الرئيسية » اقتصاد دولي
التوترات التجارية

بكين -المغرب اليوم

في خطوة غير مسبوقة منذ تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قبل نحو سبع سنوات، أعلنت بكين وواشنطن التوصل إلى اتفاق تجاري شامل يضع حداً جزئياً لحالة الاحتكاك المزمن بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. الاتفاق، الذي أكدت تفاصيله وزارة التجارة الصينية والبيت الأبيض يومي الخميس والجمعة يركز على تسريع صادرات الصين من المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة مقابل رفع الأخيرة قيوداً مفروضة على المنتجات الصينية، مما يعكس تحولاً استراتيجياً في العلاقات التجارية بين الجانبين.

بداية الانفراجة

تبلور الاتفاق خلال سلسلة من المحادثات الفنية رفيعة المستوى بدأت في جنيف في مايو (أيار) الماضي، والتزمت الصين بإلغاء مجموعة من التدابير غير الجمركية التي فرضتها رداً على الرسوم الأميركية. ثم تواصلت المفاوضات في العاصمة البريطانية لندن منتصف يونيو (حزيران)، وتم الاتفاق على «إطار عام» لتسوية الخلافات. وكان التحدي الأساسي حينها يتمثل في إيجاد صيغة مشتركة تُسرّع من تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، وهي المواد الحيوية التي تدخل في صناعة البطاريات، وتوربينات الرياح، والطائرات المقاتلة، وأجهزة الرادار، والمكونات الإلكترونية الدقيقة.
في واشنطن، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن «اتفاقاً وقع للتو مع الصين»، فيما أكد وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك في مقابلة مع «بلومبرغ» أن «الصين وافقت على تسليم المعادن الأرضية النادرة، وبمجرد تنفيذ ذلك ستقوم الولايات المتحدة بإلغاء إجراءاتها المضادة». هذه الخطوة فتحت الباب أمام مصادقة نهائية بين الطرفين، جرى تأكيدها رسمياً في بيان صادر عن وزارة التجارة الصينية صباح يوم الجمعة.

أهمية الاتفاق: أمن صناعي وتوازن استراتيجي

تشكل المعادن الأرضية النادرة نقطةً محوريةً في المنافسة التكنولوجية بين بكين وواشنطن، وتسيطر الصين على أكثر من 80 في المائة من الإنتاج العالمي لهذه المعادن التي لا غنى عنها في الصناعات الحديثة، بما في ذلك الدفاع والطاقة المتجددة والإلكترونيات المتقدمة. وأدت القيود التي فرضتها الصين سابقاً إلى اضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد العالمية، لا سيما لشركات السيارات الكهربائية، والطيران، وشركات أشباه الموصلات الأميركية.
الاتفاق الجديد يُعيد فتح هذه القنوات، ويُخفف الضغوط على الشركات الأميركية التي كانت قد بدأت في البحث عن مصادر بديلة، مثل أستراليا وكندا. غير أن البدائل لا تزال أقل تنافسية من حيث التكلفة والبنية التحتية. وحسب تقديرات وزارة الطاقة الأميركية، فإن الصين تحتكر أكثر من 90 في المائة من عمليات تكرير هذه المعادن، مما يعطيها ميزة تنافسية حاسمة.

بنود الاتفاق: توازن مشروط

يتضمن الاتفاق التزامات متبادلة، من الجانب الصيني يشمل مراجعة فورية لطلبات التصدير المرتبطة بسلع خاضعة لضوابط، وتسريع إصدار تراخيص تصدير المعادن النادرة، شريطة التوافق مع القوانين المحلية.من الجانب الأميركي، رفع تدريجي للقيود المفروضة على المنتجات الصينية، بما في ذلك المعدات التكنولوجية والبرمجيات الصناعية، مع الحفاظ على الضوابط الخاصة بالاستخدامات العسكرية.وأشارت مصادر من القطاع الصناعي الصيني إلى أن الحكومة الصينية ستواصل التدقيق في هوية المشترين لضمان عدم استخدام المعادن في تطبيقات عسكرية أميركية، ما قد يبطئ بعض إجراءات الترخيص لكنه لن يعرقل التنفيذ بشكل جوهري.

دلالات استراتيجية وسياسية

لا يحمل الاتفاق أبعاداً اقتصادية فحسب، بل يعكس كذلك تغيراً في الديناميكيات الجيوسياسية. فمن جهة، يبعث برسالة تهدئة للأسواق العالمية التي عانت من اضطرابات بسبب الحرب التجارية المستمرة منذ 2018. ومن جهة أخرى، يُعد خطوة تكتيكية من الإدارة الأميركية في سياق إعادة ترتيب التحالفات الاقتصادية، خصوصاً بعد الحديث عن اتفاق منفصل مرتقب مع الهند قد تُفتح بموجبه السوق الهندية بشكل أوسع أمام المنتجات والتقنيات الأميركية.كما يساهم الاتفاق في تخفيف الضغوط التضخمية التي تسبب بها نقص المعادن الصناعية، ويدعم خطط التحول إلى الطاقة النظيفة، في ظل التزام واشنطن بتحقيق أهدافها المناخية بحلول عام 2035.

