الرئيسية » تحقيقات وأخبار
مؤسسة تعليمية

الرباط -المغرب اليوم

حُجرتان دراسيتان تعودان إلى عصر تقنية "البناء المفكّك"، ذي الموادّ الخطرة على صحة الإنسان، تنفذ من محيطهما روائح فضلات البشر، وبيْت أشبه بزريبةِ بهائم خُصص مَقاما للأساتذة، وساحة مكسوّة بالأحجار... هذه الصورة لا تعود إلى مدرسة مغربية في أواسط النصف الثاني من القرن الماضي، بل هي صورة حقيقية لمدرسةٍ من مغرب القرن الحادي والعشرين.

في الفضاء الذي توجد فيه مدرسة أوتحديدو التابعة لمجموعة مدارس أربعاء أقبلي، نواحي مدينة بني ملال، تنمحي كل الإنجازات التي يستعرضها وزير التربية الوطنية في البرلمان وفي الندوات الصحافية؛ فهذه المدرسة لا تتوفر على أبسط شروط الكرامة، سواء للتلاميذ الذين يدرسون بها أو لأساتذتهم.

"نحن نعرف أن المدارس تُحاط بسور، وتُبنى في ساحتها مرافق صحية؛ لكنّ مدرسة قريتنا، كما ترى، عارية، لا سور لها، ولا يوجد فيها مرحاض"، يقول موحا، فاعل جمعوي بقرية أوتحديدو، ثم يقودنا خلف الحجرتين الدراسيتين حيث يقضي التلاميذ حاجتهم الطبيعية، ويستنشقون روائحها النتنة أثناء الحصص الدراسية.

في شهر رمضان من سنة 2018، زار عامل إقليم بني ملال قرية أوتحديدو، وأحاطه سكان القرية، كما أكدوا في تصريحات لهسبريس، علما بالوضعية المزرية للفضاء الذي يدرس فيه أطفالهم، فطمْأنهم إلى أن السلطات ستعمل على تبليط أزقة القرية، وتحسين وضعية المدرسة، "ولكن ما جابش الله"، يقول أحد سكان القرية.

منذ سنة 2014، وضعت وزارة التربية الوطنية برنامجا للقضاء على الحجرات الدراسية المبنية بتقنية البناء المفكك، لخطورة موادّه على صحة التلاميذ، ورُصد لهذا الغرض غلاف مالي قدره 200 مليون درهم؛ غير أن هذا البرنامج لم يصل بعد إلى مدرسة أوتحديدو، بعد مضي ست سنوات على إطلاقه.

وبالرغم من خطورة "البناء المفكك" فإن إزالته بالنسبة إلى سكان قرية أوتحديدو يبقى مسألة ثانوية، طالما أن هناك ما هو أهم، وهو حفْظ كرامة أطفالهم الصغار، أوّلا، وذلك بتوفير مراحيض لهم، صوْنا لكرامتهم، وحماية لهم من التعرض للأخطار الصحية التي يشكّل الفضاء الذي يدرسون فيه خاضنة لها.

على بُعد خطوات من الحجرتين الدراسيتين اللتين يدرس بهما أطفال قريت أوتحديدو، من القسم الأول إلى القسم السادس، حيث يُضمّ تلاميذ كل مستويين في قسم واحد، يوجد بيت خاص بالأساتذة، هُجر منذ سنوات بسبب عدم صلاحيته لاتخاذه مَسكنا.

يَسحب محمد قطعة قصدير طُبقت بالمسامير على إحدى نافذتي البيت المخصص للأساتذة بمدرسة أوتحديدو، فلاحت من وسط دائرة النور المتسرّب من النافذة أرضية غرفة مسجاة بأزبال. صمت محمد برهة قبل أن تغلبه رغبة إيصال صوت أهل القرية إلى المسؤولين فقال: "حتى واحد ما يقدرش يگلس فهاد الدار، حيت ما مْأمّْنْش".

عدم تحصين بيت الأساتذة في مدرسة قرية أوتحديدو بنوافذ وأبواب موفِّرة للأمان، ليس وحده الدافعَ الذي أرغم الأساتذة الثلاثة الذين يدرّسون بالمدرسة على استئجار بيوت بسيطة مقتطعين مبلغ الإيجار من مرتّباتهم؛ بل إن البيت المخصص لإيوائهم يتحوّل إلى برْكة مائية عند هطول الأمطار، نتيجةَ تسرّب المياه من السقف الهش.

تعب سكان قرية أوتحديدو من إبلاغ ممثلي وزارة التربية الوطنية، على الصعيد المحلي، بالوضعية المزرية لمدرسة قريتهم؛ لكن بدون جدوى، ويعبّر موحا عن التذمّر الذي يمور في صدره وفي صدور باقي السكان بالقول: "الإصلاح ديال المدرسة ما غايكلّفهم والو، ولكن للأسف ما بغاو يديرو حتى حاجة. عيينا ما نمشيو عند المسؤولين في أزيلال، وعدونا يديرو السور والمراحيض، ولكن ما كاين والو".

