، سنة 1992، كما أنه رفض أي مساس بنمط الاقتراع الذي كان معتمدا في انتخابات 2009.
وليخفف حصاد من الصدمة على الأحزاب السياسية  في الأغلبية والمعارضة قال: «هذه مجرد اقتراحات، وللنواب والأحزاب كامل الصلاحية في الإدلاء بآرائهم وباقتراحات أخرى».
وزير الداخلية كان يقرأ جوابه من ورقة مكتوبة، وعندما كان يرفع عينيه عن الورقة للحديث إلى نواب الأمة، كان يستعين باللغة الفرنسية التي يعرفها أكثر من العربية، وذلك حتى لا يقع أي سوء فهم، وحتى تصل رسالته إلى من يعنيهم الأمر وبكل وضوح ودقة.
كان وزير الداخلية واليا سابقا، وهو يعرف جيدا الإدارة الترابية والعمليات الانتخابية والمضمون السياسي لنمط الاقتراع وللوائح الانتخابية، وعندما يقول للأحزاب: «إذا كانت لديكم اقتراحات أخرى فمرحبا بها»، فهو لا يقصد ما يقوله. إنها صيغة لينة لتمرير قرارات مثيرة للجدل، فالسيد وزير الداخلية يعرف أن أحزاب الكتلة، مثلا، تطالب منذ 1992 بوضع لوائح انتخابية جديدة مستخرجة من قوائم الحاصلين على البطاقة الوطنية، أي وضع كل مغربي وصل إلى سن الرشد السياسي (18 سنة) في هذه اللوائح دون لف ولا دوران ، وهو يعرف أنه في سنة 2002، تجدد المطلب ذاته من قبل جل الأحزاب السياسية ، وهو مطلب يدعو الى دفن  اللوائح الانتخابية التي وضعها إدريس البصري والتي مازال المغرب يشتغل بها إلى اليوم.
لماذا تصر الدولة على اعتماد لوائح انتخابية قديمة وناقصة وتشوبها عيوب كثيرة، وفيها الأموات والأحياء؟
نصف هذا السؤال سبق لإدريس جطو أن أجاب عنه بصراحة كبيرة عندما كان وزيرا للداخلية، حيث قال: «إننا إذا وضعنا كل المغاربة الحاملين للبطاقة الوطنية أوتوماتيكيا في اللوائح الانتخابية، فهذا معناه أننا سنحصل على قائمة  انتخابية فيها حوالي 24 مليون ناخب، ومن المعلوم أن الانتخابيات لا يشارك فيها سوى 6 ملايين، وهذا يعني أننا سنحصل على نسبة مشاركة ضعيفة لن تتجاوز 25 في المائة، لهذا فإن الإبقاء على اللوائح الانتخابية القديمة، التي لا تضم سوى 13 مليون ناخب، يعطي صورة أفضل عن نسبة المشاركة في بلادنا».
لقد صدق جطو عندما كشف أن اللوائح الانتخابية الحالية، التي لا تضم إلا 13 مليون ناخب، تعطي صورة غير حقيقية عن نسبة  المشاركة في بلادنا ولهذا فإننا بلاد تفضل الخدعة على الحقيقة لأن هذه الاخيرة صادمة..  ستنزل  نسبة المشاركة الى 25 في المائة إذا وضعنا كل البالغين على لوائحها، أما إذا حذفنا الأصوات غير المعبر عنها، فإننا سنصل إلى نسبة أقل من 20 في المائة ، لهذا فإن وزارة الداخلية، التي تعتبر المطبخ السياسي الحقيقي في البلاد، لا تريد أن يسقط النظام في هذه الورطة وتعطي الانطباع بأن جل المغاربة لا يثقون في الانتخابات ولا الأحزاب ولا ما يخرج من صناديق الاقتراع، وعوض أن نواجه هذه الحقيقة وتعالج جذورها من الأصل نفضل أن نكسر المرآة ونرسم صورة لوحة أخرى بالألوان.
أما النصف الثاني من الجواب الذي لم يقله السيد إدريس  جطو، فهو أن اللوائح الانتخابية الحالية والنظام المعمول به في التقييد والتشطيب فيها، أي في الزيادة والنقصان، يتيحان لرؤساء الجماعات، وأغلبهم من الأعيان، التحكم في الهيئة الناخبة عن طريق إضافة زبنائهم المضمونين لديهم، والتشطيب على زبناء خصومهم المحتمل أن يصوتوا لغيرهم. إن السلطات الممنوحة  لرؤساء الجماعات الحضرية والقروية، البالغ عددهم اليوم أكثر من 1600، تجعلهم يضعون لوائح انتخابية مخدومة بالتواطؤ مع بعض رجال السلطة، حيث يهزمون خصومهم بالضربة القاضية حتى قبل بداية المعركة الانتخابية، فمثلا، سنة 2009، اكتشف حزب سياسي كان في المعارضة آنذاك أن رئيس جماعة عمد إلى التشطيب على 15 ألف ناخب بجرة قلم بدعوى تغيير محل الإقامة من دائرته، ولولا أن هذا الحزب فطن إلى المقلب، وعمد إلى مراجعة اللجنة المحلية فإن الرئيس كان سيضمن يوم اقتراع هادئ لا يذهب فيه إلى الصناديق سوى المؤلفة قلوبهم من أتباعه.
إن لجنة المراجعة، التي تتكون من رجل السلطة ورئيس المجلس والقاضي، لا تسمح برقابة جدية على التلاعبات في اللوائح الانتخابية، فإذا تواطأ رئيس المجلس مع رجل السلطة فإن القاضي المسكين لا يبقى أمامه إلا التسليم بالأمر الواقع لأنه لا يتوفر على الوسائل والإمكانيات للتحقق من المعطيات التي يقدمها ممثل السكان وممثل الإدارة الترابية أمامه.
وهكذا، إذن، نكتشف أن اللوائح الانتخابية التي وضعها إدريس البصري تقدم فائدتين؛ فهي تخدم وزارة الداخلية التي تحرص على نسب مشاركة مرتفعة كعنوان على ثقة الناس في اللعبة الديمقراطية، ومن جهة أخرى، تقدم هذه اللوائح الانتخابية هدايا كبيرة للأعيان وتجار الانتخابات و«الشناقة»، الذين يستعملون «وسائل نظيفة» لإفساد العملية الانتخابية بطرق ذكية جدا.
إن اعتماد الحكومة على لوائح انتخابية وضعها إدريس البصري يعتبر من أكبر مظاهر الفشل في محاربة الفساد، وإن استمرار وزارة الداخلية في لعب دور المطبخ السياسي في المغرب يعد أكبر عوامل فشل هذه الحكومة في مقاومة الاستبداد والتحكم.
غدا نتحدث عن نمط الاقتراع والسبب الذي يجعل وزارة الداخلية تتمسك بالنمط القديم، وكلفته السياسية والاقتصادية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هناك ما يبعث على القلق في الانتخابات القادمة هناك ما يبعث على القلق في الانتخابات القادمة



