الرئيسية » عالم الثقافة والفنون
رواية "اختراع موريل"

الرباط- كمال السليمي

يصف خورخي لويس بورخيس رواية "اختراع موريل" للأرجنتيني أدولفو بيوي كاساريس بالكمال، بداية محفزة للقارىء للانغماس في هذه الرواية الصغيرة.

إذ جاءت في 110 صفحة من القطع الصغير، وصدرت العام 1940 وترجمت إلى 20 لغة ولم تنقل إلى العربية إلا منذ شهور قليلة.

عندما تقرأ هذه الرواية ستلهث خلف الأفكار المتلاحقة والمنسابة منها، في كل مفصل هناك الجديد دومًا، وتناصات مع هذه الرواية أو تلك وإحالات إلى أطروحة أدبية هنا أو هناك، وما يذكرك بحزمة من الأفلام.

حينما تبدأ الرواية بشخص هارب من شيء مجهول أو جريمة لا يفصح عنها السرد، يذهب للعيش في جزيرة معزولة يتجنبها الناس، لا يوجد فيها إلا قصر وكنيسة وحمام سباحة، وأماكن أسفل الأرض تتضمن أقبية وسراديب تحتوي على الآلاف من الكتب والمرايا واختراع موريل الذي لن نتعرف إليه إلا قرب نهاية الرواية، تعيش على الجزيرة أيضًا الضفادع والكائنات التي تثير اشمئزاز البطل كثيرًا.

فجأة تظهر امرأة يدعوها كاتب التقرير، وهو صوت آخر يسرد حكاية البطل، بـ"فوستين"، وهناك صوت ثالث يطلق عليه المؤلف "الناشر"، يراقب البطل فوستين من دون أنَّ تراه وهي تستحم، يقع في غرامها، في أحد الأيام تأتي وفي صحبتها مجموعة من الرجال والناس، يشعر بالخوف والانزعاج والغيرة، يحاول أنَّ يقترب منها ويتحدث إليها، ولكنها لا تراه ولا يقدر هو على التحدث معها.

لكن يظل البطل يراقب فوستين حتى يكتشف أنَّ حبيبها موريل اخترع آلة عجيبة توثق لحياة معشوقته مع أصدقائها، وأنَّ ما رآه البطل مجرد صور متحركة لأشخاص موتى، وفي حوار يعصف بكل قواعد اللعبة وما نظن أننا نفهمه ونقترب من الإمساك به، تخرج الشخصيات من الصور لترفض ما يفعله موريل، ولكن عندما يقترب البطل من فوستين يتكرر له ما حدث سابقًا.

تعود الجزيرة إلى سابق هدوئها القاتل، لنعيش مع البطل لحظات الختام وهو يعاني الخوف والوحدة وربما عدم فهم كل هذا الغموض والتعقيد اللذين يحيطان به، ولكن ما يعزيه هو أنه أحب فوستين المرأة الجميلة التي تستحق كل هذه التجربة.

وفي الرواية روح ستيفنسون وانعكاسات ستتردد لاحقًا في الأدب الوجودي إذ أفكار العزلة والسقوط والضيق بالآخرين، ولهاث وراء ثيمة المراقبة بكل أبعادها وتوظيفاتها وحيرتنا مع البطل المراقب الذي يكتشف أنه هو نفسه يُراقب في لعبة لا يفهم تفصيلاتها، ومشاهد ستصور فيما بعد مع موتى فيلم "The others" وحالمي "Inception" ومجانين "Shutter island"، وترديد مفهوم "الدخلاء" الذي نسمعه في الكثير من الحوارات السينمائية.

هؤلاء الذين اقتحموا الجزيرة الهادئة حيث المكان يراوح بين الطهرانية: الهارب الذي ينشد حياة جديدة ويقع في حب امراة، واللعنة الناتجة عن كل الألغاز المحيطة به، هل هؤلاء الدخلاء كائنات فضائية؟، هل يعيش البطل في حلم؟ لماذا لا يوجد أحد في الجزيرة؟ مع إحالات إلى مرض أو وباء حل بالجزيرة قبل سنوات عدة، وسنلمح ملاحظات حول آفاق الصورة المتحركة والفوتوغرافية، حيث ظلال من سوزان سونتاغ ورولان بارت وغيرهما.

في النهاية يتوسل البطل إلى كاتب التقرير ليجعل ماكينة موريل تبحث عنه وعن فوستين لتجمعهما في صورة واحدة، أنَّ يشتركا في الصورة وفق هذه الشخصية التي تتحدث إلى مؤلفها معناه الدخول في وعي المعشوقة وهو "الفعل الوحيد الرحيم في الحياة".

