الرئيسية » أخبار الثقافة والفنون
رواية "تغريدة"

القاهرة - المغرب اليوم

أوضح حمدي أبو جليّل أنّ أهم ما يلفت بل يأسر في رواية "تغريدة" للكاتبة الفلسطينية الشابة أثير صفا، خصوصًا لمتذوقي الفنون أن بطلها مقدود أو قل مقطوف من خلاصات الفن، الشعر والسرد والفكر والرسم والنحت والموسيقى، من كل بستان زهرة عبارة عن فكرة أو رسمة أو جملة شاعرة ومضيئة، وبساتينها متنوعة ممتدة بطول البلاد وعرض الفن، من السهروردي وابن الرومي وابن الفارض ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وإبراهيم أصلان وصنع الله إبراهيم وأمل دنقل ومحمود درويش وغسان كنفاني وجمال السجيني حتى أسامة الدناصوري، ومن مايكل انجلو ودافنشي وفيكتور هوجو وديستيوفسكي وتشارلز يوكوفسكي ولوركا حتى سوزان برنار، ومن زهراتهم، خلاصاتهم، صنعت بطلا نادرا تكوّن وتجسد وصدح ونحت وعُذب وانطلق في الحياة بمهارة ورهافة وحنكة نادرة في رواية أولى.
الرواية صدرت مؤخرا عن دار ميريت بالقاهرة، وهي ضمن الأعمال المرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر العربية)، وبطلها وأيقونتها "علام" فنان فلسطيني ولد عملاقا، روحا وموهبة وجسدا عفيا، وهو في ذلك يشبه «غرغانتو» بطل الكاتب الفرنسي الرائد رابيليه (1483 - 1553) في أولى روايات التاريخ، ولكن شتان بين عملاق رابليه المقبل النهم للحياة، والهاتف بملء فيه "اقطفو الحياة"، والذي حملت به أمه أحد عشر شهرا، واشترى والده سبع عشرة وست مئة بقرة لإرضاعه، وبين "علام" الجائع المحبط المأزوم المبعد المطارد المكبوت من احتلالين غاشمين، احتلال أجنبي إسرائيلي قتل والده بالمبيدات الزراعية المسمومة، وقتل عمه الطبيب النابغة كمدا، وأورثه غصة لا تنتهي، واحتلال أهلي أخوي بل أمومي، حرمه حتى من التفكير، وهدم تماثيله أمام عينيه باعتبارها أصناما تسكنها الشياطين.
والرواية في مجملها تتناول أزمته، "أزمة الفنان" كموضوع مركزي فيها، من أول فراره من قيود أهله ومكانه المخنوق بالتخلف والجهل حتى ضياعه بل جنونه في المدينة، ومن خلال لغة دقيقة ومحكمة وساخرة أحيانا على شاعريتها، وعينين وراويين متماهيين فيه وفي بعضهما، جمال صديقه ومريده، ودنيا حبيبته المفتونة بفنه وجنانه قبل شخصيته، والمفتونة أيضا بوصف نفسها بعينيها، أحيانا تتوارى خلف صوت جمال ولكن يظل صوتها واضحا قويا وهو ينحتها جسدا وروحا ومشوار حياة.
غير أن الرواية تتمحور حول "علام"، وتغوص فيه بنوع من التكثیف الفكري والشعري مع أن سيرها روائي ولأن الفنان أو النموذج الأمثل في التعبیر عن قهر السلطة "بكافة تجلیاتها" للفكر، وقمعها للحریة، وتثبیطها للأمل والطموح لما في ذلك من تعارض مع مصالحها، فقد جاء التعبیر الروائي بأسلوب شبه ملحمي، شبه غنائي، یعتمد على تكثیف الحدث والإیجاز والمبالغة على صعيد اللغة والأسلوب والأحداث والشخصيات، لیخرج العمل حاد الفكرة والنغمة، عميق المعنى والدلالات، مركّب الإيحاءات والإحالات بعيدًا عن أي ترهّل أو تفاصيل سردية قديمة.
"علام" نحّات وفنان "فني خيالي" لدرجة الحقيقة الساطعة، كُسّرت أجنحته وتماثيله «لتحطيمه للقائم والقالب» تكسّرًا ينعكس في الأسلوب والمبنى الروائي المجُزأ والمتوتر، وهو شخصية تلخّص الفنان الحقيقي كإنسان يغرّد خارج السرب، وتنطوي على معاناته وصراعاته مع ذاته والآخر في ظلّ ما يسمى بالعالم الثالث الذي يُفتقد فيه الكنف الراعي للفن والموهبة، حيث ينمو الفن وردة في المزبلة، بنص الرواية، «انه عصارة فنانين ومفكرين وعلماء، رواد، مجرّبون، مؤسسون، وصانعو التاريخ» عانوا من أزمة وجودية واجتماعية على مرّ التاريخ وغيّروا، رغم ذلك، وجه العالم.
والرواية لا تتضمن سيرا محضة منفصلة عن ذات البطل باستثناء أوصاف «دنيا» الحبيبة الآسرة الأسيرة، لأن هذه الشخصيات المحورية في تاريخ البشرية اندمجت مع أبعاد خيالية مختلقة، لذلك جاء العمل إنسانيًا شبه مجرّد من عنصري الزمان والمكان، مكانها لا تعرف ان كان قرية او مدينة، تعرف فقط انه مقهور مقموع وغارق في ظلمات الجهل والخرافة، وربما لذلك أيضًا اعتمد النص على إسقاطات وإحالات إلى نصوص وأعمال أدبية وشعرية ودينية ولوحات فنية ونصوص علمية بحتة، معترفًا بها وبأصحابها بالكامل دون تنكّر وتضمين يفقدها ماهيتها وكيانها المستقل في التاريخ الإنساني، وفي الوقت نفسه مستدعيًا القارئ إلى إيجاد الروابط بينها والصلات حيث تفضي الفكرة إلى غيرها بشكلٍ لا نهائي، في دعوةٍ إلى الخروج من الأطر الإنسانية الضيقة إلى أفق الكون الواسع، المتعدد، اللامتناهي وتوحُّد الجزئية مع الكلية، ولهذا فالنص في المحصلة الأخيرة نص عن نصوص، نصوص كثيرة ومتنوعة متراكبة ومتراكمة، وكذلك مربكة وصادمة أيضا.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

محمد المهدي بنسعيد يترأس الوفد المغربي في الحوار الوزاري…
الأمير مولاي رشيد يترأس افتتاح الدورة الثلاثين للمعرض الدولي…
وزير الثقافة المغربي يؤكد أن الاعتزاز بالتاريخ والقيم الأصيلة…
الشاعرة المغربية سناء الحافي تصدر ديوانها "ملك القلوب" إهداءً…
فيلم عن فلسطين “لا أرض أخرى” لمخرج لفلسطيني و…

اخر الاخبار

الجيش الإسرائيلي يكشف عن الأهداف التي هاجمها سلاح الجوّ…
السفارة الروسية تتهم بريطانيا بتصعيد المواجهة في قمة الناتو…
عراقجي يحذر أوروبا من تفعيل آلية الزناد ويؤكد أنها…
نتنياهو يؤكد أن الانتصار على إيران يمنح إسرائيل فرصه…

فن وموسيقى

نيللي كريم تكشف تفاصيل إصابتها بالسرطان في وجهها وتحكي…
أحمد حلمي يُعبر عن سعادته بتكريمه في مهرجان الدار…
هند صبري تواجه حملة هجوم بسبب موقفها من قافلة…
كندة علوش تكشف عن البدء بمشروع فني جديد وتواصل…

أخبار النجوم

شيرين عبدالوهاب توجّه رسالة الى رسالة الى الملحن مدين…
دينا فؤاد تكشف كشفت العديد من أسرارها الشخصية والمهنية
حنان مطاوع تكشف عن الأعمال الفنية التي ندمت عليها…
سامو زين يكشف السبب الحقيقي لابتعاده عن الوسط الفني

رياضة

كأس العالم للأندية انطلاق برازيلي وهيمنة أوروبية وثلاث نهائيات…
فرص الهلال قائمة للتأهل في مونديال الأندية رغم المنافسة…
ميزانية ضخمة وأداء باهت نهاية محبطة للأهلي في البطولة
مرموش يبدأ مشوار مونديال الأندية بنكهة عربية مع مان…

صحة وتغذية

دراسة تؤكد نجاح الإنسولين المستنشق في علاج الأطفال المصابين…
لقاح جديد للرضع يحمي من الفيروس المخلوي التنفسي
علماء يكتشفون فئة دم فريدة من نوعها في العالم
انشغال الأطفال بالهواتف أثناء الوجبات قد يؤدي لزيادة الوزن

الأخبار الأكثر قراءة

ترامب يزور جامع الشيخ زايد الكبير في أبو ظبي
انقسام جزائري حاد بعد سجن محمد الأمين بلغيث بسبب…
وزارة الأوقاف المغربية تُحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات…
محمد المهدي بنسعيد يترأس الوفد المغربي في الحوار الوزاري…