تحديات التنفيذ وبوادر الثقة

رغم أن الاتفاق يمثل خطوة إيجابية، فإن طريق التنفيذ لن يخلو من التحديات. فالثقة المتبادلة لا تزال هشّة، وهناك قلق من عودة التصعيد حال حدوث أي إخلال بالاتفاق. كما أن غياب التفاصيل الدقيقة حول آلية المراقبة والتقييم الدوري للامتثال قد يفتح الباب لتفسيرات متضاربة لاحقاً.لكن المؤشرات الأولية، مثل منح الصين تراخيص تصدير مؤقتة لعدد من كبار مصنّعي السيارات الأميركيين، تعكس جدية الطرفين في المضي قدماً، ولو بشكل تدريجي، نحو مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي.

اتفاق جزئي بطموحات كبرى

يُعد الاتفاق الأخير بين الصين والولايات المتحدة خطوةً استراتيجيةً في سياق طويل ومعقد من العلاقات التجارية المتوترة. وإذا ما التزم الطرفان ببنوده، فقد يشكل أساساً لاتفاق أوسع نطاقاً في المستقبل. أما إذا تعثر تنفيذه، فقد نشهد جولة جديدة من التصعيد والمواجهة.وفي عالم تتداخل فيه المصالح الاقتصادية بالأمن الجيوسياسي، تظل مثل هذه الاتفاقات بمثابة «هدنة مشروطة» لا أكثر، بانتظار أن تثبت الأيام مدى صلابتها.

قد يهمك أيضــــــــــــــا

الكونغرس الأميركي يناقش مشروع قانون ترمب لخفض الضرائب

 جدل واسع يثيره منشور ترامب حول سماح محتمل للصين بشراء النفط الإيراني

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

تركيا تحصل على رفع في التصنيف من موديز بفضل…
المواني الألمانية تحتاج 17.6 مليار دولار استثمارات أولية للتطوير
الصين تسجل ارتفاعا في الإنفاق المالي بنسبة 3.4 %…
ترمب يؤكد تفضيله لقوة الدولار في مواجهة التضخم
أسعار الذهب تتراجع مع انحسار في الضبابية عقب اتفاق…

اخر الاخبار

فرنسا تصف منظومة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية بـ"المخزية"
ترامب يحذر مدفيديف من تجاوز الخطوط الحمراء ويدعوه لمراقبة…
مصرع 13 مصرياً في غرق قارب هجرة غير شرعية…
استشهاد الملك عبدالله الثاني بكارثة غزة الإنسانية ووصفها بأنها…

فن وموسيقى

رحيل الفنان لطفي لبيب عقب مسيرة فنية حافلة بالعطاء…
محمد فراج يعود بمسلسل كتالوج في تجربة إنسانية عميقة…
أنغام تنفي إصابتها بسرطان الثدي وتطمئن جمهورها قبل طرح…
لطيفة تؤكد أن ألبوم "قلبي ارتاح" يعكس روحها وأعادت…

أخبار النجوم

فيروز تهمس بحبها لمصر في لقاء قصير مع السفير…
محطات فنية صنعت شهرة لطفي لبيب
بسمة بوسيل تكشف عن علاقتها بتامر حسني وتؤكد أنهما…
آمال ماهر تحقق إنجازاً غير مسبوق على تيك توك…

رياضة

القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة أثناء العودة…
يوفنتوس يسعى لضم المغربي سفيان أمرابط من فنربخشة التركي…
ريال مدريد يستعد لجني أرباح ضخمة بعد إعلان مبابي…
ليفربول يضم موهبة مصرية جديدة كريم أحمد يوقع عقده…

صحة وتغذية

8 مشروبات صباحية تُوازن سكر الدم بشكل طبيعي
وزير الصحة المغربي يُعلن إطلاق المجموعات الصحية الترابية للارتقاء…
معدل مشي يومي جديد يساعد في الوقاية من الأمراض…
وزير الصحة المغربي يكشف تفاصيل مرسوم جديد لخفض أسعار…

الأخبار الأكثر قراءة

أمازون تضخ 233 مليون دولار في الهند لتعزيز عملياتها…
ترمب يهاجم باول من جديد ويتهمه بتدمير الاقتصاد الأمريكي…
الذهب يرتفع بفعل توترات الشرق الأوسط مع تنامي الطلب…
الذهب يقفز لأعلى مستوياته في شهرين مع تصاعد التوتر…
الدولار يهبط مع تزايد توقعات خفض أسعار الفائدة الأميركية