الرئيسية » في المكتبات

بيروت ـ وكالات

كتابة المكان في القصيدة العربية الحديثة- والأحدث- لا تعني العودة إلى جذورها الأولى التي انشغلت برسم ما أحاط بالشاعر القديم من مفردات بيئته وعناصر حياته، وإنما هي كتابة تمثل روح الشعر وجوهر طبيعته في كل زمان ومكان. والشعراء الذين تفتقد في قصائدهم رائحة المكان وتجليات ملامحه وانعكاسها على ذواتهم الإنسانية المستيقظة من جهة، وفي شعرهم من جهة أخرى، ليسوا سوى مقلدين حتى لو أوغلوا في حياة العصر وأحسنوا في توصيف مستحدثاته. فالشاعر هو ابن المكان، مكان طفولته ومراتع صباه وشبابه، أو مكان إقامته وترحاله، وما تحفل به الأمكنة من مشاهد ومعالم ورؤى وأطياف وما تزخر به من مفارقات يغتني بها الشعر. وإذا كان التواصل الحميم مع الأمكنة من طبيعة الشعر، فإنّ حساسية هذا الاتجاه في أعمال شعراء الجزيرة العربية يبدو أكثر وضوحاً منه لدى زملائهم في بقية أنحاء الوطن العربي. وفي «عُمان»، البلد الذي تسبح بعض أقدام جباله في البحر، يأخذ الشعر- الجديد منه خاصة- هذا المنحى الذي كان وما زال يمثله ببراعة الشاعر الكبير سيف الرحبي حيث يتجسد المكان في أعماله الشعرية في صور وإحالات مدهشة. ومنذ أيام وقعت في يدي المجموعة السابعة للشاعر العماني زاهر الغافري «كلما ظهر ملاك في القلعة» فأدهشني توظيفه الشعري اللاواعي لموضوعية المكان والرحيل في تفاصيله الدقيقة، من دون أن يسافر بعيداً عن عالم الشعر وأجوائه الواقعي منها والمتخيل. زاهر الغافري شاعر دائم التنقل، وهذا ما توحي به أعماله الشعرية التي تحمل نكهة الأمكنة التي أقام فيها. وإذا كان زاهر من عشاق الأسفار فمعنى ذلك أنه من عشاق الأمكنة، ويبقى المكان العماني عالقاً في ذاكرته وفي ثنايا لغته مهما أوغل في البعد عنه غرباً إلى الولايات المتحدة، وشمالاً إلى السويد بالقرب من سقف الدنيا. يكتشف قارئه أنّه شاعر مشدود إلى وطنه الأول، ولن تفاجئك صورة عُمان، في ثنايا النصوص التي تتوزعها أعماله الشعرية المتتابعة وآخرها «كلما ظهر ملاك في القلعة» (دار الانتشار العربي)، ومن النصوص الموحية بهذا المعنى: الجبال بعيدة/ وهذا الألم الطالع من الأمواج/ بلا ملوحة/ ليس خطأ بعد الآن/ أن يمرح السحرة/ فوق الغيوم/ المنازل خالية/ وكلّ وجه أصادفه صقيل/ كحجارة الوادي المغمورة/ في ضوء القمر (ص37). هذه صورة عمانية صرف ترخي بظلالها على مكان ما في ذلك البلد، وهي تجمع بين الجبال والبحر، والمنازل الخالية وحجارة الوادي وضوء القمر الذي لم تعد العيون تراه إلاّ في قرانا العتيقة والقريبة من الصحراء. وطالما كان النص الشعري لوحة أو مرآة نقرأ فيها وجه الشاعر وننصت إلى إيقاعات مشاعره فإن انخراط زاهر في عالم السفر ومغامراته في العالم الجديد بمشاكساته ومدلولاته، وما اتسم به من مغايرة وغرابة لم تفقد شعره الظلال ولا الإطلالات التي تحفظ كينونته الأولى (حنينه الدائم) المتعلق بوجوده الأول: «تمشي على حافة العالم/ لتصل إلى الوديان التي أضعتها/ في طريقك تشع الحجارة/ كذهب الذكرى/ الرحلة طويلة للغاية/ الريح تتبع تلويحة اليد/ واليأس يضيء/ عينيك الحالمتين/ بالنجوم» ( ص50). إنها صورة مكتملة مما اختزنه الشاعر عن مراحل طفولته وأوجاعه التي لا تنفك تستيقظ كلما رأت ما يغايرها أو يذكّر بها، بما في ذلك الحديث عن المرأة الأسكندنافية الباكية، من دون أن تذرف دمعة واحدة والتي نطالع وجهها الباكي في نصّ من أجمل نصوص هذه المجموعة، كما لم تنسه الإشارة إلى «ابن فضلان» الرحالة العربي الذي اقتحم أوروبا بمفرده، ورسم في رحلته كيف كان الأوروبيون يتمرغون في حالة من الفوضى والتخلّف، وإشارته هذه لا تزيد عن سطور ثلاثة: «من هنا/ مرّ ابن فضلان/ في سفن القراصنة» (ص76). وهنا يتكشّف حنين الشاعر إلى المكان الأول بطبيعته وناسه وتاريخه.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

المكتبة الوطنية للمملكة المغربية تستأنف أنشطتها في هذا التاريخ
إصدار كتاب جماعي جديد يتحدث عن قيمتَي الوفاء وحفظ…
"رياح هادئة" تحمل حوارات ياسين عدنان مع فوزي كريم…
إصدار كتاب يرصد علاقة المثقف بالدولة في "العهد الإسلامي"
سيرة التكوين للمفكر سعيد بنكراد سرد ذهني "يحمل الحيرة…

اخر الاخبار

ترامب يهاجم رئيس بلدية شيكاغو وحاكم إيلينوي ويطالب بسجنهما
الاتحاد الأوروبي يخطط لإنفاق ألفين وخمسمئة مليار يورو على…
الأردن صدور أحكام بحق المتهمين في قضايا خلية الفوضى
اجتماع عربي أوروبي مواز في باريس دعما لخطة غزة…

فن وموسيقى

شيرين عبدالوهاب تعود الى جمهورها بعد سنوات من الالم…
غادة عادل تكشف تفاصيل تجربتها السينمائية الجديدة وتؤكد أنه…
منه شلبي تتالق بالاحمر في العرض الخاص لهيبتا وتكشف…
ليلى علوي تتلقى دعم مهرجان الاسكندريه بعد انتشار مزاعم…

أخبار النجوم

حمزة نمرة يترشح رسميا لجوائز غرامي وينافس على فئتين
احلام تشعل مواقع التواصل بمبادره فنيه جديده مستوحاه من…
آسر ياسين يكشف تفاصيل دوره في فيلم "وتر واحد"
محمد هنيدي يعلن عودة يوسف معاطي للدراما في مسلسل…

رياضة

صلاح يواجه موسما صعبا مع ليفربول والارقام لا ترحمه
بيريز يوضح الفرق بين انضمام رونالدو ومبابي لريال مدريد
اعتداء على نايف أكرد في مطار مرسيليا واللاعب يصفه…
ريال مدريد يفكر في اعادة الظهير المغربي اشرف حكيمي

صحة وتغذية

تأخير معادلة الشهادات الأجنبية يفاقم نقص الأطباء بالمغرب
اكتشاف علمي يمهد لعلاج جذري لمرض السكري من النوع…
وزير الصحة المغربي يكشف عن إطلاق إصلاح هيكلي للقطاع…
خبراء يحذرون من تناول الحبوب من دون ماء

الأخبار الأكثر قراءة