الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
ظاهرة "السماع" لأناشيد الذكر

القاهرة ـ سعيد فرماوي

يعتبر التصوّف حالة روحية تشف بصاحبها، وتأخذه إلى مقام من الصفاء الإنساني الحميم. وعادة ما تلهج ألسنة المتصوفين بترانيم وأناشيد لها طابع خاص، بكلمات قريبة من الروح، ذات نغم موسيقي فريد ومميز.

ويعرف المتتبع لحلقات الذكر الأشعار التي ينشدها الدراويش والمريدون، الذين يردد بعضهم أشعارًا من التراث، والبعض الآخر ينظم الأزجال والموشحات، على قدر موهبته الإبداعية.

ويحاول "دراويش" الصوفية التأثير في الجمهور المحيط بهم، وعلى حسب ما أورده "الهجويري" في كتابه "كشف المحجوب"، "كان دراويش الصوفية يهدفون إلى التأثير في الفرد من خلال جو خا،ص عن طريق السماع الذي تسهم في تكوينه الكلمات المصوغة شعرًا، وبالألحان والإيقاع والحركة الراقصة، حتى إن شيوخ الصوفية الكبار أفردوا له في مؤلفاتهم فصولًا وأبوابًا" .

ورأى الدكتور توفيق الطويل أنه "كان من نتائج إقامة حلقات الذكر انتشار ظاهرة السماع التي تعتبر ظاهرة صوفية قديمة، ارتبطت بالصوفية الأوائل، إذ نسب إلى ذي النون والجنيد ورابعة العدوية أنهم كانوا ينشدون الأشعار في مجالسهم، كما دافع شيوخ الصوفية عن السماع".

وتميزت بعض المجالس بما يقام فيها من حركات إيقاعية عنيفة، على طريقة أهل المغرب باستخدام الدفوف، وهناك شكل آخر وهو "التوسل بأشكال التعبير الشعبية" أو القوالب الفنية الشعبية المعروفة، كمجال الصياغة أفكار الدراويش، فقد كان ذا أثر بالغ في التأثير في وجدان الجماهير.

وظهرت فئة أنشأوا أدبهم في هذه الفنون، ومن أدلة ذلك ما عرف عن بعض كبار شعراء الصوفية بأنهم صاغوا في إطار الأشكال الأدبية الشعبية المعروفة كالموال والزجل والموشح، ومن بين هؤلاء ابن الفارض وابن عربي .

وأوضح الباحث الشعبي الدكتور إبراهيم عبدالحافظ، أن هذه الأمور وغيرها ساعدت على استمرار تدفق جموع الشعب على الطرق الصوفية، حتى أوائل القرن التاسع عشر، على ما يبدو من وصف إدوارد وليم لين في كتابه "المصريون المحدثون"، حيث صور باستفاضة ما كانت عليه الطرق الصوفية، وذكر أشهرها وهي الرفاعية، والشاذلية، والأحمدية، والقادرية، والسعدية، والبرهامية .

وشهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر نشأة التنظيم الأول للطرق الصوفية فأصبح لهم "مشيخة عامة" وأصبح لكل طريقة شيخ، ولكل شيخ خلفاء في القرى، ونواب في المراكز، وعرف رئيس الصوفية من بيت البكرية بشيخ مشايخ الطرق الصوفية والسجادة البكرية، وكانت تضاف إليه في بعض الأحيان نقابة الأشراف.

 وأكد إبراهيم عبدالحافظ أن مشاركة الطرق الصوفية في الموالد، وما يصحب ذلك من إقامة مجالس الذكر والمواكب وغيرها أمر قديم، وتعدد أنماط الزجل التي تتردد أثناء حلقات الذكر، لاسيما أنها أحيانًا تجمع ما بين الفصحى والعامية، من مثل قول بعضهم:

يا سادتي أنقذوني . . ياهل الكؤوس النقية

أنا علتي من عيوني . . طهقت من حب الدنية

وجوارحي الكل عصوني . . ما يحسبوها خلية.

ومن أشهر القصائد التي تغنى في حلقات التصوف القصيدة الشهيرة التي يقول مطلعها:

قلوب العاشقين لها عيون

ترى ما لا يراه الناظرونا

وألسنة بسر قد تناجي

تغيب عن الكرام الكاتبينا

وأجنحة تطير بغير ريش

إلى ملكوت رب العالمينا

بحور قد قصدا بالسر حتى

دنوا منه وصاروا صابرينا.

