الرئيسية » مراجعة كتب

في رواية لا تعقيدات تقنية فيها تأخذك الساردة (قناع الراوي) في 'أنا وهي والأخريات' للروائية اللبنانية جنى فواز الحسن، من أول استهلالها وحتى خاتمتها في جلسة بوح عن 'هي والأخريات'، لكنك أيضا تكتشف أن الكل حاضر في ثنايا العمل، إذ لا خصوصية للأنا والذات في المجتمع البطريركي القمعي الذي تعاينه الحسن. تسائل الرواية مجتمعا يعيد تخلفه وتنقلب فيه صورة الراوية (سحر) إلى وجه آخر من أمها الهاربة منها، ويصبح المتشدد دينيا وجها قمعيا عنيفا، يستعيد إرثا غير متسامح يبرر به مهاجمة الآخر المخالف، ويستخدم عنفا غير مسوغ مع الآخر (المرأة).ويحضر في الرواية أيضا الماركسي المسلوب من حياته إلا تلك المعيشة في الأوراق التي يغرق فيها، وهما معا يعكسان هوية غائمة للمجتمع الذي يعيد إنتاج بنيته المتخلفة والقمعية، ويصبح مقاومو تلك البنية المجتمعية المراد الثورة عليها ملوثين بدائها.تحكي سحر المولودة لأب ماركسي –انهار جدار برلين وتفتتت عرى الشيوعية وهو بعد يحلم بالعدالة التي تشي بها- وأم متدينة يختلط الدين لديها بالموروث الشعبي (الشعوذة) التي تلجأ إليها لإعادة وصل حميم مع الزوج الذي توحد مع أحلامه وقراءاته وصور تشي غيفارا وغيره من ثوريين حالمين.هذا انشطار أول للهوية وقد غدت هويات، والأنا التي تصبح فيما بعد 'أنات'، و'كأن الأنا التي تعيش فعلا، تراقبها أنا أخرى ترقب الأحداث وتسجلها'.وفي زمن مبكر تبدأ الأنا المحاصرة في البحث عن ذاتها في المجاميع الذين تسجل الرواية حكاياتهم، زوجها الذي ترتبط به وتظل أسيرة لنظرته عن كونها بنت الكافر الملحد، وصديقتها هالة التي تعيش قصة حب خائبة وزواج ينتهي مبكرا ليفضي بها ذلك إلى غير ما هي عليه، ومكان (طرابلس) في لبنان ترصد فيه بدايات انشقاق الهوية المجتمعية وبروز الديني المتشدد.وفي الرواية حكايات عن 'خيانات' ترفض سحر تعريفها وفق الرؤية المجتمعية، فالخيانة يفترض أن تكون لمشاعر حقيقية بين الأزواج، وهي غير موجودة أصلا لا في حالتها -وهي التي كان الزواج لها بمثابة طوق نجاة من عائلتها ورحمها الاجتماعي الأول- ولا بطلاتها هالة وغيرها.وبالتالي فإن الأجساد تبحث إما عن ملاذات مشاعرية كما 'ربيع' بالنسبة لها، وهو المنشطر على ذاته أيضا، أو في حالة هالة التي تجد في السفر ملاذا أخيرا لها، وكأنما الخيانة حسب مسوغات الرواية أداة الجسد للانتقام وربما الدفاع عن روح تسحق.وفي الرواية أيضا كذب كثير هو ملجأ الساردة في بوحها، غير أن هذا الكذب يغدو واقعيا أكثر من الواقعية ذاتها لمجتمعات مقهورة تشع غرائبية وعجائبية، كما مجتمعات تعاينها وتسائلها الرواية.كما أن القمع والتعنيف الذي تنال البطلة كثيرا منه على يد زوجها ليس حكرا على العائلة بوصفها حاضن المجتمع الصغير، فهو يتسلل إلى السلطة باعتبارها بنت المجتمع المقهور الشرعي، هكذا في لقطة سينمائية موظفة بعناية تخترق رصاصة إحدى شخصيات الرواية التي لم يستطع أن يتخلص من مشهد اغتصابه في أحد معتقلات السلطة.لا حكاية معقدة إذن، تفاجئ بها الرواية التي شقت طريقها إلى قائمة بوكر الطويلة وصدرت عن الدار العربية للعلوم، فهي حديث الصحف والتناول اليومي عن زوجة تعنف وعدم تكافؤ في الرباط الزوجي، وشباب يفرون إلى بؤر الجهاد لا لتحقيق نصر بل للهروب من ذواتهم، وهويات تتمزق وتنشطر.غير أن الرواية على حميمية البوح فيها تعيد المتلقي إلى مقولات 'هشام شرابي' عن المجتمع الأبوي المغلق، وتعيد السؤال عن القاع السوسيولوجي وبناه المتكلسة التي لا تفرز ثورة عليه بقدر ما تعيد إنتاجه. في الرواية أيضا حديث طويل حول إعادة شرعية السؤال عن الهوية والأيديولوجيات التي تعد أقنعة للراسخ والثابت، الذي يفرز السلطة القمعية ويمد الاستبداد بوقوده المشتعل على الدوام.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

إصدار جديد يقارب حصيلة الدراسات الأمازيغية في المغرب
مؤلف يرصد البرلمان المغربي في ظل ثلاثة ملوك
رواية "وجوه يانوس" تقود أول امرأة إلى رئاسة الحكومة…
ديوان شعري أمازيغي يدعم مرضى السرطان الفقراء
أول عدد من "مجلة تكامل للدراسات" يرى النور

اخر الاخبار

المغرب يوقف شاباً موالياً لداعش كان يحضر لعمليات إرهابية…
الملك محمد السادس يهنئ رئيس تشاد بعيد بلاده الوطني…
مبادرة جديدة لإحياء مفاوضات غزة بمشاركة تركية
قسد تتهم قوات الأمن السورية بتنفيذ تحركات مشبوهة في…

فن وموسيقى

لطيفة تكشف رغبتها في تقديم أغنية مهرجانات وتتحدث عن…
نبيل شعيل يعود الى الحفلات في مصر بعد غياب…
أصالة تعلن موعد زيارتها الأولى إلى سوريا بعد غياب…
رحيل الفنان لطفي لبيب عقب مسيرة فنية حافلة بالعطاء…

أخبار النجوم

عمرو دياب يشارك أجواء الصيف مع ابنتيه جانا وكنزي
كريم عبد العزيز يؤكد أن المرأة مظلومة ويشدد على…
أنباء انفصال ياسمين رئيس تشعل السوشيال ميديا وزوجها يرد…
أحلام تعلن مشاركتها في مهرجان قرطاج بدون مقابل وتوجه…

رياضة

انتقادات تطال محمد صلاح بعد خسارة ليفربول وغياب أرنولد…
3 منتخبات عربية تودع كأس آسيا في جدة مع…
المغربي أشرف حكيمي ينفي تهمة الإغتصاب ويؤكد ثقته الكاملة…
قائمة المرشحين لجائزة الكرة الذهبية 2025 وتشيلسي وبرشلونة في…

صحة وتغذية

الذكاء الاصطناعي قادر على اكتشاف سرطان الحنجرة عبر تحليل…
"إيلي ليلي" تكشف عن نتائج مثيرة لدواء جديد لإنقاص…
أزمة الأدوية في موريتانيا تدفع المرضى للبحث عن العلاج…
بشرى لمن يريد خسارة الوزن بعد تصنيع دواء يفقد…

الأخبار الأكثر قراءة