الرئيسية » مراجعة كتب

تونس ـ وكالات

تأتي عبارة "فلاق" التي أطلقت على بعض الكتاب في تونس وبينهم الروائي عبد الجبار المدوري استعارة لرفض هؤلاء التفاوض مع النظام البائد ومهادنته والدفع بمقاومته إلى أقصى مراحلها برفض كل ضوابطه ومنها قانون النشر. لم يعترف المدوري بهذا القانون أو ما يسمى "الايداع القانوني" بعد أن منع نظام بن علي كتبه فأصدر أعماله على نفقته أو نسخها نسخا وأطلقها في المكتبات أو وزعها بيديه على القراء. في ظل مناخات جديدة بعد الثورة أصدر المدوري منذ أيام رواية جديدة بعنوان "من تحت الرماد" عن دار الفينيق استوحى عنوانها من قصيدة الشابي "إلى طغاة العالم"، وتدور عوالمها حول الاعتقال وتوابعه من خلال عائلة تونسية بسيطة يسجن عائلها الوحيد بسبب نضاله السياسي ودفاعه المستميت عن العمال والكادحين. تمثل رواية عبد الجبار المدوري أو "جلال الطويبي" -الاسم المستعار الذي كان يكتب به زمن الدكتاتور بن علي- أحد النصوص الروائية المهمة التي تؤرخ لعالم الاعتقال السياسي في تونس في تسعينيات القرن الماضي. وقد اختار المدوري أن يلتزم بالأسلوب التسجيلي الذي يضفي مصداقية أكثر على هذا النمط من الكتابات التي تسعى إلى تأريخ وتسجيل فظائع هذا العالم. غير أن صاحب رواية "رغم أنفك" يركز اهتمامه في عمله الجديد على ما خلفه الاعتقال السياسي من أثر في عائلة المعتقل وما عاشته كل من الطفلة وأمها المريضة من معاناة بسبب تغييب الأب والزوج عقابا لتمسكه بحرية شعبه وحقه في التعبير.تنتمي "من تحت الرماد" إلى تيار الواقعية التسجيلية وتتخفف من المجازات والشعرية لتنهض اللغة براغماتية تقوم بدور واحد وهو الإبلاغ والوصف، وهو ما دفع بالناقد والجامعي د. جلول عزونة إلى تشبيهها بأعمال "فلوبير" و"زولا"، مدرجا إياها ضمن التيار الواقعي والتيار الطبيعي في الآداب الغربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.وتكشف الرواية حقيقة الممارسات الدكتاتورية في تونس، فالنظام لا يكتفي بسجن المعارضين إنما  يحاول أن يدمر أسرهم بالتجويع، للضغط على السجين وتركيعه، فتغلق أبواب الرحمة في وجوه أسر المساجين ويتواطأ النظام بعملائه وأذرعته الكثيرة لسحق العائلات المسحوقة أصلا، ويرفض العمدة -مسؤول محلي- مساعدة الزوجة والأم المريضة من دون بقية المواطنين ويرد عليها "زوجك مخرب ونحن لا نساعد المخربين".تنطلق الرواية من درس بسيط عشناه جميعا عندما تطلب المعلمة من تلاميذها أن يكتبوا موضوعا  للإنشاء حول شأن يشغلهم لتجد الطفلة "حنان" ابنة السجين السياسي نفسها أمام أسئلة عن مصيرها ومصير عائلتها.تقول الرواية "عندما مرت بجانب المقبرة، كان فكرها مشغولا بأمور أخرى.عدة أسئلة تكدست داخل رأسها. لماذا سجن أبوها؟ وكم سيبقى في السجن؟ وهل أن أباها خطير إلى درجة أن العمدة والمعتمد (مسؤلان محليان) اعتبراه مخربا ورفضا مساعدتهم؟ ولم أصبح الجيران يتجنبون مخالطتهم منذ أن سجن أبوها؟ وماذا يريد هؤلاء الأعوان بالزي المدني الذين كثيرا ما نراهم يراقبون البيت؟ وكيف ستتمكن أمها المريضة من مواجهة كل هذه المشاكل؟ ولم رفضت السماح لها بالعمل خادمة عند المعلمة؟".في هذه الحزمة من الأسئلة التي طرحتها الطفلة حنان تتلخص كل أسئلة الرواية وطروحاتها عن القمع في تونس. يكتب صاحب "أحلام هاربة" كيف أن السلطة تقدم عائلة السجين السياسي كنموذج مصغر للشعب، لما يمكن أن يحصل له إن تمرد وخرج عن النظام، فتشيع السلطة بذلك حالة الرهاب بين الناس من النشاط السياسي المناوئ لها، ويصبح المناضل موبوءا هو وأسرته ويهجر، ويقع تجنبهم من جيرانهم وحتى عائلاتهم.ظلت منطقة الشمال الغربي في تونس من المناطق المسكوت عنها أدبيا لسنوات طوال، ولم تبرز إلا في الشعر مع الطاهر الهمامي، أما سرديا فظلت الأعمال الروائية والقصصية المنشغلة بها وبهمومها قليلة، فقد كان الشمال الغربي مهمشا تنمويا في ظل نظام بن علي وقبله بورقيبة، لكنه عصي على الأنظمة التي تداولت على تونس إلى حد الآن. ولعل من مميزات رواية عبد الجبار المدوري أنها تعيد كتابة مناخات الشمال الغربي سرديا لتؤرخ لهذا الجزء من تونس المنسي والمغيب نتيجة سياسة المناطقية التي انتهجتها الأنظمة من ناحية ونتيجة لتمرد هذا الشمال سياسيا من ناحية أخرى.ومن ثم يضطلع الروائي -وهنا عبد الجبار المدوري- بدور المؤرخ للمغيّب والمستبعد من التاريخ المعاصر الرازح تحت وطأة المستبد، ولعل هذا ما كان أشار إليه عبد الرحمن منيف حين قال "إن الأجيال القادمة ستحتاج إلى قراءة التاريخ عبر الروايات أكثر من التاريخ الرسمي". وقد نجح الكاتب عبد الجبار المدوري في نقل تلك العوالم الريفية ومعاناة أهلها كبارا من أجل الحصول على لقمة العيش وصغارا من أجل الوصول إلى حقهم في التعليم ونساء من أجل حقهن في الوجود والفعل.تكتب الرواية ملحمة ما سمي بـ"الزيرو ويت" أو صفر ثمانية -كود الهاتف لبعض المحافظات في تونس- تلك التسمية التي ساهم في إطلاقها النظام البورقيبي وكرسها النظام الذي تلاه على منطقة معدومة فقيرة كانت أولى المناطق التي ثارت ضد بن علي في التسعينيات وهبّت مرة أخرى في ثورة 14 يناير، وظلت متحفزة حتى بعد الثورة مؤكدة تمسكها بالحرية وبالكرامة.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

إصدار جديد يقارب حصيلة الدراسات الأمازيغية في المغرب
مؤلف يرصد البرلمان المغربي في ظل ثلاثة ملوك
رواية "وجوه يانوس" تقود أول امرأة إلى رئاسة الحكومة…
ديوان شعري أمازيغي يدعم مرضى السرطان الفقراء
أول عدد من "مجلة تكامل للدراسات" يرى النور

اخر الاخبار

شعار عن محرقة غزة على حائط المبكى يثير إدانات…
الحرس الثوري الإيراني ينتقد تصريحات بزشكيان للتفاوض لتجنب الهجوم
دونالد ترامب يؤكد أن حركة حماس لن تفرج عن…
المغرب يوقف شاباً موالياً لداعش كان يحضر لعمليات إرهابية…

فن وموسيقى

لطيفة تكشف رغبتها في تقديم أغنية مهرجانات وتتحدث عن…
نبيل شعيل يعود الى الحفلات في مصر بعد غياب…
أصالة تعلن موعد زيارتها الأولى إلى سوريا بعد غياب…
رحيل الفنان لطفي لبيب عقب مسيرة فنية حافلة بالعطاء…

أخبار النجوم

جورجينا رودريغيز تثير الجدل بخاتم زواج يوحي بموافقتها على…
عمرو دياب يشارك أجواء الصيف مع ابنتيه جانا وكنزي
كريم عبد العزيز يؤكد أن المرأة مظلومة ويشدد على…
أنباء انفصال ياسمين رئيس تشعل السوشيال ميديا وزوجها يرد…

رياضة

انتقادات تطال محمد صلاح بعد خسارة ليفربول وغياب أرنولد…
3 منتخبات عربية تودع كأس آسيا في جدة مع…
المغربي أشرف حكيمي ينفي تهمة الإغتصاب ويؤكد ثقته الكاملة…
قائمة المرشحين لجائزة الكرة الذهبية 2025 وتشيلسي وبرشلونة في…

صحة وتغذية

الذكاء الاصطناعي قادر على اكتشاف سرطان الحنجرة عبر تحليل…
"إيلي ليلي" تكشف عن نتائج مثيرة لدواء جديد لإنقاص…
أزمة الأدوية في موريتانيا تدفع المرضى للبحث عن العلاج…
بشرى لمن يريد خسارة الوزن بعد تصنيع دواء يفقد…

الأخبار الأكثر قراءة