أما النصوص الشعبية الصوفية فلا تعد ولا تحصى بتعدد الأماكن التي يتواجدون فيها، وهي نصوص تحتوي على التعاليم الموجهة للدراويش في طريقهم الصوفي، ومنها حفظ العهد، وطاعة الشيخ، والإخلاص والتواضع، والتوكل على الله، والتذكير بالجنة والنار والثواب والعقاب، وتدعو إلى عمل الخير والتخلي عن متاع الدنيا، من مثل قولهم:

يا عبد توب وارتجع لا تحرقك ناري

لا مية تطفيها ولا نهر يكون جاري

متهوم مع الناس لكن عند الإله باري (أي بريء)

وإيش يعمل العبد للي فحرمه الباري

ومنها قول أحدهم:

رجال الحقيقة لهم بعد العشا لذات

تسأل عليهم تلاقيهم غرقانين في الذات

قلبي يحب النبي ما يشاهد إلا الذات

واتوه في حب الجلالة أنا لم علىّ ملامات

وتعد بردية البوصيري من أكثر الأشعار التي يرددها الصوفيون في مجالسهم وفي الموالد عند الإنشاد في حلقات الذكر، لاسيما هذه الأبيات التي تتردد بقوة وسط جوقة واسعة من المنشدين:

أمن تذكر جيرانًا بذي سلم

فرجت دمعًا جرى من مقلة بدم

أم هبت الريح من تلقاء كاظمة

وأومض البرق في الظلماء من أضم

فما لعينيك أن قلت اكففا همتا

وما لقلبك أن قلت السقف يهمم

أيحسب الصب أن الحب منكتم

ما بين منسجم منه ومضطرم

لولا الهوى لم ترق دمعًا على طلل

ولا أرقت لذكر البان والعلم .

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

أول ظهور لكنوز الملك توت عنخ آمون في المتحف…
وصول الوفود المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير…
مصر ترحب بقادة العالم في افتتاح المتحف المصري الكبير
المغرب يتوج بجائزة اللغة العربية تقديراً لجهوده في خدمة…
سارة السهيل ترعى حفل إشهار "أنشودة الخلود" وتؤكد أن…

اخر الاخبار

إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة أميركا على الضربات الإسرائيلية
أميركا تصنف 4 جماعات في أوروبا كمنظمات إرهابية أجنبية
كتائب القسام والجهاد تعلنان تسليم جثة أحد الأسرى الإسرائيليين
ماركو روبيو يدعو لتحرك دولي لوقف إمدادات السلاح إلى…

فن وموسيقى

يسرا تتسلّم وسام الشرف الفرنسي تقديراً لمسيرتها الفنية الطويلة
كريم محمود عبد العزيز يعلن انفصاله رسميا مؤكدا الطلاق…
منى زكي تكشف أسباب ابتعادها عن الوسط الفني ودخولها…
ملحم زين يكشف كواليس تفكيره في الاعتزال ويدافع عن…

أخبار النجوم

شيرين عبد الوهاب تتقدم ببلاغ رسمي ضد شقيقها وتطلب…
خالد النبوي يتألق في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ويهدي…
أسماء جلال تكسر صمتها وترد على أنباء ارتباطها بعمرو…
حرب تصريحات تشتعل بين أحمد سعد وناقدة فنية بسبب…

رياضة

ميسي وسالم الدوسرى يتفوقان على نجوم العالم فى الأداء…
مبابي يتعهد بتكريم ضحايا هجمات باريس خلال مواجهة أوكرانيا
رونالدو يوضح مقصده من كلمة "قريباً" حول نهاية مسيرته
إصابة المغربي أشرف حكيمي تتحول إلى مكسب تجاري ضخم…

صحة وتغذية

دراسة تكشف أن الشاي الأخضر والجوز يساهمان في إبطاء…
الصحة العالمية تحذر من وفاة أكثر من مليون شخص…
دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى
آلية دفاعية جديدة تمنح البكتيريا مقاومة متقدمة لمضادات الحيوية

الأخبار الأكثر قراءة

اعلان الفائزين في جايزة منصور بن زايد لتصوير الخيل…
القوات المسلحة الملكية تبرز التراث المغربي في معرض الفرس…
ناصر بوريطة يؤكد أن تخليد ذكرى 15 قرنا على…
المغرب يبدي اهتمامه بإنشاء قاعدة بيانات رقمية للمعالم التاريخية
التحقيقات تكشف تفاصيل جديدة في واقعة اختفاء أسورة الملك…