ليبيا والمعادلة الجهادية في المنطقة

ليبيا والمعادلة الجهادية في المنطقة

المغرب اليوم -

ليبيا والمعادلة الجهادية في المنطقة

ادريس الكنبوري

يدل بيان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي دعا الليبيين هذا الأسبوع إلى محاربة الجنرال خليفة حفتر، على أن المنطقة مرشحة لأن تشهد انقلابا استراتيجيا في المشهد الجهادي لمرحلة ما بعد الربيع العربي. وفي الوقت الذي يتجه الملف السوري نحو الحل السياسي، فيما يبدو حتى الآن، بعد اتساع تداعياته الإقليمية، فإن الساحة الليبية تبقى مؤهلة لأن تصبح مسرح الجهاديين خلال الفترة المقبلة.
وبقراءة البيان يمكن استنتاج ثلاث مستويات: المستوى الأول هو أن البيان يظهر حالة من الامتداد بين تنظيم القاعدة في نسخته الجزائرية، خلافا لما كان معروفا من قبل عن هذا الأخير من أنه يحصر عملياته في الداخل فقط، ولم يخرج عن هذا الإطار سوى في حالة حرب مالي. والمستوى الثاني يتعلق بتنظيم القاعدة في نسخته الليبية، إذ يعد البيان بمثابة انتقال نوعي في خطابه الجهادي، بحيث إن التنظيم الآن بات يحدد خيارات أوسع، من خلال إعلان الحرب على قوات الجنرال الذي يحظى برعاية أمريكية وأوروبية، مما يعني أن سقف التنظيم أصبح هو الصراع على الدولة، بعدما كان في الماضي ـ منذ الإطاحة بنظام القذافي ـ يحصر مجال تحركاته في الأطراف. أما المستوى الثالث فهو يرتبط بما ورد في البيان من تشبيه حفتر بالمشير عبد الفتاح السيسي في مصر، وهو مؤشر يتضمن سيناريوهات خطيرة على الوضع داخل أرض الكنانة القريبة من الحدود الليبية، على إثر التحولات السياسية التي شهدتها البلاد منذ الانقلاب على حكومة محمد مرسي، ودلالة هذا التشبيه هو أن الخيار الجهادي صار هو المخرج من الأزمة السياسية.
وقد تحولت الأراضي الليبية منذ انهيار النظام السابق إلى ثوب مرقع يتقاتل فيه العديد من الجماعات المسلحة، التي تسعى إلى ضمان موقع قدم لها في الدولة الجديدة. بيد أن الصراع على حصة في الدولة أعاق بناء الدولة نفسها، مما أدخل البلاد حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، يزيد في تعميقه كون البلد مشكلا من قبائل متعددة ترى في كيان الدولة غنيمة حرب، لا نتاج توافق سياسي، بسبب غياب ثقافة التوافق طيلة العقود التي قاد فيها القذافي البلاد بيد من حديد.
خلال المعارك التي شهدتها ليبيا قبل ثلاث سنوات وأدت إلى سقوط النظام القديم، ظهر تنظيم القاعدة بقوة على السطح، بعد أن كان قد توارى إلى الخلف إثر"المصالحة" التي قام بها مسؤولو الجماعة الإسلامية المقاتلة مع نظام القذافي، نتجت عنها مراجعات فكرية وشرعية أجراها ستة من هؤلاء المسؤولين البارزين، همت بالخصوص قضايا الجهاد والحسبة والحكم على الناس، أي التكفير. بيد أن هذه المراجعات لم تعد ملزمة للتنظيم في مرحلة ما بعد سقوط الدولة المركزية، بل هناك من يشكك حتى في شرعيتها، على اعتبار أنها كانت مجرد تقية سياسية استعملها التنظيم للحصول على العفو عن معتقليه في سجون القذافي، سرعان ما تخلى عنها ما إن اندلعت أولى المعارك.
وقد حاولت البلدان الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، الزج بحلف الأطلسي في معركة إسقاط القذافي، في مسعى للحيلولة دون حصول مقاتلي الجماعة الليبية على أي مكسب سياسي، بعدما شارك حوالى ثماني مائة مقاتل منهم في تلك المعارك، وهو ما يجعل التنظيم يرى في نفسه الأحق بجني الغنيمة من غيره، ويعتبر نفسه غير معني بأي ترتيبات سياسية تجري في العاصمة.
القلق الأمني الذي يثيره "البيان الأول" لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حول الوضع في ليبيا، ينبع من احتمال توسيع البرنامج القتالي للتنظيم الليبي في المرحلة المقبلة. فقد أشار تقرير سري للمخابرات الجزائرية قبل ثلاثة أشهر إلى أن أزيد من سبع مائة جهادي دخلوا التراب الليبي قادمين من سوريا، ينتمون إلى جنسيات ليبية ومصرية وجزائرية وتونسية وعراقية. وإذا صح ذلك فإنه يدل على أن الساحة الليبية أصبحت بالنسبة لهؤلاء الهدف المقبل بعد الساحة السورية، التي تمثل فيها الحد الأعلى من التعدد الجنسياتي للجهاديين منذ الحرب الأفغانية. ومن شأن هذا التحول أن يشكل انقلابا في المعادلة الجهادية بالمنطقة، خصوصا في حال ما تمكن التنظيم من توحيد صفوف جميع الجماعات المسلحة المتطرفة المتواجدة في الأراضي الليبية، في أفق تركيز جهودها على محاربة قوات حفتر الذي تتهمه تلك الجماعات بالقتال نيابة عن الأمريكيين وحلف الأطلسي، ويقارب عدد هذه الجماعات العشرة، إذا أضيف إليها التنظيم الجديد الذي أعلن عنه قبل أشهر، والذي يحمل إسم"كتائب السجين الشيخ عمر عبد الرحمن"، نسبة إلى الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية المصرية المعتقل في السجون الأمريكية، على ما في ذلك من إيحاءات إلى الوضع في مصر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا والمعادلة الجهادية في المنطقة ليبيا والمعادلة الجهادية في المنطقة



GMT 19:25 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

السلاح الذي دمّر غزّة… ويهدد لبنان!

GMT 19:24 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

شاهد عيان على الاستطلاع

GMT 19:23 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

يوم الفرار الرهيب

GMT 19:21 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

الفرق بين ترمب ونتنياهو

GMT 19:20 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

اعتدال «طالبان» ولمْع السراب

GMT 19:19 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

هل السلام مستحيل حقّاً؟

GMT 19:18 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

الأخطر من تسجيل عبد الناصر

GMT 19:17 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

«الكونكلاف» والبابوية... نظرة تاريخية

النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 18:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 21:08 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

الأحداث المشجعة تدفعك?إلى?الأمام?وتنسيك?الماضي

GMT 03:15 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نجاة ممثل كوميدي شهير من محاولة اغتيال وسط بغداد العراقية

GMT 08:02 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

آرسين فينغر الأقرب لتدريب ميلان خلفًا لغاتوزو

GMT 04:11 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

صابرين سعيدة بـ"الجماعة" وتكريمها بجائزة دير جيست

GMT 14:57 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

عمرو الليثي يستضيف مدحت صالح في "بوضوح" الأربعاء

GMT 14:14 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

المدن المغربية تسجّل أعلى نسبة أمطار متساقطة خلال 24 ساعة

GMT 03:21 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

ظروف مشحونة ترافق الميزان ويشهد فترات متقلبة وضاغطة

GMT 06:15 2017 الجمعة ,24 آذار/ مارس

ورم الكتابة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib