الرئيسية » تحقيقات
المسيّرات الإسرائيلية

بيروت -المغرب اليوم

بينما تواصل المسيّرات الإسرائيلية التحليق فوق سماء الجنوب اللبناني، وتتصاعد وتيرة الغارات ونيران التوغّل، يعيش أبناء الجنوب تحت وطأة حرب من نوع آخر. حرب نفسية يومية تتعدى الاستهداف العسكري إلى محاولة تقويض الحياة اليومية، وتفكيك النسيج الاجتماعي. هذه الحرب غير المعلنة تُخاض بوسائل عدّة، منها المسيَّرات التي لا تغادر الأجواء، ومنها القنابل الصوتية إضافة إلى الإتيالات المتنقلة، وكلّها تزرع في النفوس شعوراً بأن لا مكان آمناً، لا في البيوت، ولا في الحقول، ولا حتى في أطراف القرى.

وهذا القلق والانتهاكات الإسرائيلية اليومية تمثّلت، الأربعاء، باستهداف شاب في بلدة المنصوري بواسطة طائرة مسيّرة إسرائيلية، حيث نُقل المصاب إلى مستشفى اللبناني - الإيطالي في صور لتلقي العلاج. كما تعرَّض مواطن من بلدة رب ثلاثين لجروح في وجهه إثر انفجار قذيفة من مخلفات الحرب، في حين أطلق الجيش الإسرائيلي النار على شاحنة مدنية تعمل في إزالة الردم بمدينة ميس الجبل دون وقوع إصابات.وفي اليوم نفسه، وإضافة إلى التحليق المستمر للمسيّرات، أُلقيت ثلاث قنابل صوتية في منطقة حولا باتجاه العباد، في حين توغلت قوة إسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية في منطقة طوفا بين ميس الجبل وبليدا وأشعلت النار في شاحنة لنقل الردميات.

وعن هذه الحرب النفسية يتحدث محمد، أحد أبناء بلدة بنت جبيل الجنوبية، لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «الطائرات المسيّرة لا تغيب عن الأجواء، والقصف المتقطع يتعمّد استهداف مناطق قريبة من المنازل، والتهديدات العلنية عبر الإعلام الإسرائيلي تزيد من حالة الرعب والقلق لدى السكان».ويضيف: «هناك خمس نقاط عسكرية إسرائيلية مستحدثة أو مفعّلة على طول الحدود المقابلة لبنت جبيل ومحيطها، تراقب كل حركة، وتعيق حرية التنقل. لم يعد بالإمكان التجول بحرية حتى في أطراف القرى الجنوبية، وهذا جزء من سياسة ممنهجة لفرض واقع أمني خانق».

وإذ أشار إلى أن طريق مارون الراس – بنت جبيل، الذي كان يُستخدم للتنقل بين المناطق، أصبح مصدراً للقلق، لفت إلى أن «كثيرين يرفضون سلوك هذا الطريق اليوم؛ لأنه بات مكشوفاً تماماً للرصد الإسرائيلي، وهناك خوف دائم من استهدافه في أي لحظة، خصوصاً مع تكرار استهداف السيارات المدنية من الجو».وختم بالقول: «ما يجري هو تغريبة جديدة بحق الجنوبيين. إسرائيل لا تريد فقط تهجير السكان من بيوتهم، بل تسعى لكسر الإرادة الجماعية للعودة. نحن نعيش حصاراً مركّباً، نفسياً وأمنياً ومعيشياً. والخطر الأكبر أن الناس بدأت تتأقلم مع الغياب، وهذا ما يريده الاحتلال: أن ننسى قُرانا».

وهذا القلق اليومي إضافة إلى غياب مقومات الحياة يمنع عودة الأهالي، ممن لا تزال منازلهم صامدة، من العودة، وهو ما يشير إليه الرئيس الأسبق لبلدية ميس الجبل عبد المنعم شقير، مشيراً إلى أن «نسبة العودة إلى بلدة ميس الجبل تبقى ضئيلة جداً، رغم مرور أشهر على انتهاء المواجهات». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «من أصل نحو سبعة آلاف نسمة تقطن البلدة صيفاً شتاءً، لا يتجاوز عدد العائدين اليوم الـ500 شخص».وأضاف: «الطيران المسيّر لا يفارق الأجواء، وصوت الخطر حاضر في كل لحظة، حتى داخل البلدة نفسها؛ إذ باتت حركة السكان محدودة ومقيّدة بالخوف».

وفي حين رأى أن تعطيل مشاريع الإعمار يُعدّ سلاحاً إضافياً في هذه الحرب النفسية، أشار إلى أن «كل محاولة لترميم بيت، أو تركيب وحدة سكنية جاهزة، تُقابل بالقصف. هناك من اضطر إلى الإقامة في مدارس رسمية، على فرش إسفنجية وبطانيات تُوزّع كما لو أنها حلول نهائية، في حين يظل بيته قائماً ولا يستطيع العودة إليه».وبينما شدّد على مطالبة الدولة بتحمل مسؤولياتها. قال: «لا بديل لدينا عن الوطن، ولا عن الجيش اللبناني. المطلوب موقف واضح، وخطة لعودة آمنة وكريمة تتيح للناس العودة إلى بيوتهم».

«الاستهداف لم يعد فقط عسكرياً... بل هو نفسي أيضاً»

روت منى عواضة، من بلدة كفركلا، تجربتها في ظل الاستهدافات المتكررة: «اضطررنا إلى مغادرة بيتنا بعد استهدافه بالقصف، زوجي نجا بأعجوبة، ولم يكن لدينا مكان آمن للبقاء فيه».وأضافت: «كنا من أوائل العائلات التي عادت فور إعلان التهدئة. وضعنا بيتاً جاهزاً في أرضنا الزراعية، لكن الطائرات الإسرائيلية بدأت تستهدف حتى هذا البيت الجاهز، وكأنهم يتعمدون القول: لا مكان آمناً لكم حتى في أرضكم».

أما عيترون القابعة على الحدود أيضاً، فلا يختلف واقعها النفسي والميداني عن جاراتها، حيث يرى ابن بلدة عيترون الجنوبية، الدكتور علي مراد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنّ «ما يعيشه الجنوب اليوم هو تغريبة رابعة حقيقية، تجبرنا على النزوح مرة أخرى، بعد عقود من التهجير والحروب السابقة. النسيج الاجتماعي تفكك بالكامل، والعائلات تفرّقت بين مناطق مختلفة، ولم نعد نعيش مجتمعاً مترابطاً كما في السابق».ويكشف عن أنّه حتى القرى التي لم تُدمّر بشكل كامل، تعاني أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة؛ فالخسائر تجاوزت الحجر لتطول الإنسان والعلاقات المجتمعية، هناك خسارة عميقة للثقة والأمل، وتفتت للتقاليد والعلاقات التي كانت تشكل عماد المجتمع».وفي حين يرى أن العودة إلى القرى الحدودية، رغم أهميتها الوطنية، «تبدو بعيدة المدى وربما تحتاج إلى عقد من الزمن أو أكثر»، يؤكّد أنّ «الإصرار على البقاء هو عنوان هذه المرحلة، لكن من دون رؤية سياسية واضحة وخطة استراتيجية شاملة، ستظل معاناة الجنوبيين مستمرة، وسيواجهون مزيداً من الانكشاف والتشرد».

قد يهمك أيضــــــــــــــا

ترمب يحذر من احتمال تجدد الصراع بين إيران وإسرائيل قريباً

روسيا الاتحاد الاوروبي يشكل تهديدا حقيقيا لنا

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

ترمب يهدّد بوقف تمويل نيويورك إذا فاز زهران ممداني…
إثيوبيا تتمسك بمنفذ على البحر الأحمر وتؤكد أن ميناء…
طهران ترى أن احتمال تعرضها لهجوم أميركي جديد ما…
تحذيرات أمميه من جيل ضائع في غزة وسبعين مليار…
استطلاع إسرائيلي يكشف تشككاً واسعاً في صمود وقف النار…

اخر الاخبار

بوريطة يكشف عن إجراءات تأديبية ضد 62 موظفًا بالخارجية…
ماكرون يدعو سوريا للانضمام إلى التحالف الدولي ضد داعش…
يسرائيل كاتس يوجه الجيش الإسرائيلي بتدمير كافة الأنفاق في…
عراقجي يؤكد أن إيران خاضت تجربة التفاوض مع أميركا…

فن وموسيقى

أحمد حلمي وهند صبري يلتقيان في فيلم جديد للمخرج…
أحمد سعد يكشف عن تجربة جديدة في مسيرته الفنية…
آسر ياسين يتحدث عن بداياته في الفن والمعاناة التي…
آمال ماهر تكشف أسرار غيابها وترد على شائعات زواجها…

أخبار النجوم

أحلام تشعل مواقع التواصل بنصيحة غير متوقعة للزوجات
الحكم على محمد رمضان بالسجن عامين ورد فعله يشعل…
هالة صدقي تعبرعن سعادتها بتكريمها في مهرجان VS للأفلام…
ياسمين صبري تدعو لاستعادة الثقة بعد إفتتاح المتحف المصري…

رياضة

رونالدو يؤكد قوة الدوري السعودي ويصف التسجيل فيه بأنه…
جائزة سلام الفيفا الأولى تشعل المنافسة بين أبرز الأسماء
يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق
إصابة أشرف حكيمي تبعده عن الملاعب وتثير القلق حول…

صحة وتغذية

بعض الأدوية الشائعة المستخدمة يومياً تؤثر سلبا على فعالية…
الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
ستة مشروبات طبيعية لتعزيز صحة الدماغ والذاكرة

الأخبار الأكثر قراءة

ديربي مدريد يتحول إلى صدمة لجندي إسرائيلي
FBI يعثر على وثائق سرية في مكتب مستشار ترمب…
تحقيق أممي يكشف نوايا إسرائيل في غزة والضفة
تقرير يكشف الموساد نشر 100 عميل في إيران قبل…
بريطانيا تقترب من الاعتراف بدولة فلسطينية مع تصعيد ضد…