في "اختراع موريل" صوت سردي واحد ولكن ينتاب القارىء شعورًا قويًا بتعدد الأصوات، وشعورًا آخرًا بتعدد المؤلفين لهذه "النوفيلا"، وبرغم تركيز الحكي على بطل واحد، يتحدث مباشرة عن آلامه وأوهامه، إلا أنَّ ثقله لا وقع له، حيث نعرف منذ البداية أننا في متاهة أو لغز معرفي وفلسفي تدارسه بيوي في جلسة مجنونة مع صديقه بورخيس الذي اشترك معه في أكثر من خمسة كتب، متاهة البحث الدائم، متاهة المفارقات التي تحيط بنا بغلظة أو بخفة حسب الوعي وقبولنا لشروط اللعبة، ولذلك دون استرسال كبير لا يحتمله حجم الرواية أو طبيعة فكرتها في العزف على ثيمة محددة: البطل مطارد من مجهول، فوستين تخلب عقله، الجزيرة المنعزلة والغامضة؛ إذ تشكل كل ثيمة مفردة روايات عدة، تدهش المتلقي.

وبتشابك الثيمات وتداخلها وإبداع خطوط وهمية تفصل بينها يكون المؤلف، «المؤلفون»، قد قذف بنا داخل تلك المتاهة، لنسأل ونلح ونحاول الفهم ونتحول إلى مطاردين بأسئلة السرد، هل نتسرع ونقول إنَّ الحب نجاة من هذه المتاهة أو عزاء لمن يحاول فهم مداخلها ودروبها ومخارجها ويفشل؟ ولكن فوستين نفسها لا توجد في الحقيقة، هي داخل الصورة، المرأة المتخيلة أو المثال الذي تشارك الرجل الأول أسئلته أو وحدته/ سقوطه وأوهامه، في مكان لا يوجد فيه إلا قصر ومسبح وكنيسة، ولا نكاد ننتهي من الرواية حتى يتزايد الشعور بالمتاهة التي نستعيدها بالرغم منا "وصلت إلى الجزيرة ببوصلة لا أفقه فيها شيئًا، ودونما اتجاهات ولا قبعة، ومريضًا أهلوس".

 

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

أول ظهور لكنوز الملك توت عنخ آمون في المتحف…
وصول الوفود المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير…
مصر ترحب بقادة العالم في افتتاح المتحف المصري الكبير
المغرب يتوج بجائزة اللغة العربية تقديراً لجهوده في خدمة…
سارة السهيل ترعى حفل إشهار "أنشودة الخلود" وتؤكد أن…

اخر الاخبار

وزير الخارجية السوري يؤكد أن حكومته تسعى لتفادي التصعيد…
حزب التقدم والاشتراكية يعارض مشروع قانون المالية 2026 ويبرز…
الملك محمد السادس يهنئ خالد العناني بانتخابه أول عربي…
المملكة المغربية تشارك في أشغال الدورة الحادية والأربعين لمجلس…

فن وموسيقى

نانسي عجرم تكشف أسرار نجاحها والصعوبات التي واجهتها في…
يسرا تتسلّم وسام الشرف الفرنسي تقديراً لمسيرتها الفنية الطويلة
كريم محمود عبد العزيز يعلن انفصاله رسميا مؤكدا الطلاق…
منى زكي تكشف أسباب ابتعادها عن الوسط الفني ودخولها…

أخبار النجوم

شريهان تشكر المخرج محمد عبد العزيز وتهنّئه بتكريمه في…
ناهد السباعي تُعبر عن سعادتها بمشاركة فيلمها "بنات الباشا"…
شيرين عبد الوهاب تتقدم ببلاغ رسمي ضد شقيقها وتطلب…
خالد النبوي يتألق في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي ويهدي…

رياضة

ميسي وسالم الدوسرى يتفوقان على نجوم العالم فى الأداء…
مبابي يتعهد بتكريم ضحايا هجمات باريس خلال مواجهة أوكرانيا
رونالدو يوضح مقصده من كلمة "قريباً" حول نهاية مسيرته
إصابة المغربي أشرف حكيمي تتحول إلى مكسب تجاري ضخم…

صحة وتغذية

دراسة تكشف أن الشاي الأخضر والجوز يساهمان في إبطاء…
الصحة العالمية تحذر من وفاة أكثر من مليون شخص…
دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى
آلية دفاعية جديدة تمنح البكتيريا مقاومة متقدمة لمضادات الحيوية

الأخبار الأكثر قراءة

انطلاق تصفيات مسابقة مؤسسة محمد السادس للعلماء الافارقة في…
اعلان الفائزين في جايزة منصور بن زايد لتصوير الخيل…
القوات المسلحة الملكية تبرز التراث المغربي في معرض الفرس…
ناصر بوريطة يؤكد أن تخليد ذكرى 15 قرنا على…
المغرب يبدي اهتمامه بإنشاء قاعدة بيانات رقمية للمعالم التاريخية