الرئيسية » في المكتبات

القاهرة ـ وكالات

صدر حديثا عن دار الشروق كتاب «ياسر عرفات.. جنون الجغرافيا»، للكاتب نبيل عمرو، وقد استعان الكاتب بذاكرة عينيه وأذنيه ليقدم قراءته الخاصة لتجربة معقدة بقدر عبقرية صاحبها، الرجل الذى لم يمت سحره بموته المفاجئ. فى الجزء الأول من هذا التوثيق لتجربة عرفات، يقدم نبيل عمرو نصا سهلا ممتنعا يغلف الوقائع بالتفسير الذاتى لدوافعها، ويجمع فى هذا العمل بين موهبة الكاتب المحترف واستنتاجات السياسى المحترف فى تناغم طبيعى بعيد عن التصنع، متحررا من الشيزوفرانيا التى هيمنت على المنتج الكتابى للكثيرين من أقرانه. كنت ممن قرأوا مسودة الكتاب قبل صدوره، وقد انتابتنى هواجس ومخاوف من خروج نبيل فى هذا الكتاب عن أسلوبه المعهود فى الكتابة واستسلامه لنوازع السياسى الخارج من معارك كسر العظم بمرارات لا يشعر ببعضها الا من عايشوا تجربته السياسية، ولو فعل لكان ذلك مفهوما ومبررا وإن لم يكن مقبولا. لكنه آثر الالتزام بدور الراوى ــ السياسى ــ الواقعى، مبتعدا عن أسطرة ذاته، ومنسجما مع حقيقة أن الكتاب ليس سيرة ذاتية بل قراءة لمرحلة توزع أبطالها على امتداد جغرافيا العمل الفلسطينى. ولعلنى أعترف فى ذات السياق بأننى أحاول تمثل إحساسه فى الكتابة لأتحرر فى هذا العرض من انحيازى له ككاتب وكسياسى وكمناضل.  حاول نبيل أن يتحدث عن عرفات من خلال جنون القائد التاريخى بالجغرافيا، وكان فى هذا السرد يتحدث عن الآخرين من أبطال الدراما الفلسطينية، فلسطينيين كانوا أم عربا، من خلال جغرافية الجنون، وهى مساحة الفعل السياسى فى مرحلة كان فيها كل شيء متطرفا فى شرق قيل لنا إنه «أوسط». هكذا مارس الكاتب حرفيته السياسية من خلال اللعب على اللغة، فى وصفه للمرحلة وفى تفسير بعض محطاتها المحيرة، وكأنه يريد القول إن المنطق ينبغى أن يغيب تماما عن قراءة الفعل ورده فى زمن الجنون، لكن هذا الاستنتاج جاء مكثفا فى سرد منطقي! وهنا يكمن سر الجمع بين الكاتب والسياسى فى نص واحد. ولأننى أعرف الكاتب عن قرب، فإننى أوقن أنه لا يتصنع هذا الجمع ولا يحاول الايحاء برزانة غير أصيلة فى النص وفى النفس، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك حين يعترف فى استهلاله للكتاب بأن ما يقدمه هو انطباعات شخصية تولدت لديه من خلال معايشة القائد عن قرب فى لحظاته الحلوة والمرة. بطريقة أو بأخرى كان نبيل عمرو فى أجزاء كثيرة من هذا السرد التوثيقى يكتب عن تجربته الذاتية من خلال الآخرين، وكان أيضا يكتب عن تجارب الآخرين من خلال رؤيته الخاصة التى يعترف بأنها تحتكم إلى العقل أكثر مما تحتكم إلى الحواس، فلم ينزع إلى المبالغة فى الوصف رغم إغواء المبالغة فى وصف لحظات تختزل قدرا كبيرا من الدهشة حين تقدم الموت الفردى وكأنه تفصيل صغير فى مشهد الموت الجماعى الذى بدا وكأنه قدر الفلسطينى فى حله وفى ترحاله. هكذا، وبلغة سهلة يصف نبيل مثلا نجاة القائد العام من الموت الصعب فى بيروت، وفى أقل من مائة كلمة ينتقل الكاتب من وصف مغادرة «أبو عمار» بسيارة مقاتل فتحاوى منطقة استهدفها الطيران الاسرائيلى قرب فرن ساقية الجنزير إلى وصف فلسفة القائد فى الصمود، قبل أن ينتقل وبسلاسة لا تخلو من الدراما إلى وصف الموقف الدولى من صمود القائد عبر رسالة قرأها عرفات أمامه فى ملاذ آمن. استوقفتنى رواية نبيل لتلك الحادثة، وحرصه على نقل حوار قصير بين القائد العام ومواطن كان واقفا فى طابور الخبز وسأل عرفات: إلى أين بعد بيروت؟ فرد القائد: إلى فلسطين. بالطبع، كان رد القائد على هذا السؤال قد تحول إلى شعار لعرفات، ولم يكن نبيل بعقله الاستراتيجى مغرما بالشعارات التى يراها مجافية للواقع، لكنه استعاد هذا الحوار ليوصلنا من دون أن يفصح عن ذلك مباشرة إلى حقيقة أن الشعار ليس دائما خياليا، فقد عاد عرفات إلى فلسطين.. وعاد معه نبيل. فى موقف آخر وموقع آخر يستعيد الكاتب ما قاله القائد عن الخروج من بيروت تحت ضغط دولي: «لقد أبلغت المجتمعين بقرارى مغادرة بيروت، ورجوتهم إمهالى بعض الوقت كى أتدبر أمر الخروج بصورة لائقة. كم تمنيت لو أن بيروت مدينة فلسطينية، فلو أنها كانت كذلك، لما غادرتها أبدا». وفى هذه الاستعادة يبدو الكاتب وكأنه يعود إلى البدايات.. بداياته فى فتح والمقاومة، حين كان ما يسمى الآن مغامرة غير محسوبة يعتبر حكمة ثورية. وفى الكتاب استعادات أخرى لوقائع يبدو الكاتب من خلالها وكأنه يستعيد شبابه ويحن بوعى السياسى والمثقف والكاتب صاحب نموذج النضوج النضالى إلى فتوة الموقف الثورى الذى تأسس عليه هذا الوعى. بتفكيك النص يمكن الوصول إلى خلاصات كثيرة يستدل القارئ منها على أن المآلات لم تكن قدرا بقدر ما هى نتائج منطقية لسياسات وقرارات صنعت فى لحظات صعبة، وكان صاحبها يقف على حواف النهايات ليضع أقدامه على عتبات بدايات جديدة فى جغرافيا كانت تضيق وتتسع لتمنحه حرية الحركة لكنها كانت دائما تحرمه من التأصل فيها، فيرنو بعينيه وقلبه وقراره إلى أم الجغرافيا.. فلسطين. وفى فلسطين التى غادرها عرفات «شهيدا حيا»، يكتب نبيل عمّا مضى متحررا من حصار المرارة.. بعيدا عن الثأر قريبا إلى الثورة.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

المكتبة الوطنية للمملكة المغربية تستأنف أنشطتها في هذا التاريخ
إصدار كتاب جماعي جديد يتحدث عن قيمتَي الوفاء وحفظ…
"رياح هادئة" تحمل حوارات ياسين عدنان مع فوزي كريم…
إصدار كتاب يرصد علاقة المثقف بالدولة في "العهد الإسلامي"
سيرة التكوين للمفكر سعيد بنكراد سرد ذهني "يحمل الحيرة…

اخر الاخبار

الولايات المتحدة تغلق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس وتدمج…
ماكرون يستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع في أول زيارة…
مقتل عضو في حركة حماس في غارة إسرائيلية على…
تعاون مغربي موريتاني لتعزيز اللامركزية والتنمية المحلية

فن وموسيقى

كندة علوش تعلن شغفها بالقضايا الإنسانية وتكشف رغبتها في…
دنيا بطمة تؤكد أنها لم أنَل حقها في المغرب…
إليسا تشعل 2025 بمفاجآت فنية وألبوم جديد بعد تألقها…
هند صبري تتألق في بيروت وتتوج بجائزة الإنجاز الفني…

أخبار النجوم

أحمد سعد يكشف عن سعادته بالانضمام الى مجموعة روتانا…
نيكول سابا تكشف عن جوانب خفية من حياتها الشخصية
نجوى كرم تواصل الترويج لألبومها وتكشف عن اسمه
ماجد المصري يُشارك يسرا في عمل فني للمرة الأولى

رياضة

المغربي أشرف حكيمي مرشح لجائزة أفضل لاعب إفريقي في…
هاري كين يقترب من لقب هداف الدوري الألماني للموسم…
محمد النني يتوج بجائزة جديدة في الدوري الإماراتي
نيمار يضع حجر الأساس لمشروع رياضي ضخم في البرازيل

صحة وتغذية

طريقة سهلة لخفض ضغط الدم دون الحاجة لتقليل الملح…
إجراء أول عملية استئصال للبروستات باستخدام الروبوت الجراحي عن…
القهوة تحارب الضعف الجسدي لدى كبار السن وتحسن القوة…
علاج فقدان السمع في مراحله المبكرة قد يساهم في…

الأخبار الأكثر قراءة