واشنطن - المغرب اليوم
أطلق رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مشروعاً جديداً تحت اسم «غروكيبيديا»، وهو نسخة بديلة من موسوعة «ويكيبيديا» تعتمد على المحتوى المنتج عبر الروبوت الذكي «غروك».
ويقدّم ماسك منصته الجديدة بوصفها محاولة لتجريد الموسوعة العالمية مما يصفه بـ«الاستيقاظ الثقافي»، متهماً ويكيبيديا بأنها امتداد لـ«دعاية الإعلام التقليدي». غير أنّ محتوى المنصة الناشئة يكشف عن نزعة واضحة نحو تبنّي روايات اليمين المتطرف، وفق انتقادات عدة.
ووفقاً لموقع «ذا إنترسبت»، فقد تصدّرت صفحة «أدولف هتلر» الجدل بعد أن عرّفته «غروكيبيديا» بداية بأنه «الفوهرر المولود في النمسا»، قبل أن تُعدّل العبارة تحت ضغط الانتقادات إلى تعريف أكثر تقليدية يصفه بأنه «سياسي وديكتاتور ألماني من أصل نمساوي». ومع ذلك ظلّ الروبوت يستخدم لقب «الفوهرر» ضمن المحتوى التفصيلي للصفحة. كما أشارت تقارير إعلامية إلى أنّ الصفحة، التي تمتد على نحو 13 ألف كلمة، لا تتطرق إلى الهولوكوست إلا في موضع متأخر.
وتعدّ هذه الحادثة امتداداً لسجل من المخرجات المثيرة للجدل، إذ سبق لمستخدمين أن نشروا لقطات يظهر فيها الروبوت وهو يردد ادعاءات متطرفة تتعلّق بخطاب «اضطهاد البيض»، وهي ادعاءات لطالما رددها ماسك نفسه بشأن الوضع في جنوب أفريقيا، قبل أن ينفي لاحقاً مسؤوليته، مؤكداً أن المستخدمين «تلاعبوا» بإجابات الروبوت.
ورغم أنّ «غروكيبيديا» لا تشبه منصات النازيين الجدد المباشرة في خطابها، فإنها تستشهد، وفق باحثين، بمواقع ومنتديات تُعدّ مرجعاً لخطاب تفوق البيض عشرات المرات، مع إعادة إنتاج سرديات هامشية في قالب موسوعي يوهم بالحياد.
ويقول الباحث في معهد «فيزنباوم» سيلنغ، إن المنصة «تضفي شرعية شكلية على معلومات مضللة»، مشيراً إلى أن ماسك يسعى إلى «ربط مشروعه بسلطة ويكيبيديا المعرفية» لخدمة أجندة سياسية معيّنة.
وتظهر هذه النزعة بوضوح في صفحات أخرى، مثل صفحة حزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD) اليميني المتطرف، التي خصصت قسماً كاملاً لـ«تحيز الإعلام»، مع تقليل واضح من شأن التحذيرات الرسمية الألمانية التي تضع الحزب تحت رقابة أمنية بسبب ميوله المتطرفة. ويقول سايلينغ: «المنصة تحاول تقويض المؤسسات الديمقراطية التي أنشأتها ألمانيا بعد الحرب للحؤول دون تكرار التجربة النازية».
وينسحب الأمر ذاته على ملف الحرب في غزة، إذ تضمنت صفحة النزاع قسماً مطولاً ينتقد الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية مثل «العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش»، متهماً إياها بالمبالغة في انتقاد إسرائيل. كما أعادت «غروكيبيديا» ترويج مزاعم إسرائيلية غير مثبتة حول «اختراق» وكالة «الأونروا»، رغم تأكيد الأمم المتحدة أنها لا تملك أدلة للتحقق من تلك الادعاءات. وتزامن ذلك مع نشر جهات إسرائيلية سلسلة من الادعاءات التي ثبت لاحقاً عدم صحتها، بينها مزاعم مقتل أطفال بطرق وحشية بعد هجوم 7 أكتوبر.
وتستنسخ المنصة النهج ذاته في قضايا أخرى، بينها «مذبحة ساندي هوك» عام 2012، حيث تفسح مساحة غير معتادة لـ«الشكوك الأولية» التي روّج لها موقع «إنفوورز» التابع لأليكس جونز، رغم إدانته قضائياً وإلزامه بدفع تعويضات ضخمة لأسر الضحايا.
ويرى الباحث هال تريدمان أنّ «غروكيبيديا» مثال على «دعاية منخفضة التكلفة لكن عالية التأثير»، إذ يستعيض المشروع عن الجهد البشري الهائل الذي تعتمد عليه ويكيبيديا في المراجعة والتدقيق بضخّ آلي لمحتوى غير خاضع لإشراف فعلي. ورغم أنها لا تمثل بديلاً حقيقياً للموسوعة العالمية، فإن خطورتها تكمن في قدرتها على تقديم معلومات مضللة في قالب يبدو موضوعياً.
ويخلص مراقبون إلى أن مشروع ماسك ومنصته الجديدة لا يقتصران على التأثير في الخطاب العام فحسب، بل يسهمان في تقويض فكرة «الواقع المشترك» نفسها، عبر إعادة صياغة سرديات متطرفة بصورة أقرب إلى المراجع المعرفية المعتمدة.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
إيلون ماسك يطلق سباقًا سنويًا لتصنيع شرائح ذكاء اصطناعي جديدة في تسلا
ماسك يدعو إلى تعزيز إرادة الشعب عبر قانون هوية الناخب الأميركي