شقاء تلاميذ قرية أوتحديدو والدواوير المجاورة لها لا ينتهي باستيفاء سنوات التعليم الابتدائي، بل يرافقهم في مسيرتهم بعد الانتقال إلى التعليم الإعدادي، إذ يضطرون إلى قطع كيلومترين وأربعة كيلومترات، بالنسبة لبعض التلاميذ، للوصول إلى الإعدادية؛ لكن الغريب هو أن هناك سيارتين للنقل المدرسي وضع المسؤولون شرطا تعجيزيا، بالنسبة للسكان، لاستعمالهما.

"رئيس الجماعة قال لنا إيلا بغيتو الطوموبيلات ديال النقل المدرسي خصكم تخلصو ميّة درهم لكل تلميذ فالشهر، ولكن الناس مساكن ما عندهومش"، يقول موحا، قبل أن يردف بغضب: "خلّصنا شهرين وحبسنا، مْنين غادي يجيبو الناس مية درهم للشهر؟".

حين تسقط الثلوج في فصل الشتاء، يقاسي تلاميذ قرية أوتحديدو والدواوير المجاورة لها الأمرّين في سبيل بلوغ الثانوية الإعدادية في أربعاء أيت أوقبلي. يصبرون على شقاء الطريق ويصبرون على الجوع طيلة النهار، إذ لا يستفيدون من الإطعام المدرسي، على الرغم من أن الذين يقطنون منهم في دواوير بعيدة يغادرون بيوتهم في الصباح الباكر ولا يعودون إلا مساء.

يقول والد أحد التلاميذ: "الدراري اللي ساطنين بعيد كيحْرگوا الغذاء (يقصد أنهم لا يتناولون وجبة الغذاء)، قبل أن يشير بأصبعه إلى قمة جبل قائلا: "مْن هاد الجَّبل كيهبط دري كيقطع أربعة كيلومتر باش يوصل للكوليج. المسؤولين قتلونا بالوعود الكاذبة، وحنا عيينا".

قد يهمك ايضا

الجامعة الأميركية تقيم احتفالية بتجديد اعتمادها بحضور يوهانسن عبد الموجود

فيروس "كورونا" يدفع الحكومة المغربية إلى إجراءات احترازية

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

نصف طلاب الجامعات المغربية في مسار العلوم القانونية والاقتصادية…
جامعة سيدي محمد بن عبد الله ضمن أفضل أربع…
برادة يقر بصعوبة مسؤولية التعليم وحرصه على مصلحة التلاميذ…
اختبار دولي إلكتروني يقيم مستوى عشرة آلاف تلميذ مغربي…
عشرات الطلبة عالقون تحت الانقاض بعد انهيار مدرسة اسلامية…

اخر الاخبار

وزير الخارجية السوري يؤكد أن حكومته تسعى لتفادي التصعيد…
حزب التقدم والاشتراكية يعارض مشروع قانون المالية 2026 ويبرز…
الملك محمد السادس يهنئ خالد العناني بانتخابه أول عربي…
المملكة المغربية تشارك في أشغال الدورة الحادية والأربعين لمجلس…

فن وموسيقى

نانسي عجرم تكشف أسرار نجاحها والصعوبات التي واجهتها في…
يسرا تتسلّم وسام الشرف الفرنسي تقديراً لمسيرتها الفنية الطويلة
كريم محمود عبد العزيز يعلن انفصاله رسميا مؤكدا الطلاق…
منى زكي تكشف أسباب ابتعادها عن الوسط الفني ودخولها…

أخبار النجوم

شريهان تشكر المخرج محمد عبد العزيز وتهنّئه بتكريمه في…
ناهد السباعي تُعبر عن سعادتها بمشاركة فيلمها "بنات الباشا"…
شيرين عبد الوهاب تتقدم ببلاغ رسمي ضد شقيقها وتطلب…
خالد النبوي يتألق في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ويهدي…

رياضة

ميسي وسالم الدوسرى يتفوقان على نجوم العالم فى الأداء…
مبابي يتعهد بتكريم ضحايا هجمات باريس خلال مواجهة أوكرانيا
رونالدو يوضح مقصده من كلمة "قريباً" حول نهاية مسيرته
إصابة المغربي أشرف حكيمي تتحول إلى مكسب تجاري ضخم…

صحة وتغذية

دراسة تكشف أن الشاي الأخضر والجوز يساهمان في إبطاء…
الصحة العالمية تحذر من وفاة أكثر من مليون شخص…
دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى
آلية دفاعية جديدة تمنح البكتيريا مقاومة متقدمة لمضادات الحيوية

الأخبار الأكثر قراءة

عشرات الطلبة عالقون تحت الانقاض بعد انهيار مدرسة اسلامية…
النقابة الوطنية للتعليم العالي في المغرب تعلن إضراباً وطنياً…
سبعة أسئلة مهمة يمكنك طرحها على طفلك بعد اليوم…
إدارة ترامب تضع جامعة هارفارد تحت المراقبة المالية المشددة…
لأول مرة منذ خمسين عامًا حذف الأسد من المناهج…