الغارمات منظور مخالف

الغارمات ...منظور مخالف

المغرب اليوم -

الغارمات منظور مخالف

بقلم - هديل عبد العزيز

منذ بضعة أشهر انتشر كالنار في الهشيم الحديث حول معاناة النساء اللواتي يتم حبسهن سدادًا لما تم نشره على أنه يرتبط بقروض تمكين المرأة، ومع بداية شهر رمضان الكريم تعالت الأصوات الكريمة مشكورة لسداد ديون النساء وإخراجهن من السجن.  وبكل تأكيد أي جهد لعمل الخير ومساعدة النساء الفقيرات والملهوفات هو أمر كريم يحمد أصحابه، ونسأل الله أن يجازيهم خيرا. لكني اليوم سأوجز رأيي حول هذا الموضوع لأنني أعتقد أن الأمور أخرجت من سياقها، ويجب إعادة النظر للموضوع حتى نساهم في الحل لا في مفاقمة المشكلة.

 في الواقع هذه المشكلة مستمرة منذ أعوام، وقد لمسناها في مركز العدل منذ بضعة أعوام وتوجهنا لأكثر من جهة مقدمة لبرامج التمكين الاقتصادي طالبين منهم أن يكون جهد التوعية القانونية متطلبًا رئيسيًا سابقًا على توقيع القرض، وهذه المشكلة هي جزء من مشكلة أكبر يعاني منها الفقراء في الأردن، فهي ليست حكرًا على النساء وغير مرتبطة فعليًا بمشاريع التمكين الاقتصادي بل ترتبط بسياسة المقرضين عموما.

أنا أزعم أن الخلل الأكبر يكمن في عدم تنظيم الإقراض والبيع بالتقسيط في الأردن، إذ تترك المجال للتجار والمرابين لاستغلال الحاجة وتكبيل المحتاجين بالقروض والوثائق دون أي نوع من الضوابط. فالمقرضون (وكثير منهم مرابين ولا علاقة لهم لا من بعيد ولا من قريب ببرامج تمكين المرأة) يقومون ببيع السلع بالتقسيط مع مضاعفة أثمانها، ثم يقومون بتوقيع المقترض سواء رجل أو امرأة على شيكات وكمبيالات وسندات أمانة، والكثير منهم يقوم بتوقيعهم على موطن مختار لتبليغات المحاكم، والكثير منهم يوقع أوراًقا بيضاء ليتم تعبئتها حسب الحاجة من قبل المقرض في مرحلة لاحقة.

 القانون الأردني يسمح بحبس المدين، وجرائم الشيكات أيضا تؤدي إلى الحبس، وهذا خلق ثقافة تجارية سيئة بأن الدائن لا يحتاج لاتخاذ أي إجراءات تجارية معقولة لضمان أن من يشتري منه بالدين هو فعلا قادر على السداد، فكل ما عليه أن يجأ إلى حبسه حتى الإذعان. وتفتقت العقليات التجارية عن مزيد من الاستغلال من خلال اشتراط أن يكون الكفيل أو المدين امرأة، اعتقادا منهم أن الرجل لو باع روحه لن يسمح لزوجته أو أخته أن تواجه الحبس.

 اليوم في الأردن هناك تجار يرفضون البيع مقابل النقد، ويعلقون يافطات تقضي أن البيع فقط بالتقسيط. ففي الواقع هؤلاء التجار يتاجرون بالدين، وليس بالسلع، ولا يوجد عليهم أي من الضوابط التنظيمية التي تواجهها مؤسسات الإقراض أو البنوك مثلاً، فهم لا يتحدثون عن فائدة قانونية بل يقومون ببيع السلعة بأضعاف ثمنها دون أن يعتبر ذلك ربًا  قانونًا.

 برامج التمكين الاقتصادي لعبت دورًا هامًا، ولا أعتقد أنها فعلًا هي المذنبة بحبس النساء، لكن بكل الأحوال ما ينتشر حاليا من فزعات لإخلاء سبيل النساء رغم نبل غاياتها برأيي لا تحقق الهدف. أوًلا اعتقد أن عدد النساء المحبوسات قد انخفض بشكل كبير، فمثلا تم تزويدي بقائمة مكونة من 177 اسم، لم تبقى منه إلا امرأة واحدة بعد أن تحققنا، إلا أن النساء المهددات بالحبس عددهن أكبر، لكن يبدو أن هؤلاء لا يجتذبن فاعلي الخير إلا بعد أن يدخلن السجون. 

 ثانيا، أعتقد أن تركيز توجيه الزكاة نحو النساء الغارمات دون الرجال الغارمين هو أمر سلبي جدًا، فهو يستثني الشريحة الأكبر التي تحتاج للمساعدة، علما أن المرأة تتضرر من حبس رب الأسرة تمامًا كما تتضرر من حبسها شخصيًا، وستلجأ للدين والمعاناة من أجل إخلاء سبيله.

 ثالثا: إن توجيه المساعدات نحو النساء يكرس الممارسة السيئة التي أودت بهن إلى خلف القضبان ابتداء، فالتجار سيزداد تمسكهم بأن تكون الكفيلة أو المقترضة امرأة إذا زادت فرص استقطابها لمن يسد عنها. الحل طويل الأمد هو تنظيم الإقراض والبيع الآجل، ورفع الحماية الجزائية عن الشيكات، وإلغاء حبس المدين في القانون الأردني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغارمات منظور مخالف الغارمات منظور مخالف



GMT 08:13 2018 الجمعة ,09 آذار/ مارس

سيّدتي لا تصدّقينا

GMT 06:20 2018 الجمعة ,09 آذار/ مارس

الجنة تحت أقدام النساء

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 02:41 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

سؤال للازواج

GMT 15:55 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الصداقة، سعادة

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 19:22 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران
المغرب اليوم - بزشكيان يُحذر من تقنين وشيك للمياه في العاصمة طهران

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 01:02 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى
المغرب اليوم - دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى

GMT 01:37 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب
المغرب اليوم - فيديو قديم مع دينا الشربيني يثير ضجة وروبي تعلق بغضب

GMT 10:37 2012 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سوتشي مدينة التزلج الأولى في روسيا تستضيف أوليمبياد 2014

GMT 14:25 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

انهيار برج ضخم في مصافي حيفا

GMT 10:35 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف أن الهواتف الذكية تجعل المراهقين غير ناضجين

GMT 06:57 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

السودان تحذر من فيضانات على ضفتي النيل الأزرق والدندر

GMT 05:52 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

الخبيرة منى أحمد تُبيِّن مدى قبول كلّ برج للاعتذار

GMT 05:30 2018 الجمعة ,15 حزيران / يونيو

CGI wizardry تعيد الحضارات القديمة وتجسدها للزوار

GMT 08:13 2016 الجمعة ,22 إبريل / نيسان

بيبيتو يكشف دور ميسي وسواريز في تألق نيمار

GMT 18:04 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وزير الرياضة يناقش خطة اتحاد الجودو في 2018

GMT 21:02 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد المغربي يحرم الوداد من منحته السنوية

GMT 07:23 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"روائح مبعثرة" المجموعة القصصية الأولى للعسيري

GMT 05:34 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"سيات ليون كوبرا" ضمن أفضل 5 سيارات في "اليورو"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib