الرئيسية » ناس في الأخبار
الباحث الفرنسي ميشال بيرون

الرباط - المغرب اليوم

أن يهتم باحث مغربي بالأدب الأمازيغي أمر طبيعي، لكن أن يكرس فرنسي حياته من أجل تعلم لغة أخرى مغايرة للغته الأم في بيئة مختلفة كذلك، إلى درجة انصهاره في الحياة اليومية للإنسان الأمازيغي في أعالي الجبال، لفهم هذا الأدب واستيعابه، فذلك ليس بالأمر السهل ويدعو إلى الاندهاش تارة، والإعجاب تارة أخرى، سلاحه في ذلك الإرادة والعزيمة في سبر أغوار حياة أمازيغ الأطلس وفهم خصوصياتهم؛ الحديث هنا عن الباحث الفرنسي ميشال بيرون، الذي عاشر الأمازيغ، من شعراء وغيرهم، منذ خمسينيات القرن الماضي إلى أن أصبح واحدا منهم، ويكاد لا يتميز عنهم سوى ببشرته المشربة بالحمرة.

ولد بيرون سنة 1935 بمدينة كان الفرنسية، وبدأ جولاته بالمغرب منذ سنة 1955 للتوغل في مجاهل المناطق الأطلسية، طالبا في كل ليلة "ضيف الله"، حتى يتسنى له استكشاف المكان والتعرف على طقوس وعادات الأهالي، مؤمنا بمقولة "لكل غريب دهشة"، فشرع بداية في تعلم الأمازيغية حتى يفهم ما يقال له، وحتى يرد كذلك على بقية الساكنة، التي ألفته وألفها بعد ما لاحظه من كرم ضيافتها وحسن استقبالها.

"أول منطقة زرتها كانت جبل العياشي بإقليم ميدلت، ومنها بدأت رحلة استكشاف جغرافيا المنطقة إلى أن بلغت جماعة تونفيت عام 1967، فخبرت أهاليها بمختلف تقاليدهم، وتعرفت على القصور الثلاثة المتواجدة بها: قصر إشمحان، آيت عبدي وآيت وخليف"، يقول بيرون.

وأضاف الباحث الفرنسي قائلا: "زرت كذلك منطقة أسكا التي توجد بمحاذاتها مضايق تاتروت المعروفة إقليميا، زد على ذلك أنني زرت زاوية سيدي يحيى أيوسف، علاوة على زيارتي موقعة معركة تازيزاوت التي كتبت عنها مقالات".

طيلة هذه الرحلات، يقول بيرون، "نسجت علاقات مع أهل المنطقة، وخلفت ورائي طابعا إيجابيا. كما سبق لي أن التقيت بالشاعر موحى أكوراي، علاوة على أني تعرفت على الشاعر زايد لوسيور، إلى جانب حمو أوخلا، وميمون أورحو، وغيرهم من الشعراء والفنانين الذين استلهمت منهم فكرة تأليف كتاب سميته "Les rivières profondes" أو "إيسافن غبانين" بالأمازيغية.

ويتضمن هذا الكتاب المتون الشعرية الأمازيغية الخاصة بالأطلسين المتوسط والكبير الشرقي، وقد جمع بيرون بين دفتيه مختلف الأجناس الشعرية الأمازيغية والغنائية التي سمعها من أفواه قائليها، من "إفرادين" و"إزلان"، بعدما فطن إلى عمق معانيها ودلالاتها، فعمل على تدوينها كما هي، وترجمتها إلى الفرنسية لتوسيع دائرة فهم هذا الموروث الشعري الغزير، حتى لا يقتصر على الأمازيغ وحدهم. وأشار بيرون إلى أنه بصدد إعادة طبع ونشر كتابه هذا من جديد.

كما سلط الباحث الفرنسي الضوء على التعبيرات الثقافية التي اختفت أو كادت تتوارى بفعل التطور البشري، من قبيل: "غسل الملابس قرب الوديان"، و"تقنية اشتغال الطاحونة التقليدية"، و"طريقة الحصاد القديمة"، وغيرها من مظاهر حياة الإنسان القديم قبل الانفجار التكنولوجي، دون نسيان أنه مصور محترف، ذلك أنه أرّخ لحظات كثيرة طيلة مساره، وصور مختلف الأمكنة والمناطق التي مر بها، لاسيما منطقة تونفيت بالمداشر المجاورة لها، وكذا زاوية سيدي حمزة بإقليم ميدلت.

يُعرف بيرون في الأوساط الفنية الأمازيغية بلقب "إزم أبرباش"، أي "الأسد المزركش". وتعزى هذه التسمية، وفق الباحث الفرنسي ذاته، إلى كون "جلدي به بقع حمراء تضاهي تلك التي يمتاز بها الأسد، ولهذا لقبتُ بهذا الاسم إلى يومنا هذا، نظرا إلى التشابه الواضح بيننا".

يعيش بيرون حاليا بالعاصمة الإدارية الرباط، بعدما حصل على التقاعد. ورغم بلوغه العقد الثامن فإنه لا يزال مفعما بالحركية، ودماء الحيوية والنشاط تدب في عروقه، من خلال طريقة كلامه وتفاعله مع عموم الناس في مختلف المناسبات.

ولفهم شخصية بيرون أكثر، استقت مصادر شهادة لعلي خداوي، الباحث في الشعر الأمازيغي، الذي قال إن ميشال بيرون باحث عصامي ومغرم بالشعر الأمازيغي، كما عشق المغرب، لاسيما الأطلس المتوسط وتاريخه وآدابه، وخصوصا شعره الذي حظي باهتمام خاص من طرفه.

وتابع خداوي في شهادته، أن "زيارات بيرون المتكررة للأطلس المتوسط جعلته يغرم بهذه المنطقة وبتاريخها وأهلها وثقافتها، لاسيما منها الشعر الأمازيغي. لقد كان مجال بحثه لنيل الدكتوراه يتمحور حول جغرافية تونفيت وآيت يحيى. كما كرس حياته للبحث في الشعر الأمازيغي، خصوصا ''تيمديازين" (القصائد الأمازيغية)، التي خصص لها جزءا كبيرا من أبحاثه ومحاضراته ومؤلفاته العديدة".

واستطرد الباحث نفسه قائلا: "من جامعة غرينوبل إلى جامعة الأخوين ومعهد الترجمة بطنجة والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، استطاع ميشال بيرون أن يفرض نفسه كمختص في التاريخ والثقافة الأمازيغيين، وصارت منشوراته ومحاضراته تجلب اهتمام الباحثين والطلبة والمهتمين بالشأن الأمازيغي. ويبقى كتاباه "إيسافن غبانين" و"الشعر الأمازيغي لزمن البطولة" من أروع الكتب التي تتناول شعر "إمديازن" (الشعراء) ودورهم في المقاومة المسلحة من أجل الحرية والاستقلال، وكذا الحفاظ على الذاكرة في وسط تسوده الشفاهية تاريخا وأدبا وفنا".

ولم يفوّت خداوي الفرصة دون أن يقر بأن "ميشال بيرون ساهم في رد الاعتبار للوثيقة الشفوية التي أهملت واحتقرت من طرف الباحثين المؤسساتيين طيلة عقود. إذ برهن أن شعر "إمديازن" (الشعراء) يمكن الوقوف بواسطته على الحقائق التاريخية والاجتماعية والثقافية بشكل لا تنقصه الدقة في سرد الحقيقة. لقد بين كيف واكب "إمديازن" الأحداث وشارك فيها ووثقها بشكل يختلف عن التوثيق المكتوب ولو اختلفت الآليات والتقنيات".

وختم الباحث ذاته شهادته قائلا: "بتلك الأخلاق العلمية، وبعمل طويل الأمد، ساهم ميشال بيرون بشكل بارز في دراسة وتحليل وتعريف التاريخ والثقافة الأمازيغيين، خصوصا الشعر، الأمر الذي أعاد إليهما تلك القيمة التي فقداها جراء الإقصاء والتهميش، اللذين طالاهما طيلة عقود من طرف الثقافة الرسمية السائدة. وبذلك يعد ميشال من المناضلين الأمازيغ المخلصين، الذين ساهموا في إعادة الاعتبار إلى اللغة والثقافة الأمازيغيتين في العقود الأخيرة، إذ بفضلهم أصبحت اللغة الأمازيغية اليوم رسمية، وتحظى بقدر كبير من الاهتمام من طرف المؤسسات الرسمية وغير الرسمية".

 

قد يهمك ايضا
جامعية تفوز بلقب ملكة لجمال الأمازيغ 2969 بأكادير المغربية
حسن أوريد يرد بشكل مبطن مؤكدًا أنّ اللغة العربية والأمازيغية حضارية

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

حموشي يقرّ تعيين مسؤولين أمنيين ضمن المصالح اللاممركزة بمختلف…
غوتيريش يُكريم روح جندي من حفظة السلام التابعين للقوات…
الملك محمد السادس ينعى الفنانة نعيمة بوحمالة ويصفها برمز…
الملك محمد السادس يهنئ نادي نهضة بركان بعد فوزه…
الملك محمد السادس يبعث برقية تعزية ومواساة إلى أسرة…

اخر الاخبار

نصف مليون حبة كبتاغون كانت في طريقها من لبنان…
نعيم قاسم مساندة غزة واجبة والحزب قادر على هزيمة…
إسرائيل تنفي حدوث انفراجة في المفاوضات مع «حماس» رغم…
أميركا أبلغت الوسطاء أنها تضغط على نتنياهو للوصول لهدنة…

فن وموسيقى

صابر الرباعي يؤكد أن مهرجان موازين في المغرب نموذج…
نيللي كريم تكشف تفاصيل إصابتها بالسرطان في وجهها وتحكي…
أحمد حلمي يُعبر عن سعادته بتكريمه في مهرجان الدار…
هند صبري تواجه حملة هجوم بسبب موقفها من قافلة…

أخبار النجوم

كاظم الساهر يُسحر جمهور الرباط في ليلة طربية لا…
شيرين عبدالوهاب توجّه رسالة الى رسالة الى الملحن مدين…
دينا فؤاد تكشف كشفت العديد من أسرارها الشخصية والمهنية
حنان مطاوع تكشف عن الأعمال الفنية التي ندمت عليها…

رياضة

رونالدو أنا برتغالي لكنني أشعر أنني سعودي
نادي الرياض يلغي فريق السيدات رغم الإنجاز التاريخي
ضربة للهلال قبل موقعة السيتي غياب سالم ستة أسابيع
خيسوس على بعد خطوة من تولي تدريب النصر

صحة وتغذية

دراسة تحذر السيجارة الإلكترونية تؤثر على جينات الفم
6 مشروبات تنظف الأمعاء عند تناولها على معدة فارغة
دراسة تؤكد نجاح الإنسولين المستنشق في علاج الأطفال المصابين…
لقاح جديد للرضع يحمي من الفيروس المخلوي التنفسي

الأخبار الأكثر قراءة

الملك محمد السادس يبعث برقية تعزية ومواساة إلى أسرة…
مصطفى قمر يكثّف نشاطه الفني بعد تعافيه من الجراحة
رئيس الوزراء الإسباني يُشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء
نشاط عقاري لافت لشقيقات الملك محمد السادس في باريس
الملك محمد السادس يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين…