الرئيسية » الإعلام وروّاده
الإعلام العمومي الفرنسي

الرباط -المغرب اليوم

ليس من باب الصدفة أن يشحذ الإعلام العمومي الفرنسي، بشكل متزامن وبطريقة متواترة، جميع قنواته التلفزية ومحطاته الإذاعية الموجهة إلى الرأي العام الداخلي والدولي، لإذكاء ومواصلة الحرب الإعلامية الممنهجة ضد المغرب واستعداء مصالحه الأمنية، وذلك بعدما كانت Forbidden Stories و Midiapart ومنظمة “أمنستي” تكلفت في البداية بإطلاق شرارات خافتة لم تكن لتجد طريقها إلى الوهج الإعلامي والدبلوماسي المطلوب، لولا الترسانة الثقيلة للدعاية المغرضة التي تكلف بها القطب الإعلامي العمومي الفرنسي.

وليس غريبا أيضا أن تنخرط فرانس 24 وإذاعة مونت كارلو وراديو فرنسا الدولية RFI، وهي كلها فلول France médias Monde، المنخرطة تحت لواء الإعلام العمومي الفرنسي، في حملة النشر المتواتر والمزمن لتكهنات ومزاعم برنامج التجسس بيغاسوس، مع نسبتها بشكل جازم للمغرب، رغم أن كل التقارير الإعلامية الأجنبية كانت تتحدث بالاحتمال، ماعدا القطب الإعلامي العمومي الفرنسي والصحافة المقربة من دوائر القرار التي كانت تتحدث جازمة عن المغرب، وتحديدا عن مؤسساته الأمنية. 

الآن، وقد وضعت هذه الحرب الإعلامية أوزارها، وتراجع منسوب الاندفاع والهجوم من جانب قناة فرانس 24 وباقي المحطات والإذاعات الفرنسية الرسمية والخاصة، يحق للرأي العام المغربي أن يتساءل بصوت مسموع: هل يمكن تسخير المال العمومي الفرنسي لتمويل حملات دعائية ضد المغرب، الشريك الاقتصادي المهم في شمال وغرب إفريقيا؟ وهل يمكن هدر أموال دافعي الضرائب الفرنسيين عبر ضخها في حسابات شركات التواصل الاجتماعي الأمريكية رغم تداعيات الأزمة المالية المرتبطة بجائحة كوفيد-19؟ ومرد هذه الأسئلة إلى أن القنوات والإذاعات الفرنسية كانت تسدد مبالغ من المالية العمومية لفائدة شركة “فايسبوك” لدعم منشوراتها ضد المغرب وأجهزته الأمنية!.

فهل من المتصور أن تلجأ قناة فرنسية عمومية إلى شراء الدعم sponsoring لفائدة منشورات ومواد إعلامية تهاجم المغرب من باب الحرص على الإخبار والتواصل فقط؟ وهل يمكن السماح بهدر المال العام الفرنسي في زمن الأزمة الصحية والمالية ما لم يكن الهدف المنشود أسمى وأكبر من مجرد الإعلام والإخبار؟ وكيف يمكن تبرير تزامن “الاقتحام والهجوم والتراجع” الإعلامي الفرنسي في الوقت نفسه وبطريقة متناغمة ما لم تكن هناك جهة رسمية في الخفاء، تخدم أجندة فرنسية غير معلنة، وتسخر لها أبواق الدعاية الإعلامية العمومية.وعلى ذكر عبارة “الأبواق الإعلامية الفرنسية” فقد كشفت استشارة مجتمعية كان قد أجراها معهد Ipsos تحت عنوان « Ma Télé Ma radio de demain » أن “الإعلام العمومي هو صوت فرنسا وليس صوت الفرنسيين”. وقد اتهمت وقتها شريحة كبيرة من المستجوبين الفرنسيين محطات الإعلام العمومي الفرنسي بالاضطلاع بدور “بوق توجهات السلطة التنفيذية”، وهو ما ظهر جليا في عدة محطات حاسمة في تاريخ فرنسا المعاصر، خصوصا إبان فترة الترويج لمعاهدة تأسيس دستور الاتحاد الأوروبي، وكذا في أعقاب دينامية الاحتجاج والتدافع الجماهيري نحو الشوارع العامة في خضم احتجاجات أصحاب السترات الصفراء.

ولفهم طبيعة وخلفية عمل قنوات مثل فرانس 24 وإذاعة مونت كارلو الدولية وغيرها من ترسانة فرنسا الإعلامية الموجهة إلى صدور الشعوب الأخرى، ينبغي أولا الإحاطة بما كتبه ويكتبه مثقفو ومفكرو فرنسا عن ذراعهم الإعلامي؛ فقد سبق لرائد الفلسفة الوجودية جون بول سارتر أن كتب في مجلة الأزمنة الحديثة ” les temps modernes ” تعليقا صادما عن دور الإعلام الفرنسي في تجميل فظاعات الاستعمار، جاء فيه: “الإعلام يكذب علينا بالخداع، والتزييف، والدعاية، وجريمتهم الوحيدة والمريعة أنهم بارعون في التضليل والتركيز على تصوير الآخرين مثل أوباش”.

أما الكاتبة الفرنسية صوفي باشمان فكتبت أن “السلطة التنفيذية في فرنسا شكلت دائما جبهة مقاومة عنيفة في وجه استقلالية الإعلام العمومي الفرنسي، الذي بقي دائما وفيا لتوجهات هذه السلطة”. وهذا التقييم هو نفسه الذي أعطاه الأستاذ الجامعي الفرنسي غايل فيلنوف عندما تحدث عن “غياب الحكامة في تدبير القطب الإعلامي العمومي وفي قربه المنهجي والشديد من السلطة التنفيذية الفرنسية، ما يؤدي حتما إلى خطر الرقابة المرئية وغير المرئية على المنتج الإعلامي”.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن فرنسا تحاول التعامل مع المغرب من منظور كولونيالي جديد، قوامه البراغماتية والابتزاز، واستحضرنا كذلك آليات الرقابة الرسمية على الخط التحريري لقناة فرانس 24 وإذاعة فرنسا الدولية وراديو مونت كارلو، فإننا سنفهم، بدون شك، سر وسبب هذه الحملة الفرنسية المسعورة ضد المغرب، إلى درجة أن مجالس الحكامة الفرنسية سمحت بهدرأموال الضرائب الفرنسيين في استهداف المغرب ومؤسساته الأمنية.


ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا في هذا السياق: هو لماذا تكالبت قنوات فرنسا الدولية على المغرب دون غيره من الدول المنسوبة لها مزاعم التجسس المعلوماتي؟ هل لأن من الضحايا المفترضين الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون؟ ولماذا لعبت القنوات الفرنسية دور “المغرق” والقاضي والضحية والمطالب بالحق المدني في مزاعم التجسس المنسوبة للمغرب؟ هل هي عملية ابتزاز مقنعة ينهض فيها الإعلام الفرنسي بدور البديل المدافع عن المصالح الاقتصادية الفرنسية المهددة بفعل التقارب المغربي الأمريكي البريطاني؟ وهل تعتقد جهة ما داخل فرنسا أن المغرب يمر بحالة “وهن مفترضة” بسبب تعدد جبهاته الدبلوماسية مع إسبانيا وألمانيا والجارة الشرقية؟.كل هذه الأسئلة وغيرها تبقى مفتوحة على مجرد الافتراض والتكهن مثلما كانت كثيرة هي الفرضيات والتكهنات والمزاعم والاتهامات الواردة في تقارير منظمة العفو الدولية وForbidden Stories بشأن مزاعم التجسس المعلوماتي. لكن الأمر المؤكد الوحيد أن الإعلام الفرنسي أخلف موعده مع الموضوعية والمهنية والاستقلالية، وانبرى يخوض حربا بالنيابة ضد المغرب ومؤسساته الأمنية، بالضبط مثلما قال عنه جون بول سارتر: “إعلام الخداع والتزييف والدعاية”؛ لكن مع استثناء عريض يتمثل في كون الإعلام الفرنسي الراهن لم يكن بارعا في التضليل ولا التطبيل.

قد يهمك ايضا:

"فرانس فوتبول" تضع محمد صلاح على صدارة التشكيل المثالي في أفريقيا 2020

فرانس فوتبول تحذر سان جيرمان من ريمونتادا برشلونة التاريخية

   

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

وزير الإعلام اللبناني يعلن عن مضاعفة الجهود لبسط سلطة…
ضم رئيس تحرير مجلة بالخطأ إلى مجموعة أميركية سرية…
إغلاق مطار هيثرو وتطورات الحرب في السودان وتصريحات ترامب…
سلمان الدوسري يؤكد رؤية ولي العهد الرافضة للمديح الزائف…
المملكة المغربية وموريتانيا يُعززان التعاون في المجال الإعلامي

اخر الاخبار

الولايات المتحدة تغلق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس وتدمج…
ماكرون يستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع في أول زيارة…
مقتل عضو في حركة حماس في غارة إسرائيلية على…
تعاون مغربي موريتاني لتعزيز اللامركزية والتنمية المحلية

فن وموسيقى

كندة علوش تعلن شغفها بالقضايا الإنسانية وتكشف رغبتها في…
دنيا بطمة تؤكد أنها لم أنَل حقها في المغرب…
إليسا تشعل 2025 بمفاجآت فنية وألبوم جديد بعد تألقها…
هند صبري تتألق في بيروت وتتوج بجائزة الإنجاز الفني…

أخبار النجوم

مصطفي شعبان يشارك هيفاء وهبي بطولة عمل سينمائي جديد
يوسف الشريف يعلق على مشاركته في حفل بطولة العالم…
الفنان ظافر العابدين ينضم لفيلم "السلم والثعبان 2"
حمادة هلال يشارك في موسم رمضان 2026 بـ«المداح 6»

رياضة

قميص محمد صلاح يُعرض في مزاد ويصل إلى 17…
المغربي أشرف حكيمي مرشح لجائزة أفضل لاعب إفريقي في…
هاري كين يقترب من لقب هداف الدوري الألماني للموسم…
محمد النني يتوج بجائزة جديدة في الدوري الإماراتي

صحة وتغذية

طريقة سهلة لخفض ضغط الدم دون الحاجة لتقليل الملح…
إجراء أول عملية استئصال للبروستات باستخدام الروبوت الجراحي عن…
القهوة تحارب الضعف الجسدي لدى كبار السن وتحسن القوة…
علاج فقدان السمع في مراحله المبكرة قد يساهم في…

الأخبار الأكثر قراءة

ضم رئيس تحرير مجلة بالخطأ إلى مجموعة أميركية سرية…
إغلاق مطار هيثرو وتطورات الحرب في السودان وتصريحات ترامب…
سلمان الدوسري يؤكد رؤية ولي العهد الرافضة للمديح الزائف…
المملكة المغربية وموريتانيا يُعززان التعاون في المجال الإعلامي
ترامب يجمد عمل 3 إذاعات أميركية بسبب الدعاية المتطرفة