GMT 00:10 2025 الأحد ,22 حزيران / يونيو

المنطقة والحرب وسأم التاريخ

GMT 00:01 2025 الأحد ,22 حزيران / يونيو

إيران وإسرائيل... نزاع وبنك أهداف يتوسع

GMT 23:53 2025 الأحد ,22 حزيران / يونيو

من بلفور إلى ترمب

GMT 23:51 2025 الأحد ,22 حزيران / يونيو

لا حياد في العدوان.. صواريخ تفرح القلوب

GMT 23:46 2025 الأحد ,22 حزيران / يونيو

معنى تفكيك برنامج إيران الصاروخى

GMT 15:41 2025 السبت ,21 حزيران / يونيو

اعتذار متأخر من «مادلين»

GMT 15:39 2025 السبت ,21 حزيران / يونيو

عبدالله الثاني ورفض الاستسلام للقوّة

هيفاء وهبي تتألق بتنسيق اللون الزهري والأسود مع لمسة الذهبي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 06:22 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

عبير الأنصاري ترصد عيوب أزياء النجمات في مهرجان دبي

GMT 22:33 2016 الأحد ,30 تشرين الأول / أكتوبر

أمال بوكير بنت المنطقة الجبلية تدخل قبة البرلمان

GMT 12:41 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

فتاة أردنية تبتكر طريقة رائعة لاستقبال العام الجديد

GMT 12:07 2012 الخميس ,13 أيلول / سبتمبر

الموسيقى الكلاسيكية و الفنون في براغ البوهيمية

GMT 19:18 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

المصابون في فاجعة الصويرة يغادرون المستشفى بعد العلاج
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib